كيف تحول عبدالله خليل من (ضحية) لإنقلاب نوفمبر إلي (متهم) ..؟!

بقلم: ماهر أبوجوخ

تمر علينا ذكرى أول إنقلاب عسكري شهده السودان في 17 نوفمبر 1958م الذي قاده قائد الجيش وقتها الفريق إبراهيم عبود، وتوالت بعده الانقلابات تباعاً بعد كل مرحلة ديمقراطية حتى حظيت تلك الانقلابات بالنصيب الأوفر من سنوات حكم السودان وكان أخرها وأغربها على الاطلاق هو إنقلاب 25 أكتوبر 2021م الذي قاده رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش بمشاركة نائب رئيس المجلس السيادة وقائد قوات الدعم السريع وبعض الحركات الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، ومصدر الغرابة أنهم كانوا في قمة السلطة التي انقلبوا عليها عسكرياً وليس دستورياً، لاحقاً قاد ذلك الانقلاب وتفاعلاته السودان لاتون حرب أهلية شرسة منذ منتصف أبريل 2023م لا تزال مستمرة حتى الان.

يعتبر انقلاب نوفمبر 1958م حسب وجهة نظرى هو ثاني الانقلابات غرابة وادهاشاً لكون رئيس الوزراء ووزير الدفاع حينها الاميرالاي عبدالله خليل هو لمدبر الحقيقي للإنقلاب جراء إلحاحه على قيادة الجيش لاستلام السلطة، وهذا الوضع جعله فعلياً ينتقل من خانة (ضحية) الانقلاب على السلطة الشرعية التي يترأسها إلي (متهم) متورط فى التحريض وإصدار الأوامر بتنفيذه.

استهلت النيابة العامة في 31 يناير 1965م الاجراءات بمخاطبة وزير الداخلية كلمنت امبورو للحصول على موافقته لبدء إجراءات فتح البلاغ في مواجهة الفريق أبراهيم عبود و(6) لواءات من قيادات الجيش بتهمة تنفيذ إنقلاب نوفمبر 1958م ومباشرة النيابة العامة إجراءات التحقيق في البلاغ بعد فتحه في 9 فبراير 1965م وموافقة رئيس القضاء في اليوم التالي على إحالة البلاغ للجنة تحقيق ترأسها القاضي صلاح شبيكة عقب اعتذار قاضي المديرية صالح عتيق عن ترأسها، حيث باشرت اللجنة التحقيق مع شخصيات مدنية وعسكرية حول ملابسات وظروف الإنقلاب.

خلصت لجنة التحقيق لتوجيه الاتهام لقائد الجيش وقتها الفريق ابراهيم عبود و(8) من العسكرين وشطب الاتهام في مواجهة (4) من الستة الموضوعين في قائمة الاتهام السابقة –لم يتبق في القائمة الاولي سوي الفريق ابراهيم عبود واللواء حسن بشير واللواء محمد أحمد عروة- واضيف لهم اثنين من المدنيين ابرزهما رئيس الوزراء المنقلب على حكمه عبدالله خليل وهذا أثار سؤالاً كيف تحول رئيس الوزراء المنقلب عليه من مقعد (الضحية) إلي (الاتهام) ..؟!

قامت لجنة التحقيق القضائية الخاصة بإنقلاب 17 نوفمبر 1958م والمكونة من القضاة (صلاح شبيكة وعبدالله ابوعاقلة أبوسن ومحمد الشيخ عمر) بالتحقيق مع شخصيات سياسية وعسكرية إرتبطت بتلك الاحداث ويظهر تقرير التحقيق المكون من (79) صفحة أن التحقيقات شملت رئيس الوزراء المنقلب عليه عبدالله خليل وقائد الجيش الفريق ابراهيم عبود وشخصيات مدنية وعسكرية وتمحورت أسئلة اللجنة حول الظروف والملابسات المتصلة بالظروف السابقة للانقلاب صبيحة يوم 17 نوفمبر 1958م.

