مجابهة “الإخوان المجرمين”

ندى أبو سن

منذ أن رأيت الثوار يتساقطون بالرصاص الحي والزجاج والمسامير التي تصيب الرؤوس وتفقأ العيون، ومنذ أن رأيت تفجير أدمغة الثوار بمدافع الدوشكا، أدركت أن الثورة السلمية ليست هي الوسيلة المناسبة لمجابهة “الإخوان المجرمين”، وكنت على قناعة تامة بأن عملية إسقاطهم عبر السلمية ستكون مكلفة للغاية وقد كان،

فقد دفع الثمن الثوار من دمائهم الطاهره قتلًا وسحلًا وتشويها ومع ذلك لم يتخلوا عن سلميتهم التي أذهلت العالم وهم يجابهون الرصاص الحي بصدورهم العارية وقد ظلوا مستمسكين بها إلى ساعة اندلاع الحرب، ثم دفع ثمنها الشعب السوداني بأكمله من خلال هذه الحرب القذرة التي خرج “المتأسلمون” قبلها يهددون بها الشعب السوداني في إفطارتهم الرمضانية وتسريبات اجتماعاتهم التي حشدوا لها ضد الاتفاق الإطاري، وتحديهم للشعب السوداني بالتصدي بالعنف المفرط على ثورته السلمية وإصرارهم على العودة إلى السلطة على جماجمه ودمائه وتشرده ذلك بعد أن فشلوا في جر الثوار نحو العنف.

لم يتصور أحد قط أن هذه التهديدات التي ظل “المتأسلمون” يطلقونها ستتحول إلى واقع بهذه السرعة باندلاع الحرب في الخامس عشر من أبريل في نهاية رمضان نفسه.

وقد تشكّك الكثيرون فيمن بدأ الحرب حتى ظهر مؤخرًا فيديو يظهر بداية هجوم قوات ترتدي زي الجيش على قوات الدعم السريع في المدينة الرياضيةـ وفرار جنود الدعم السريع عند بداية الهجوم من الرصاص الذي انهال عليهم مما يؤكد تفاجؤهم بالهجوم.

إذن نفذ “المتأسلمون” تهديداتهم وليتهم استطاعوا الثبات عليها فقد توالت هزائمهم منذ اليوم الأول للحرب وحتى هذه اللحظة، إذ سيطرت الدعم السريع على العاصمة الخرطوم في غضون ساعات قليلة وتم اعتقال القيادات التي كانت تطلق التهديدات كأنس عمر والدكتور محمد علي الجزولي، وانكشف ظهر الجيش باعتقال كبار ضباطه كالمفتش العام وحصار قادته داخل القيادة العامة، واتضح فيما بعد إن الجيش لا يملك جنودًا مشاة ويعتمد على الدعم السريع، وكان الأغرب لدى السودانيين هو انسحاب الجيش من كل المواقع التي دخلت إليها الدعم السريع تاركًا المواطنين وحدهم يواجهون انتهاكات “المليشيا” وبطشها.

وقد تضاربت التخمينات حول سبب انسحاب فرق الجيش ما بين التخوين لبعض القيادات والجنود وما بين من يعتقد بأن الجيش يتمرد ويرفض القتال مع “المتأسلمين” الذين فرضوا الحرب على القوات المسلحة.

 ومع تمدد “المليشيا” وتمكنها من السيطرة على مساحات واسعة من البلاد ودخولها إلى عدة ولايات وطول أمد الحرب وجد “المتأسلمون” أنفسهم وحدهم في مواجهة الدعم السريع مما دفعهم إلى إطلاق حملة الاستنفار التي سبقها إطلاق خطاب الكراهية الموجه تجاه إثنيات محددة وادعاء أن للدعم السريع حواضن اجتماعية بالرغم من أن جنود الدعم السريع من كافة أرجاء السودان ومن ثم الادعاء بأن الحرب “حرب كرامة” بينما كانت كل القرائن تؤكد إنها حرب “المتأسلمين” للعودى إلى السلطة.

قبل الحرب كانت قد ظهرت عدة “فيديوهات” لكتائب “المتأسلمين” الإرهابية وهي تتجهز للحرب التي لم يعرف السودانيون حينها أين ومتى ستدور رحاها، ومن ثم ظهر مقطع فيديو لـ”كتيبة البراء” وهي تحاصر مقار الدعم السريع قبل يومين من اندلاع الحرب. وظهرت هذه المليشيات مرة أخرى في مقطع فيديو داخل القيادة العامة للجيش قبل ساعات من القتال، ثم ظهورها بشكل علني بعد اندلاع الحرب تقاتل وتسيطر على مسيرات الجيش وتنفذ الضربات الجوية التي قتلت آلاف السودانيين. ووصل الأمر إلى التمرد على التعليمات الصادرة من الجيش من قائد جماعة البراء عبر التصريحات العلنية برفض تلقي التعليمات والإذن والاستدعاء إلى القتال إلى أن وصل إلى حد التراشق بالمسيرات مع الجيش، إذ مارست هذه المليشيات جرائم الحرب ضد المدنين بالاعتقال والذبح على الهواء مباشرة وأصبحت مهددًا لأمن المواطنين في المناطق التي تدخلها بعد انسحاب الدعم السريع منها ووصفها للسكان بالمتعاونين الذين تعمل على تصفيتهم. 

واستمرارًا في تحدي الشعب السوداني ظهرت مؤخرًا قيادات “المتأسلمين” إلى العلن تحت سمع وبصر البرهان وذلك بعودة رئيس حزب “المؤتمر اللا وطني” المحلول إبراهيم محمود إلى بورسودان، حيث استقبل في صالة كبار الزوار، ومن ثم انعقاد مجلس شورى الحزب المحلول والمحظور بمرسوم دستوري ومخاطبة المخلوع الفار من العدالة بجرائم الحرب والإبادة الجماعية للمؤتمر برسالة صوتية، وكان قد ظهر قبلها بأيام في مقطع فيديو مسرب في مطار دنقلا وهو يستقبل عضو مجلس السيادة إبراهيم جابر، واختيار المؤتمر للمجرم الفار من العدالة الدولية والمحلية أحمد هارون رئيسًا للحزب. وقد انعقد المؤتمر بمشاركة البرهان عبر كلمة اسفيرية، ورئيس المخابرات إبراهيم مفضل، وحضور وتأمين ياسر العطا. وجاء في التسريبات المرسلة عمدًا أن خلافًا نشب في المؤتمر قد يودي إلى مفاصله جدبدة غير إن ما اعتدنا عليه من “المتأسلمين” هو سياستهم الأخطبوطية التي توزع أذرعها للإمساك بكل الخيوط وهي وصية عرابهم الترابي بوضع سبعة خطط إذا ما عزموا على أمر.

قيام المؤتمر والظهور العلني لقادة “المتأسلمين” يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك عودة “المؤتمر اللا وطني”، ويؤكد كذلك أن المعركة هي معركة “المتأسلمين” في سبيل العودة إلى السلطة، وفي الواقع هي معركة وجودية بالنسبة لهم استخدموا فيها كل أدواتهم القذرة من كذب وتضليل وادعاء وخطاب كراهية مختطفين للجيش الذي اصطف الشعب السوداني من خلفه باعتباره أحد مؤسسات دولته والمدافع عن أرضه وشعبه.

واستمرارًا في ابتزاز الشعب السوداني خرج، الجمعة الماضي، الكوز الناجي مصطفى بعد أن قرر “المتأسلمون” المواجهة مع الشعب السوداني إما بالتسليم الشامل أو استخدام سياسة الأرض المحروقة، مطالبًا الشعب بتسمية رئيس للوزراء بعد أن عجزوا منذ انقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ في تعيين رئيس للوزراء وتكوين حكومة، كما طالب الناجي بتكوين مفوضية من قبل المجلس السيادي تعمل على قيام مجلس تشريعي لانتزاع الشرعية التي رفض الشعب السوداني والعالم منحهم إياها.

ندى ابو سن

تخرجت من كلية الاعلام بجامعة الخرطوم التطبيقيه في علم ١٩٩٩ و عملت بصحيفة الصحافة السودانية في عام ٢٠٠٧ ككاتبه مقالات حره ثم عملت بصحيفة الحقيقة ككاتبة عمود اجتماعي بعنوان (ومضه) اتعاون الان مع عدد من الصحف الإلكترونية حيث اكتب مقالات سياسيه تحليلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى