غياب الهوية
ندى ابوسن
بدات حرب الخامس عشر من ابريل في السودان كصراع عارى على السلطه ما بين قيادة الدعم السريع و قيادة جيش المتاسلمين غير انها سرعان ما توسعت بفعل خطاب الكراهيه الذي تبناه المتاسلمون لتتحول الى حرب اهليه لتكون امتدادا لازمة الهويه المزمنه في السودان
خاصة مع انضمام عدد من الحركات المسلحه و بعض العشائر الى طرفي القتال اصبح خطر الحرب الاهليه واسعة النطاق و المشابه للحرب الروانديه من حيث الدمويه و العنف يتهدد السودان كدوله و هو السناريو الاقرب للمشهد السوداني الان
و يعود تاريخ ازمة الهويه في السودان الى ما قبل الاستقلال حيث ظلت معظم ولايات السودان تعاني من التهميش بسبب خطأ النخب السياسيه و اهمال الحكومات المتعاقبه و التي ظلت تستنذف الهامش دون تقديم مقابل تنموي فاعل فاهملت الهامش في مقابل الاهتمام بالمركز مما خلق غبنا و احساسا بالظلم و التهميش لدى سكان الولايات خاصة البعيده منها التي كانت الاكثر تضررا
و في عهد حكومة الانقاذ التي اعتمدت العروبه و الاسلام كنظام للحكم متجاهلة المكونات السودانيه الافريقيه الاخرى المختلفه دينا و ثقافة برزت ازمة الهويه بشكل اكبر في كل من و لايات جنوب السودان و جنوب كردفان و و دارفور مما نتج عن ذلك قيام حركات مسلحه في تلك المناطق مناوئه للنظام الاسلموي و قد استمرت الحروب في تلك المناطق لسنوات طويله الامر الذي اسفر عن مقتل مئات الالاف من الاشخاص في حرب الجنوب والتي اسماها المتاسلمون ان ذاك بالحرب الجهاديه و تمت التعبئه لها بخطاب الكراهيه من خلال برنامج ساحات الفداء الى ان تم التوقيع على اتفاق نيفاشا تحت ضغط المجتمع الدولى في عام ٢٠٠٥ و الذي اعطى جنوب السودان حق تقرير المصير لينفصل الجنوب بعد الاستفتاء في عام ٢٠١١
كما قتل اكثر من ثلاث مئه و خمسون الف شخص في حرب دارفور و نزح اكثر من مئه و خمسون الف بسبب القتال ما بين عدد من الحركات المسلحه و ما بين الجيش و الجنجويد
وقد وصفت جهات دوليه و منظمات حقوق الانسان حرب دارفور بالتطهير العرقي و الاباده الجماعيه حيث كان طيران الجيش يقوم بقصف القرى و معسكرات النازحين بدعوى احتماء المسلحين بها ثم يكمل الجنجويد على ما تبقى بالقتل و الاغتصاب و النهب و حرق القرى و المعسكرات حتى لا يعود اليها سكانها
الى ان توقفت حرب دارفور بدخول قوات حفظ السلام الدوليه بعد وضع السودان تحت البند السابع من ميثاق الامم المتحده
كما قدر عدد القتلى في جبال النوبه بعشرات الالاف و كان معظمهم من النساء و الطفال و كبار السن الذين كانوا يحتمون بالجبال من قصف طيران الجيش الذي لم يفرق بين مقاتليه من الحركه الشعبيه شمال و ما بين المدنين العزل
و نتج عن حروب تلك الولايات نزوح ملاين السودانين حيث توقفت كل سبل الحياة في تلك المناطق لردح من الزمان
ظلت ازمة الهويه في السودان قائمه منذ بروز حركة انانيا في عام ١٩٥٥ في جنوب السودان و هي تعتبر اولى الحركات في السودان دون التوصل الى معالجات لها بسبب ضعف النخب السودانيه على مدى اجيال حيث انها لم تكن قادره على ابتكار مشروع وطني يتوافق عليه جميع السودانيون كما انها لم تكن تتمتع باراده حقيقيه لمناقشة و حل جذور هذه الازمه و التي كانت تتطلب ايضاح للتنوع و كشف لواقع الاختلاف في السودان و العمل على قبول هذا التنوع لدى المجتمع السوداني مما يفضى الى والتالف و الانسجام و الذي يفضى بدوره الى السلام و العداله و الاستقرار والتنميه
تمثلت مظالم الحركات المسلحه في عدة ابعاد منها * القومي كالمطالبه بالديموقراطيه و التداول السلمي للسلطه و الحريات * و الجهوي و يتمثل في الظلم المتعمد و التهميش و النظره الدوني
* و في احتكار السلطه و الثروه بالاكراه و الترهيب و المتهمه به مجموعة الشريط النيلي و قد جاء ذكر هذه المظالم في الكتاب الاسود و في بحث قدمه المهندس ابراهيم محمود مادبوا بمنتدى فلوتو بالمانيا في عام ٢٠٠٤ و قد تطابقت هذه المظالم مع كل من مظالم جنوب السودان و جنوب كردفان
برزت ازمة الهويه مجددا بعد نشوب الحرب الحاليه و ذلك بانتشار الخطاب الداعي الى اسقاط دوله ٥٦ المتهمه بالتهميش و العنصريه و الاستئثار بالسلطه و الثروه
و في المقابل برزت دعوات المتاسلمين المطالبه بقيام دولة النهر و البحر و التي تشمل شرق وسط و شمال السودان و هو ما يصطلح على تسميته بمثلث حمدي
الامر الذي ان حدث سيعني فصل دارفور و كردفان و تمزيق ما تبقى من السودان بعد انفصال الجنوب ليتجزا السودان مرة اخرى الى اربع دويلات هشه متناحره
و قد عمل المتاسلمون على الترويج للانفصال عبر الشحن المتواصل للمجتمع السوداني بخطاب الكراهيه وحملات الاستنفار وجر القبائل الى اتون الحرب الاهليه و التصنيف على اساس الهويه
ستظل دعوات الانفصال في الوقت الراهن غير حكيمه بسبب النفوس المشحونه بالمرارات و الغبن و الغضب جراء الاحداث الجسام التي عاشها السودانيون اثر الممارسات القاسيه التي وقعت عليهم من طرفي القتال و التي تمثلت في القتل و القصف و النهب و الافقار الممنهج و الاغتصاب و التهجير و الاعتقال الاختفاء القسري الامر الذي يجعلهم غير قادرين على تغليب صوت العقل و الحكمه فى وقت هم اكثر ما يكونوا فيه حاجة الى التوحد في جبهه وطنيه عريضه من كافة القوى السياسيه و منظمات المجتمع المدني لوقف هذه الحرب المدمره و رتق النسيج الاجتماعي و التحفيز على التعايش السلمي و ضحد خطاب الكراهيه و رفض التميز على اساس العرق و الجهه
و التصدي الى التيار الداعي الى الانفصال و الذي يبدو قريبا كما يجب على السودانين الاتعاظ من تجربة انفصال جنوب السودان و التي كانت خير شاهد على توسع الحروب و زيادة التمزق في الجنوب بسبب التنوع و الاختلافات
و في الواقع فان الناظر بتمعن الى الشان السوداني سيجد ان الازمات فيه تستنسخ نفسها و ان التاريخ يعيد نفسه مرة بعد اخرى ما بين الانفصال و قيام الحركات المسلحه
و قد ذكر عدد من المراقبين مؤخرا ان بوادر الانفصال قد بدات تلوح في الافق منذ ان منع الدعم السريع تداول العمله الجديده في مناطق سيطرته و اعتبار تداولها جريمه عظمي
و من المتوقع ان يعلن حميدتي عن تكوين حكومه فور سقوط الفاشر كما من المتوقع ان تغتنم الحركه الشعبيه شمال بقيادة عبد العزيز الحلو الفرصه لاعلان دولتها في جنوب كردفان و الذي كانت قد مهدت له بتوسعة ناطق سيطرتها ابان هذه الحرب