أول شخصية مثلت امام اللجنة هو رئيس الوزراء السابق عبدالله خليل يوم 13 فبراير وجاءت افاداته في الصفحات من (7) حتى (15) من التقرير نفي خلالها عن نفسه أي صلة بالانقلاب أو وجود أي إتصالات بينه وقادة الجيش في شأن الإنقلاب وعلق على الاتهامات الموجه له بمساعدة العسكريين على الانقلاب بقوله:”لا يمكن أن أساعد ناس سيعزلونني”، ولكنه لم ينف معرفته من خلال المعلومات المتاحة له بإمكانية حدوث إنقلاب من الجيش وبرر عدم مقاومة هذا التحرك “حتى لا يحدث صدام بين الجيش والشعب وتسفك الدماء”.

ابدى خليل إستغرابه من تنفيذ الجيش لانقلاب ضده مبيناً “أنهم كانوا مبسوطين –أي الجيش- في أمان الله” بعد جلبه أسلحة بيرطانية لم تمنح لأي من دول الكومنولث، واشار لمعرفته بإتجاه حزبه إقالته من رئاسة الحكومة بعد إفتتاح الدورة البرلمانية الجديدة، إلا أن وزير الدولة عبدالله عبدالرحمن نقد الله نفي في حديثه أمام لجنة التحقيق أن عزم حزب الامة إقالة خليل بدليل مطالبته بتكوين الحكومة القومية بعد تقديم الوزراء لاستقالتهم.

أولي مفاجات التحقيق لما أورده رئيس الوزراء جاءت على لسان نائب القائد العام اللواء احمد عبدالوهاب الذي أوضح أن خليل وبوصفه وزيراً للدفاع حضر لمكتبه بوزارة الدفاع صباح يوم 16 نوفمبر وأطمئن على ترتيبات تنفيذ الانقلاب وقال لهم “ربنا يوفقكم”، وذكر الفريق عبود ذات الواقعة والعبارة مع اختلاف التوقيت بأنها كانت قبل ثلاثة أيام من التنفيذ، واوضح عبود أن خليل طلب منه قبل عشرة ايام من التنفيذ التدخل لانقاذ البلاد وكرر الأمر بإرسال عضو مجلس الشيوخ زين العابدين صالح بهذا الطلب وظل يتابع الاستعدادات والترتيبات، ويضيف في جزئية إضافية حينما سأل عن مقبولية هذا العمل رد عليه خليل بأن:”كل العقلاء والسيدين يؤيدان هذا التحرك”.

إعتبر عبود ما قاله خليل بان الأوضاع كانت حسنة قبل الانقلاب بانه أمر مضحك ومثير للاستغراب وتساءل عن الفائدة التي تعود عيله من الانقلاب خاصة انه يتقاضي ذات مرتبه كقائد عام بعده طيلة فترة ترأسه للبلاد وقال:”عبدالله خليل كان يجرى ورانا عشان تنفيذ الانقلاب … وهذا يعني ان الانقلاب تم بضغط وأمر من عبدالله خليل”.

هذه الافادات وغيرها جعلت لجنة التحقيق تخلص لشطب البلاغات في مواجهة أربعة من العسكرين وفتح البلاغ في مواجهة (11) متهماً إثنين منهما من المدنيين وهما خليل وزين العابدين صالح أما العسكريين التسعة فكان أبرزهم الفريق عبود ونائبئه السابق اللواء احمد عبدالوهاب واللاحق اللواء حسن بشير و(6) أخرين، وأوصت لجنة التحقيق في ختام تقريرها بالقبض على المتهمين الـ(11) وحفظهم بالحراسة إلي حين صدور أمر آخر، وهذا القرار فعلياً حول عبدالله خليل من ضحية الانقلاب إلي متهم رئيسي في الانقلاب الذي ازاحه من السلطة !!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى