شرعية سلطة البرهان- تحليل على ضوء الفكر السياسي ومفهوم الدولة

بقلم : أحمد عثمان محمد المبارك- المحامي

تعد مسألة شرعية السلطة التي يتولاها حالياً عبد الفتاح البرهان منذ انقلابه في 25 أكتوبر 2021 وما تلاه من تطورات، من أكثر القضايا التي تتطلب فحصاً دقيقاً على ضوء المفاهيم الأساسية لفلسفة الدولة ونظرية الشرعية السياسية.

إن مفهوم الشرعية في جوهره السياسي، هو القبول والاعتراف بنظام الحكم من قبل المحكومين وذلك بما يمنح السلطة قوتها السياسية من خلال التفاهم والموافقة المتبادلة وليس بمجرد الإكراه والقوة. وهي بالتالي تختلف عن (المشروعية)، فبينما يقصد بالمشروعية مطابقة تصرفات السلطة للقوانين القائمة، تتناول (الشرعية) أحقية الحكم نفسه ومدى قبوله.

ومن هنا يمكن تلخيص الشرعية وفقاً للفكر السياسي العام، بأنها المصدر القانوني والدستوري للسلطة أو كما وصفها عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر (Max Weber) في السياق الحديث   (بالشرعية العقلانية القانونية)، التي تستمد من الإجراءات والمؤسسات التي تنشئ وتنفذ القانون، وهذه تتحقق بوصول الحكومة إلى السلطة وفقاً للإجراءات القانونية المنصوص عليها في الدساتير، أي أن السلطة تمارس ضمن حدود القانون. وتعتبر الأوامر والقوانين شرعية لأنها تكون صادرة عن هيئات مخولة قانوناً.

كما أكد فلاسفة التنوير، مثل جون لوك (John Locke)، على أن الشرعية السياسية تنبع من الموافقة الصريحة أو الضمنية للمحكومين.. وعليه، فإن الحكومات تستمد سلطاتها العادلة من رضا المحكومين، وأن أي شكل من أشكال الحكم مغاير لذلك يصبح مدمراً لهذه الغاية ويحق للشعب تغييره أو إلغائه. ووفقا لهذا الفهم الفكري، فإن الانتخابات الحرة والنزيهة تظل هي الآلية الأساسية للتعبير عن هذه الموافقة في النظم الديمقراطية. 

وهناك معيار آخر يشير إليه  البعض وهو أن الشرعية يمكن أن تنشأ ويحافظ عليها من خلال قدرة النظام على الأداء بفعالية وتقديم المصالح العامة (مثل الأمن والاستقرار والخدمات الأساسية)، مما يكسبه ثقة ودعم الجماهير.

وبتطبيق هذا المفهوم على سلطة عبد الفتاح البرهان، وإن بدأت كجزء من شراكة انتقالية (ذات شرعية ثورية دستورية) إلا أن  إنقلاب البرهان بالقوة العسكرية في أكتوبر 2021 أفقدها الشرعية عندما ألغى البرهان الحكومة الإنتقالية المدنية ومجلس السيادة المشترك، منتهكاً بذلك الوثيقة الدستورية التي كانت تمثل الإطار القانوني المقبول من الثوار الذي أكسبه شرعية رئاسة مجلس السيادة. وقد وصفت قوى سياسية داخلية وحكومات ومنظمات دولية تصرف البرهان في 2021 بالانقلاب على الشرعية، مما يعني أن سلطة البرهان  لم تتحقق بقبول شعبي او إجراءات قانونية عقلانية شرعية عبر آليات دستورية، بل اتنزعها  بالإكراه العسكري. وما يؤكد أيضاً عدم شرعية البرهان للسلطة، التي يتشبث بها، ذلك الرفض الشعبي العارم والموجة الرافضة التي تلت الانقلاب في ساعته الأولى وشهد كل العالم مطالبة الجماهير بالحكم المدني الكامل، مما قضى على الأساس الفلسفي الذي تقوم عليه شرعية السلطة وهو كما أسلفنا، (قبول المحكومين). 

هذا الفعل الانقلابيين الذي قام به البرهان واستيلائه على السلطة بالكامل قبل نهاية الفترة الانتقالية ونهاية المهام المتفق عليها، أفقده الهدف والمشروعية التي قامت عليها الفترة الانتقالية.

ونستخلص من ذلك أن سلطة البرهان من منظور الشرعية السياسية، تعاني من عجز كبير في ثلاثة أبعاد رئيسية وهي أولا، وكما اشرنا، الشرعية القانونية بسبب الإطاحة بآليات الحكم الانتقالي المتفق عليها وخرق الوثيقة الدستورية. وثانيا، الشرعية الشعبية بسبب الرفض الواسع من القوى المدنية والاحتجاجات الجماهيرية.

ثم ثالثا، الشرعية الأخلاقيةوالسياسية بسبب الإرتداد عن أهداف الثورة وتمكين عناصر النظام السابق المرفوض شعبياً، بما هدد مبدأ دولة القانون وتغذية أجندة غير ديمقراطية.

وبناءً على تلك المعايير الفلسفية والدستورية لمفهوم الشرعية فإن السلطة الحالية في بورتسودان تواجه تحدياً وجودياً ينزع شرعيتها ويضعها في خانة سلطة الأمر الواقع التي تفرض نفسها بالقوة، لا السلطة الشرعية التي تحظى بالقبول الطوعي من المحكومين..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى