كلمة العدد : سقط نموذج الأسد.. فهل من متعظ؟

“سقط النظام، أنتم مسرحون، عودوا إلى بيوتكم”

بهذه العبارة تخلت قيادة الجيش السوري عن منسوبيها الذين باتوا يطفقون في شوارع المدن على غير هدى لا يعلمون مصيرهم، وماذا ينتظرهم بعد هذا الفجر الذي غادر فيه بشار الأسد متخفيًا قصر تشرين إلى جهة غير معلومة.

منذ أكثر من 15 عامًا ظل الأسد يأمرهم بإطلاق نيران بنادقهم على المظاهرات السلمية في المدن والأرياف فيفعلون دون أن يرمش لهم جفن، وأن يقصفوا المدن بالبراميل المتفجرة فيطيعون دونما تردد، دمروا بلدًا كاملًا، أبادوا أسرًا ومحوا أحياء من الوجود، وعندما حانت الساعة لم يفكر فيهم أحد، فالأسد وقيادات نظامه اختفوا هكذا وتركوا سوريا وجيشها وجنوده ليواجهوا مصيرهم، وهذه شيمة كل الطغاة، جبناء أنانيون لا تهمهم غير ذواتهم، عندما تحين الساعة يتخلون ببساطة عن كل شيء ويفرون طلبًا للنجاة.

وفي قصة الثورة السورية عبرة لمن يعتبر، ففي العام 2012 م وضع بشار الأسد

القلم على الورق ليكتب استقالته متخليًا عن السلطة، ومعتزمًا الخروج لأبناء وطنه ليقول لهم “هذه أمانتكم ردت إليكم”، ولكن أشاروا عليه بقمع المتظاهرين، الذين “تحركهم إيادٍ خارجية، ويقودهم عملاء الغرب”، نعم هكذا بالنص أشاروا عليه، وأن روسيا وإيران لن تتخليا عنه، وفعلًا اختار الأسد أن يستنجد بالسلاح الروسي الإيراني ضد شعبه وأبناء وطنه، فدمر سوريا ومزق مجتمعاتها وجعل أهلها مشردين في بلدان العالم. وبعد سنين من الدمار والموت والخراب، هرب بليل تاركًا خلفه بلده تواجه مصيرًا مجهولًا، متلفتًا لم يجد غير طائرة تقله بعيدًا مشيعًا باللعنات.

دون مقدمات تداعت أركان حكمه، وانهارت قواعد سلطانه، وبدأت قوات المعارضة تدخل المدينة تلو الأخرى فلا تجد مقاومة، فالمليشيات التي كانت تحرس إنابة عنه تلك المدن احتاجها صانعوها، وجيشه قد أضعف لدرجة إنه لن يستطيع الصمود، فأخذ ينسحب من مدينة إلى أخرى أمام قوات المعارضة التي سيطرت على المدن الكبرى واحدة تلو الأخرى.

من الفطنة التدبر والتأمل في موقف “أسد سوريا” الذي عول على الدعم الروسي والإيراني ومضى يرفض أي حلول تعرض عليه أو تسوية سياسية تفضي إلى إنهاء النزاع، وكان يردد دومًا إنه سيقضي على الإرهابيين الذين لا مكان لهم في سوريا.

وكان فعليًا لا يبحث عن التصالح مع شعبه وإنما يسعى لكسب شرعية خارجية فما عرضت عليه مبادرة لتوسيع الحكم ووقف الحرب إلا وكانت عينه لا على المبادرة وإنما على مقدار الشرعية الدولية التي تمنحها له فكانت عودته إلى الجامعة العربية التي منحته شعورًا ذائفًا بالنصر، ومنحت آخرين ذات الشعور فجعلوه نموذجًا يحتذى، واعتبروا ما فعله وصفة جاهزة يجب أن تطبق ونصحوا بها قادتهم وقيادتهم.

تتطابق قصة الأسد في الكثير من تفاصليها مع مقدمات قصة قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان، فالأخير لا يزال مصرًا على اختيار المواقف الخطأ واختيار الحلفاء الخطأ وتنكب الدروب الخطأ، مستمعًا لنصائح المستشارين الخطأ. رافضًا كل الرجاءات للدخول إلى مفاوضات تنهي حالة الاحتراب الحالية، وتفتح الباب أمام تحولات تقود البلاد إلى الاستقرار والمضي في المسار الذي اختاره شعبها، التواق إلى الحكم المدني الديمقراطي، معولًا كما الأسد على التناقضات الخارجية والداخلية ليبقى في سدة الحكم.

والتفاصيل تتطابق حتى في إضعاف الجيش الوطني لصالح المليشيات مدفوعة الأجر، وبلا شك، إن هذا الطريق قصير في ظل عالم ما بعد 7 أكتوبر، فإيران الآن محاصرة، وروسيا منهكة، والعالم الآن يذهب باتجاه شرق أوسط بلا إيران، التي فقدت حزب الله في لبنان وحماس في غزة، والآن الأسد في سوريا، وبلا شك لن يسمح لها بزراعة حديقة خلفية في الخرطوم أو بورتسودان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى