ويمشي في الأسواق
السر السيد
عن حسن أحمد الشيخ الذي كان ميلاده في العام 1945 في مدينة عطبرة، ولا يزال يسكنها وتسكنه، يمنحها روحه وجسده وخطواته القاصدة. قد أستطيع أن أصفه بالمثقف متعدد المجالات المنخرط في اليومي، مع الناس، في شوارعهم المغبرة الناطقة بالهتاف وحلو الكلام، في أفراحهم وأتراحهم وأسئلتهم الحارقة.. إنه من تلك الثلة، التي استطاعت أن تشكل حضورًا في الفضاء العام للكتاب والمفكرين السودانيين، ذلك الحضور المسيّج بسلطة “الاعتراف”، التي تقوم على نوع من الفرز والانتخاب غير البريء في أكثر الأحوال، فتاريخ المثقف في السودان غالبًا ما يسلط الضوء على مثقفي ومثقفات العاصمة المثلثة وحتى هؤلاء لم يسلم بعضهم من آلية “الخيار والفقوس”.
حسن أحمد الشيخ الموظف العمومي وابن الخدمة المدنية العتيد، الذي فضل المعاش الاختياري منذ سنوات، يوزع أوقاته بين بيته والتجول في خدمة الناس، ومتعة المعرفة وعنتها، والمؤانسات الودودة التي تُعبئ رحيق الذاكرة والتاريخ والراهن في وردة واحدة. تلك المؤانسات التي ينعقد مجلسها يوميًا في مكتبه البسيط في سوق عطبرة الكبير. في المكتب البسيط هذا الذي لا يبعد كثيرًا عن محطة السكة حديد عطبرة، تتخلّق المعرفة وتتسع أوردة المحبة ويصبح للنضال قدمين ورائحة.
هنا في هذا المكتب البسيط ومنذ الحادية عشرة صباحًا وحتى تسلل الشفق البديع، وبشكل يكاد يكون شبه يومي، يغدو المكان مكانًا يضج بالشعر والفكر والرياضة والسياسة والذكريات، حيث يتوافد المبدعون والسياسيون والنقابيون والمعلمون وغيرهم، لا يجمع بينهم إلا تشاركية المعرفة والهم العام وتمجيد الاختلاف، وممن التقيتهم في هذا المكتب المناضل والمثقف الودود عبدالله القطيني، والشاعر هاشم حسن الطيب، والشاعر والروائي عادل سعد يوسف، والمعلم والسياسي النشط الأستاذ طلحة، والمؤرخ والاستاذ الجامعي عثمان السيد، والكاتب المثابر عبدالرحمن الخيِّر، وآخرون وأخريات لا يسع المجال لذكرهم وذكرهن.
تأتي كتابتي عن المناضل والمثقف والباحث حسن أحمد الشيخ احتفاء بنضارة أيامه المبذولة في خدمة الناس، فقد كرّس الأستاذ أيامه وهو الآن في الثمانين من العمر في خدمة المعرفة المناضلة، والعمل الصالح، كاتبًا، وخطيبًا، ورياضيًا ونقابيًا، وفاعلًا في المجتمع المدني بمختلف مجالاته، فقد كتب في السياسة والآداب والفنون والرياضة والتاريخ الاجتماعي وسير الشخصيات والأمكنة، فمن مؤلفاته على سبيل المثال لا الحصر: “عطبرة رموز ومعالم”، “يوميات رحالة في سوق عطبرة”، “نادي النسر عطبرة 1927-2017، “آيات الله في الأنفس والآفاق”، “عطبرة أنشودة الصبر والصمود”، كما له مخطوطة عن تاريخ المسرح السوداني حوت إشارات مهمة، عن المسرح في مدينة عطبرة، غفل عن بعضها التاريخ الرسمي للمسرح السوداني.. هنا لا يفوتني أن أشير إلى أن الأستاذ قد تبوأ منصب سكرتير النقابة العامة لموظفي السكة حديد 82-1968، ومنصب سكرتير اتحاد كرة القدم عطبرة 95-1998، و2003-2004، ومنصب رئيس اتحاد الجمعيات التعاونية عطبرة 2004. هذا إضافة إلى عضويته في الكثير من اللجان والمجالس خاصة ذات البعد الجماهيري كعضويته في مجلس إدارة الاتحاد العام لكرة القدم السوداني.
في كتاباته نقف على احتفاء بالناس، والأمكنة خاصة في مدينته التي أحب، (عطبرة)، فقد كتب عن الأحياء والأندية والتكايا والزوايا، والعمل النقابي والعمل الثقافي، والمصالح الحكومية والشخصيات. إنها كتابة يمكن وصفها بأنها تترصد الخير في الناس وفي الأمكنة والمؤسسات، كتابة تقول: إن النضال من أجل الناس ليس امتيازًا وأنه سُبْلًا وليس سبيلًا واحدًا.
شذرات مما كتب:
في كتابه نادى النسر عطبرة ١٩٢٧-٢٠١٧، كتب: (لم يكن نادي النسر ناديًا للألعاب الرياضية والترفيهية فقط لكنه ساحة للآداب والفنون والمسرح والعلاقات الاجتماعية، يكفي أنه وحتى الآن فإن معظم مناسبات أهل المربعات شرق فرحًا أو عزاء تقام داخل النادي، واستقبل النادي حلقات محو الأمية وتعليم الكبار، ونشاط الهلال الأحمر والجمعيات النسوية، وجمعية الراحل محمد أبو زيد الجعلي عند افتتاح دار شيخ أبو زيد للمعرفة٢٠٠٢ وكل مراحل الانتخابات البرلمانية).
في كتابه عطبرة أنشودة الصبر والصمود عرّف بالعديد من الشخصيات ذات الأثر الكبير في المدينة، نذكر منهم النقابي المعروف الحاج عبد الرحمن، والمسرحي جعفر عز الدين، والقابلة الأشهر حليمة ماضي، وصديقه الشاعر حاج حمد عباس ١٩٤٦-٢٠٠٢، وقد كتب عنه:
(…وفي ذات العام ٢٠٠٠، تم البعث الثاني لرابطة أصدقاء نهر عطبرة الأدبية من دار لجنة تطوير عطبرة بالفكي مدني غرب منزل الموسيقار مكي سيد أحمد، وفي ذات العام راجع وصحح وجمع دواوينه الشعرية وسلم نسخها لصديقيه المحامي تاج السر خضر عبدالعزيز وحسن أحمد الشيخ. معاناة حاج حمد عباس من آلام الكلى وما ترتب عليها تصاعدت عام ٢٠٠١ ليسلم الروح في مستشفى عطبرة في مارس ٢٠٠٢ ويدفن في مقابر المجذوب بالدامر.. ويمتد الحزن على حاج حمد حين يلازم الفشل المسؤولين في طبع أي من دواوينه).
جاء في الكتاب أن لحاج حمد ثمانية دواوين، هي:
“التيه والمدينة المزورة”، “عندما انشق القمر”، “ساقية الرماد”، “الحزن في نوباتيا”، “قراءة لأول الموتى”، “مجموعة البرد والسراب”، “آه على نوباتيا”، “مدينة تنتظر الرسول”.
أختم هذه المقالة الاحتفائية الموجزة بمقطع شعري أورده المؤلف من قصيدة لحاج حمد عنوانها: (سيدة لم تمت.. جدارية أولى):
وابحث عن قمر في النهار
واسقط في حوانيتها جائعًا مثل طفل يتيم
ونحوي تمد المسافات نصلًا قديمًا
ليتني أبدأ الآن غرسًا جديدًا
وازهو بميلادها من جديد.
شكرًا أستاذنا حسن أحمد الشيخ وشكرًا مدينة النضال عطبرة.