الكيزان في القفص الأميركي


بقلم : إبراهيم هباني
لم يكن مشروع القرار الأميركي بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين في السودان تنظيمًا إرهابيًا مجرد خطوة قانونية عابرة، بل تحوّلًا سياسيًا عميقًا في طريقة نظر واشنطن إلى المشهد السوداني، وإقرارًا متأخرًا بأن أصل العطب في الدولة، وأصل الحرب، وأصل تعطيل كل مسارات السلام، يقف عند بوابة التنظيم الذي أمسك بمفاصل الدولة ثلاثين عامًا ثم عاد يتخفّف من اسمه ليحكم من وراء الستار.

القرار، وإن جاء في صيغة “مشروع”، إلا أنّه وضع الكيزان لأول مرة في قفص الاتهام الدولي المباشر، لا بوصفهم طرفًا سياسيًا قابلًا للتدوير، بل كتنظيم مؤدلج عابر للحدود، يوظّف الحرب، ويستثمر في الفوضى، ويغتال الدولة باسمها.

منذ اندلاع الحرب، لم تتعامل سلطة بورتسودان مع أي مبادرة دولية بعقل الدولة، بل بعقل التنظيم. كل مبادرة وئِدت، وكل وساطة أُفرغت من مضمونها، وكل مسار سلام جرى تعطيله، ليس دفاعًا عن السيادة كما يُقال، بل دفاعًا عن قبضة الإخوان على ما تبقّى من جهاز الدولة. كانت الرسالة واحدة: لا سلام خارج عباءة التنظيم، ولا دولة خارج شروطه.

اليوم، تقول واشنطن بوضوح ما كان يُهمس به طويلًا: المشكلة ليست فقط في البنادق التي تتواجه، بل في اليد التي تمسك بخيوط السياسة من خلفها. إنّ تصنيف الإخوان يعني أنّ الحرب لم تعد تُقرأ كصراع عسكري صرف، بل كمشروع سياسي مؤدلج لإعادة إنتاج دولة التنظيم تحت أنقاض دولة الوطن.

الأخطر أنّ هذا القرار لا يستهدف الماضي بقدر ما يضرب المستقبل. فهو يضع كل من يتحالف مع الإخوان، أو يغطيهم، أو يمنحهم واجهة سياسية وعسكرية، تحت مجهر المساءلة الدولية. لم يعد ممكنًا اللعب على الحبال، أو التستر خلف شعار “معركة الكرامة”، فيما القرار الحقيقي يُدار في غرف مغلقة بعقل إقصائي لا يعرف سوى منطق التمكين.

سلطة بورتسودان تعاملت مع الحرب كفرصة لإعادة تموضع الإخوان في قلب الدولة، لا ككارثة وطنية تستدعي الفكاك من إرثهم.

ولهذا بدت في حالة صدام دائم مع المجتمع الدولي، ومع كل مبادرة سلام، ومع كل صوت يدعو لوقف النزيف. كان منطقها بسيطًا وخطيرًا: استمرار الحرب ضمانة لاستمرار القبضة.

مشروع القرار الأميركي يعني ببساطة أنّ هذا المنطق وصل نهاياته. وأنّ الغطاء الدولي الذي كان يُمنح للإخوان تحت عناوين محاربة الإرهاب أو حماية الاستقرار قد رُفع. وأنّ المجتمع الدولي بدأ يعيد تعريف من هو مع الدولة، ومن هو ضدها.

هذا ليس انتصارًا سياسيًا لأحد، بل فرصة أخيرة للدولة السودانية لكي تستعيد نفسها من قبضة التنظيم، وتفصل بين الجيش كأداة وطنية، وبين الإخوان كجماعة وظّفت المؤسسة العسكرية لخدمة مشروعها لا لخدمة الوطن.

السودان لا يحتاج إلى حرب تُطيل عمر الإخوان، بل إلى سلام يطوي صفحتهم. ولا يحتاج إلى سلطة تُدار بعقل التنظيم، بل إلى دولة تُدار بعقل الأمة. وما لم تفهم هذه الحقيقة الآن، فإنّ القفص الأميركي قد يكون البداية فقط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى