نار لستك
عبدالناصر الحاج
أوهام البحث عن “عين جالوت”!!
* تسعة عشر شهراً من عمر الحرب في السودان، ولا شئ في الأفق غير مزيد من الحريق والموت والتشريد، وكأن كل العقول السودانية أضحت مُحنطة في توابيت العجز عن صناعة أفكار جديدة وشجاعة، تجبر الأطراف المتقاتلة على الاستيقاظ من خدر (الأوهام) بتحقيق انتصار حاسم يفرض واقعٍ جديد !!
* هذه الحرب العبثية المحمولة على أكتاف الوهم العريض، لا يمكن تصديق إدعاءات أطرافها، بأنها حرب تتغذى من (أوردة) قيّم فاضلة ونيّرة، حيث لا (كرامة) ولا (ديمقراطية) يمكن أن تنمو من تحت ركام الخراب وشظايا الغبائن والمظالم المتناثرة في صدور الأبرياء!!
* وهي حرب أغراض دنيئة وزائفة، تتبرج على سطوح (الميديا) الكذوبة، بينما على الأرض، لا شئ غير حزمة من أوجاع وأحزان وكوارث يتأبطها الناجون من ويلات الجحيم، يركضون بها إلى حيث لا نهاية، وهم لا يستطيعون قبرها مع موتاهم الذين تساقطوا زمراً في منتصف الطريق!!
* هي حرب فغرت فاهها منذ الطلقة الأولى، لتبتلع التاريخ والأمجاد وبطولات الجيل الذي فتح (الكوة) في ديسمبر لبريق ثورة أدهشت الزمان والمكان، ولم يكن (مشعليها) يبتغون شيئاً غير الثأر من تلك الثورة التي عرضتهم أمام مرايا التاريخ وهم عرايا من كل فضيلة ومأثرة!!
* لم تكن قيادة المؤسسة العسكرية بشقيها الجيش والدعم السريع، تستبطن وداً أو مشاعر صادقة تجاه ثورة ديسمبر، ولأن كليهما البرهان وحميدتي، كانا يظنان أنهما بإمكانهما ترويض الغضبة الشعبية لصالح حاكمية مطلقة لهما، طالما أن هذا الشعب المسكين استجار بهم في ذات اعتصام أمام بوابات القيادة العامة!!
* ولم تكن جريمة فض اعتصام القيادة العامة، إلا مجرد موسيقى تصويرية لمسلسل يشابه قصة (أريطة بنت عمرو)، تلك المرأة المكية التي نقضت غزلها أنكاثاً بعد قوة، لتدور بقية الحلقات في عبث لا ينتهي، ومؤامرات لا تحدها حدود!!
* وفي خضم هذا الحريق والكربون الأسود التي يتمسح به واقع البلاد، تتلاشى أصوات القوى المدنية الرافضة للحرب بعيداً، وكأنها أصوات نشاز لا ينبغي لها الحديث عن السلام والأمن والاستقرار وحماية الأرض والدم والعرض!!
* إلا أن هذا الواقع المائل، يمنح تلك (الحلاقيم) المأفونة حق الضجيج والصياح وإيهام البسطاء بأن النصر بات قريباً، وأن الحرب ضد المغول الجدد، سوف تنتهي بفتح عظيم لحوافر خيول الكرامة!!
* وحقاً مارست قوات الدعم السريع في المدن والقرى والأرياف، ما لم تمارسه جنود هولاكو في حملات المغول خلال حقبة القرن الثالث عشر، بيد أن قلوب الأبرياء تُمنى النفس بـ(عين جالوت) أخرى تُنهي فصول الجبروت الطاغي!!
* وبين (عين جالوت) وغياب قادة عسكريين على شاكلة الظاهر بيبرس، يتجرع السودانيين، مرارة الاحباط والمآسي، كلما تضاءل في الأفق صوت الحكماء والعقلاء، وأضحت المعارك الخربية تُدار بذهنية الأوهام المفروشة في أسواق “الفيس بوك” !!