رؤية عامة لمستقبل الاقتصاد السوداني بعد الحرب
رضوان بلال
يواجه السودان اليوم لحظة فارقة في تاريخه الاقتصادي، فالحرب لم تدمّر فقط البنية التحتية ومصادر الإنتاج، بل خلّفت واقعًا اجتماعيًا واقتصاديًا معقدًا يتطلب تفكيرًا جديدًا ورؤية وطنية جامعة.
إن إعادة بناء الاقتصاد السوداني لا يمكن أن تقوم على المحاكاة أو النقل الأعمى للتجارب، بل على دراسة متأنية لواقعنا، واستلهام من التجارب الناجحة ما يناسب بيئتنا ومواردنا.
التجربة الصينية مثال ملهم في الجمع بين آليات السوق وتدخل الدولة، لكنها نجحت بفضل وضوح الرؤية الوطنية والانضباط المؤسسي، والإدارة المثالية للموارد ، لا بمجرد شكل النظام الاقتصادي. أمَّا روسيا، فرغم تبنِّيها مزيجًا مشابهًا، إلا أن ظروفها السياسية والاقتصادية تجعل من تجربتها مسارًا مختلفًا لا يصلح للاقتباس المباشر.
من هنا، فإن المطلوب في السودان هو اقتصاد وطني مرن ومتكامل (هجين) يقوم على المبادئ التالية:
1. بناء رؤية اقتصادية وطنية مستقرة تتجاوز التغييرات السياسية وتستند إلى توافق وطني حول الأولويات.
2. مراجعة الخطط السابقة بعقل مفتوح، وخاصة الخطة التي وضعتها قوى الحرية والتغيير وبرنامج حكومة حمدوك، لا لنسخها بل لتقييمها والبناء على ما هو صالح منها.
3. التركيز على القيمة المضافة في المنتجات الزراعية والحيوانية والمعدنية، بدل تصديرها خامًا، لضمان عائد أكبر وفرص عمل أوسع.
4. ربط مواقع الإنتاج بمراكز الاستهلاك من خلال تطوير البنية التحتية للنقل والتخزين والأسواق، بما يعزز التكامل الاقتصادي الداخلي.
5. توسيع قاعدة الشراكات الاقتصادية داخليًا وخارجيًا، على أسس عادلة وشفافة، تضمن مصلحة السودان وتستفيد من موقعه وموارده.
6. إصلاح مؤسسات الدولة الاقتصادية لتعمل بكفاءة واستقلالية، بعيدًا عن المحاصصة السياسية والفساد الإداري.
إن الطريق نحو النهضة الاقتصادية السودانية يبدأ من اتفاق وطني صادق على أن الاقتصاد قضية وجود لا سياسة، وأن مستقبل الأجيال القادمة يعتمد على ما نزرعه اليوم من رؤية، انضباط، وإرادة.
رضوان بلال
طرابلس ١٣ اكتوبر ٢٠٢٥م