حين ينهكها العمل ويقويها الأمل .. حكاية جميلة وأطفالها في مخيم أبو شوك

بقلم: أوموندي أوكوث

في مخيم أبو شوك شمال دارفور، لا تملك جميلة وأطفالها الأربعة سوى مأوى هش: غطاء بلاستيكي رقيق مشدود بين عمودين خشبيين، وحصيرة بالية تفترشها الأرض. تجلس عليه وهي تحتضن طفلتها الصغرى، بينما تتشبث بأطراف ثوب أمها وكأنها تبحث عن الأمان المفقود.

حولها، يمضي المخيم في صراع البقاء تحت شمسٍ حارقة وغبارٍ لا يهدأ. وعلى الرغم من أن جميلة لم تتجاوز السابعة والثلاثين من عمرها، فإن وجهها المرهق يشي بسنواتٍ أثقلتها الحرب والخسارات المتكررة.

قبل اندلاع الحرب، عاشت جميلة مع زوجها في زالنجي، حيث كانا يديران متجرًا صغيرًا للبقالة. لم يكن المتجر كبيرًا، لكنه كان مصدر كرامة ورزق للأسرة، ومكانًا يلتقي فيه الجيران مساءً على الشاي وضحكات الأطفال.

لكن تلك الحياة انهارت فجأة. ففي أحد الأيام، سقطت قذيفة على منزلها، دمرت البيت والمتجر معًا. وفي خضم الفوضى، اختفى زوجها دون أثر، تاركًا جميلة وحيدة مع أطفالها. تقول بصوت متهدج: “حتى اليوم لا أعرف إن كان حيًا أم ميتًا”.

أمام هذا الواقع، اضطرت جميلة إلى الفرار شمالًا بأطفالها. حملت ما استطاعت على عربة يجرها حمار، وسارت يومين كاملين تحت الشمس الحارقة. وفي الليل، كانت تفرش قطعة قماش على الأرض ليستريح عليها الأطفال الجائعون.

ومع استمرار النزوح ونفاد الموارد، باعت جميلة الحمار – وسيلتها الوحيدة للتنقل – مقابل القليل من الطعام. تتذكر: “كنا نعيش على الفاصوليا والماء. كنت أدعو الله أن يكون ذلك كافيًا لإبقاء الأطفال أحياء حتى نجد الأمان”.

وصلت جميلة إلى مخيم أبو شوك، حيث تعيش اليوم على أعمال بسيطة مثل غسل الملابس وجلب الماء لقاء القليل من الطعام. لكنها تقول: “إذا لم أجد عملًا، سيجوع أطفالي، أو يمرضون، أو حتى يموتون. ليس لهم أحد غيري”.

المخيم ليس آمنًا ولا كافيًا، خاصة في موسم الأمطار، حيث يندر العمل ويزداد الجوع. لكن رغم كل شيء، تتمسك جميلة بعزيمتها: “لن أسمح لأطفالي بالجوع”، تقول بثبات.

قصة جميلة تعكس مأساة ملايين النازحين في السودان، حيث يعيش البلد واحدة من أكبر أزمات النزوح في العالم. وبحسب التقديرات، فقد نزح أكثر من 14 مليون شخص داخل البلاد وخارجها حتى أغسطس/آب 2025. وتتحمل دارفور النصيب الأكبر من هذه الكارثة الإنسانية.

ورغم أن أكثر من مليوني شخص عادوا إلى مدنهم منذ بداية العام، فإن آخرين – مثل جميلة – لا يجدون مكانًا يعودون إليه بعد أن دُمرت منازلهم وفقدوا أحبّاءهم.

مع حلول المساء في المخيم، يلتف أطفال جميلة حولها ويسألون عن الطعام. تضمهم إليها وتربت على رؤوسهم بيدين أنهكهما العمل. فقدت منزلها وزوجها وحياتها الماضية، لكنها لم تفقد إرادتها. في صمودها من أجل أطفالها، تحمل جميلة بصيص أمل لسودان يبحث عن مستقبل يتجاوز الحرب والدمار.

====
أوموندي أوكوث، كاتب الأخبار في قسم الإعلام والاتصالات في المنظمة الدولية للهجرة في جنيف

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى