جوابات للاحباب: رسالة للسيدة سمية سليمان

*عثمان يوسف خليل*
يا سمية، ازيك واولاً في “التبادي”، كما يقول أهلي في تلك الأصقاع من السودان. بكتب ليك جوابي ده من بلاد (جون) أبثّ فيه كل تحياتي الزاكيات لشخصك الكريم وانتي تنعمين بما حولك ومع من حولك في بلاد العم سام والله يكفينا شر كل شي سام..عارفة اماتنا كانن في ساعة وداعنا بدننا دعوات غاية في الروحانيات مثل:
امش ياولدي، الله يعدل ختِوْتك واهون قاسيتك واكفيك الهموم وشر السموم ومن الناس وشر الوسواس الخنّاس..
ولو تقبلي ولانك عودتينا يا ست سمية انك بتغني بصوت رنان اسمحي لي أغنّي ليك مع أولاد المأمون:
«أقيس محاسنك بمن يا الدر الماليك تمن».
ما دفعني للكتابة اليك بعد الاحترام والتقدير هو انه عندنا مشروع توثيقي وقد سميناه «جوابات للأحباب»، قصدنا به إحياء ثقافة المراسلات التي خبا نورها. وأظنك تعرفين أدب الرسائل الذي أُلِّفت فيه كتب ظلّت تُقرأ عبر الزمان. وليتنا كنا مثل أولئك العظماء.. ولكننا نحاول قدر معرفتنا، أن نترك أثرًا مفيد لأجيال قادمة لتعرف من خلاله من نحن، وماذا فعلنا، وكيف عشنا.
الشي التاني الذي دفعني لأكتب لك هو اهتمامك بالعلم والفنون والثقافة، عرفنا ذلك من تلهفك للمعرفة ومفاتيحها..زياده على ذلك ياسمية هو إعجابي بروحك اللطيفة تلك الروح التي تقول الكثير لتحكي عن رهافة قلبك وكريم أصلك. وأظنك تتفقين معي أن المرء مرآة أهله وبيته. طيّب الله مقام بيتكم الكريم، وجعل بيتك نورًا لك ولمن تحبين.
تعرفي يا سمية… أهلنا لسه بقولوا: «الزول بونسو بالشاغله». ما دفعني لقول ذلك انك في آخر مره التقينا فيها في أحد الاسافير فهمت من كلامك انه الشيء البرضيك هو طلبك لمحبيك إنهم يذكروك الآن وأنتِ «شديدة ولضيضة» كما قلتِ. والما بعرفك بجهلك لكنك مابتخلي الناس تنساك وتجهلك فانت استطعت أن تفرضين نفسك على من تعرفين ولاتعرفين، ليس بالقوه طبعاً ولكن باللطافه والجاذبية السحرية التي تتمتعين بها (ياخ طلبتك بالله تدينا منها حبه)، والكلام ده ذكرني قول الشيخ العبيد ود بدر الذي له مقولة شهيرة ارى ان تدرس لحكمتها والتي يقول فيها (الماعنده محبه ماعنده الحبه، والعنده محبه ماخلاّ الحبه) واهو دي حكمة اهلنا التي تأتي عفوية لأن قلوبهم مليانه بالحب وأنتِ .. واتمناك من زمال حب الخير وانتي هناك في صفاكِ زي بدر السما..
أما حديث السيدة نهاد، ففيه حكمة. أظنها تشير للمثل المشهور: «أريت يوم شكرك ما يجي»، أي إن الناس ما بتذكر الزول بحق إلا بعد رحيله. وفعلاً نحن شعب خجول في عواطفه، بخيل في إظهار مشاعره ولا ما كده؟
يا بت أبُوك وست الكل، عايز أقول ليك حاجة:
القلب ما بشيل اتنين، حب وكراهية، وقلب الإنسان دليل إحساسه، وأنتِ قلبك طيب زي عقد نجوم ما بتنطفي. ودليلي إجماع الناس حولك على محبتك دي نعمة من نعم الله..
وقد وضعتيني في موقف لا احسد عليه حين طلبتِ «الشي الغالي». لكن لايغلى عليك شي وها أنذا أردد مع عيال بلادي زمان:
«أنا جاييك يا فاطمة السمحة
في غُمضة وفي لمحة
وأحقق ليك كل الدايرها…»
يا حليل زمن السفر بالخيال، والعوم فوق الرمال، والبيع بالقرش والريال، والسكن في بيت الأم والخال. لقد تعبنا يا سمية من سفر الماضي البعيد، رغم قناعتنا أن القادم أحلى. لكن نحن بشر، وخلقنا الله في كبد. ونعم الخالق.
وأعرف أنك تحبين الحاضر بما فيه من مباهج، وتسرحين مع غناء وردي وعثمان حسين، ملوك الرومانسية. وأتخيلك ترددين مع وردي:
لو بإيدي كنت طوّعت الليالي
لو بإيدي كنت ذللت المحال
والأماني الدايرة في دنياي
ما كانت خيال.
شوفي بالله كيف وردي ده طوّع الرومانسية في الستينات لذلك خلدت اغنياته، كان ذلك قبل أن يترك ساحة ذاك النهر الخالد إسماعيل حسن، ليجد ضالته عند إسحاق الحلنقي الذي شكل معه ثنائية جمعت بين الرومانسية والواقعية الجديدة وقتها.. ولأن السلطان وردي صاحب تجديد اضافة للمزاج النوبي ترك الحلنقي واتجه نحو اليسار الذي قاده إلى موجة الاشتراكية التي وجدها ممهدة عند شعراء كبار مثل محجوب شريف والدوش وعلي عبد القيوم وغيرهم.
في الختام يا عزيزتي سمية، أشكر لك جمال مشاعرك. وأتمنى أن نواصل كتابة الرسائل، فهي — كما أسلفت — تاريخ وتوثيق لزمن نعيشه.
وابقَي طيبة لمن تحبين وما تحبين.
عثمان يوسف خليل
المملكة المتحدة





