الثقافة والفنون بين ثورة ديسمبر المجيدة وحرب الخامس عشر من أبريل في السودان

وئام كمال الدين
لا يخفى على الناظر والمواطن البسيط ما لعبته الثقافة والفنون من دور كبير في ثورة ديسمبر بالسودان، فقد كانتا جزءا من تشكيل الوعي الجمعي والوجدان السوداني ما قبل الثورة، ليتبلورا كأداة تعبير تشبه روح الثورة تماماً، تهتفان بالمطالب الشعبية والاحتجاج ضد النظام الحاكم.
الشعر والأغنية كانت من أهم الفنون التي استخدمت للتعبير عن الثورة، حيث كتب الشعراء قصائد حماسية تحث على النضال والمواجهة، وغنّى المغنون أغاني ثورية أصبحت شعارًا للثورة. ولازال الأطفال يرددون “مافي مليشيا بتحكم دولة” و”يا برهان ثكناتك اولى”.
كما أن الفن التشكيلي أيضًا كان له دور كبير، حيث رسم الفنانون جداريات تعبر عن الثورة ومطالبها، واستخدموا الفن للتعبير عن رفضهم للنظام الحاكم. كما كانت هناك مبادرات فنية مثل “تجمع التشكيليين السودانيين” الذي عمل على توثيق الثورة من خلال الفن.
تحول الشارع السوداني إلى مهرجان ومعارض فنية وثقافية غنائية وشعرية ومسرحية. كما أن من لم يحفظ الشعراء في المدارس تعلم الشعر وحفظه في المواكب السلمية. سلاحها الأدب والثقافة، الشعر والفن حملت ديسمبر المنابر على أكتافها واختضت المسارح وحفتها الجداريات وعكستها السينما توثق وتنتج إنتاج أفلام وثائقية تعبر عن الثورة ومطالبها.
الثقافة والفنون كانت أيضًا وسيلة لتوحيد الشعب السوداني، حيث عبرت عن المطالب المشتركة للشعب السوداني وتجاوزت الانقسامات القبلية والجهوية. وكانت سبباً آخراً ليلتفت العالم إلى ثورة ديسمبر المجيدة.
فهاهي الشبابيك والمهرجانات تفتح للسودانيين: “مدنيا” للمخرج محمد صباحي، “عيسى” للمخرج مراد مصطفى، “أشياء لا تنسى” للمخرج محمد كردفاني. وهذا على سبيل المثال لا الحصر.
تغنا السودانيون بآمالهم وأحلامهم
حربة
سلام
وعدالة
ومدنية ، هتفوا “يا عنصري ومغرور كل البلد دارفور”، وأعادوا إنتاج الأغاني الوطنية “أرض الخير أفريقيا مكاني” و”شرقت سما السودان القومية”. شعر السودانيون بالفخر في المهجر، الجميع ينظر إليهم باحترام أبطال سلميون يتعلم منهم العالم.
ويحدث رؤساء العالم الأول متظاهريهم أن يكونو مثل السودانيين. “عندك خت ما عندك شيل” هم يشبهون ثورته تماماً.
ثم كانت الحرب، الأحزان والجراحات والمآسي، ورائحة الموت والتفرقة والشتات والشروخ والفجوات العميقة بين السودانيين، والضغائن التي نمتها الحرب وزادها نافخو النار
بل بس
جغم بس
ديل جلابة
ديل عرب شتات
ديل فلانقايات وهكذا.
المثقفون يعيدون إنتاج الإنفصال ومثلث حمدي ودولة النهر والبحر، والشعراء ينهالون على الثوار بمرابيع التخوين والعنصرية والقبلية والإقصاء، ويهللون الحرب والغناء يتحول إلى مساخر دعاة الحرب من الجانبين.
ويمزق النسيج الاجتماعي والثقافة الاجتماعية تقسم السودان إلى شعوب على أساس عنصري ومناطقي وقبائلي. الميديا تصبح منبر من لا منبر له يتصدر مشهدها الجهل والسقف الأخلاقي المتدني والسفه والعته لينظر الجميع وليخاف أصحاب الرأي قول الحق الذي قد يجعل منهم خونة وعملاء.
تأكلهم التعليقات التي تقودها الغرف الإلكترونية لدعاة الحرب. الدم يغريهم والموت مدعاة للفرح والشماتة والانتهاكات مادة يزايد عليها الجميع وسلعة للتكسب السياسي.
ثم ينهار كل شيء، فمعادي السلام الأمس انتهى دوره اليوم، والآن يقود السلام ويتصدره (بلا خجلة) بلا اعتذار. لجمهوره ومتابعيه عن موقفه بالأمس يبرر لتغيير موقفه بالأكاذيب.
لا يقول انه قبل ما خون عليه الآخر بالأمس، لا يعتذر عن إطالة أمد الحرب باستقطاب القاعدة الشعبية هو فقط يخبرهم انه ليس نفس السلام.
لا يزال داعي الحرب يكذب ويتحرى الكذب، ولا يزال دعاة السلام لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. لا عجب أن رموز الثورة يشبهون الثورة في عظمتها وثقافتها وفنها، ورموز الحرب يشبهون الحرب بكل السوء والموت والدمار والكره الذي خلفته.
اللهم أنت السلام ومنك السلام…





