من على الشرفة

طاهر المعتصم

الواقع المزري لصاحبة الجلالة

taherelmuatsim@gmail.com

خلال شهر مارس 2023 قبل وقوع حرب الخرطوم بحوالي الشهر كانت هناك حرب أخرى تدور هي الحرب الكلامية، فالتهديدات تُطلق من هنا وهناك، بيد أن الصحافة كانت تمارس دورها في رصد ما يجري. صحيفة “الحراك السياسي” خرجت قبل يومين من اندلاع الحرب بمانشيت (قوات من الدعم السريع تحاصر مباني جهاز المخابرات)

استنادًا إلى تقرير نقابة الصحفيين الصادر في أبريل الماضي، ـمنذ اللحظات الأولى تحولت وسائل الإعلام بكافة أشكالها إلى أهداف مشروعة لطرفي الصراع. خرجت المؤسسات الإعلامية من سوق العمل، وفقد نحو ألف صحفي وصحفية عملهم، أي بنسبة تفوق الـ50%، توجهوا إلى العمل في مهن أخرى.

90% من البُنى التحتية للإعلام دُمرت أو نهبت. وأدى إغلاق المؤسسات إلى غياب الإعلام المهني واغتيلت الحقيقة بغياب المعلومات والأخبار ذات المصداقية، وتراجعت وفقًا لذلك التغطيات الملتزمة بقواعد وأخلاقيات المهنة لصالح الإعلام الحربي والأخبار المضللة، إلى جانب احتكار طرفي الصراع للمعلومات وبث أخبار مفبركة خاضعة للآلة الإعلامية للحرب. وتفشت نتيجة لذلك الخطابات الضارة.

لقد تسبب العنف الموجه ضد المدنيين عامة والصحفيين بشكل خاص إلى تقلص أعداد الصحافيين الموجودين في المدن والولايات التي شهدت مواجهات مما دفعهم للنزوح واللجوء. وما إدى إلى حالة من الإظلام الإعلامي بعد أن تناقص عدد الصحفيين في العاصمة الخرطوم إلى أقل من 100 صحفي وصحفية، بينما لا يتجاوز عدد الصحفيين الموجودين في ولايات دارفور الـ 60 صحفيًا وأقل من 20 بولاية الجزيرة والأمر ذاته ينسحب على ولايات كردفان.

الجريمة التي تفاقمت إزاءهم هي جريمة قطع شبكات الاتصال وخدمات الإنترنت عن معظم ولايات السودان، انقطاعا كاملا. 80% من ولايات السودان ظلت خارج التغطية تماماً لأكثر من شهر، أما في ولايات دارفور الخمس فقد استمر الانقطاع لـ 8 أشهر متتالية.

كان من الحتمي مع كل التضييق الأمني والاستهداف المستمر الذي فرض على الصحفي إنكار هويته الصحفية، بعد أن تحولت مهنة الصحافة إلى مهنة ترقى إلى مستوى الجريمة لدى طرفي الصراع وبعد أن توالت حملات التشهير والتخوين التي طالت أعداد من الصحفيين تتهمهم بالموالاة لأحد طرفي الصراع ومع ضعف الدعم والحماية والمناصرة، كان من الحتمي أن تتشرد أعداد كبيرة من الصحفيين والصحفيات، بنزوحهم إلى المناطق الآمنة داخل السودان والمكوث في دور الإيواء التي تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة.

فبعد مرور عام على الحرب في السودان أجبر مئات الصحفيين والصحفيات، على مغادرة مناطق النزاع المسلح، ثم الوطن بحثاً عن الأمان، تحاصرهم اتهامات التخوين والاستهداف بالاحتجاز والاعتقال التعسفي أو الإخفاء القسري أو الموت وفقًا لمزاج طرفي الصراع، وفي كثير من الأحيان غادر الصحفيون السودان بطرق غير شرعية بعد تعرضهم للاستهداف المستمر ما أثر بشكل مباشر على استقرارهم المهني.

بلغ مجمل الانتهاكات التي رصدت خلال عام الحرب الأول (393) حالة انتهاك مباشرة على الصحفيين ووسائل الإعلام، وهي مصنفة وموثقة بحسب طبيعة كل انتهاك. معظم هذه الانتهاكات حدثت للصحفيين بحكم عملهم أو انتماءهم لمهنة الصحافة.

كانت من نتائج الإظلام الإعلامي طغيان التضليل وتفشي خطاب الكراهية والانتقائية من قبل الإعلام العالمي في تغطية الكارثة الإنسانية الأكبر بحسب تقارير منظمات أممية، وذلك عبر تسليط الضوء على أزمات أخرى لا تقل عنها أزمة السودان فداحة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى