الأبيض.. مدينة أنهكها الحصار

الابيض: قرشي عوض
الدخول إلى مدينة الأبيض حاضرة كردفان أو الخروج منها يعد بكل المقاييس مغامرة. هكذا ابتدر أحد المرحلين حديثه، مضيفا لـ”أفق جديد” أنها مغامرة قد تنتهي بفقد السائق ومن معه أو الشاحنة، وفي الحالتين يتم نهب البضاعة أو حجز الجميع وطلب فدية عالية جدا.
يقول مدير شركة تأمين – طلب عدم ذكر اسمه – إن الأخطار الناجمة عن الحروب مثل القتل والاعاقة والنهب لا تغطيها مظلة التأمين التي تقصر ظلها على حوادث السير والحريق.
ويتابع: بسبب ذلك توقفت شركات النقل الكبيرة عن تسيير رحلاتها إلى المدينة التي كانت يدخلها في اليوم الواحد قبل الحرب أكثر من ١٥٠ جرارا بعضها يعبر إلى غرب وجنوب كردفان. وسعة الجرار الواحد ٥٠ طنا.
وأوضح في إفادته لـ”أفق جديد” أن الشركات سحبت شاحناتها إلى المدن الآمنة في وسط وشرق السودان حتى لا تتعرض للنهب، بعد أن سلبت أجزاء من بعضها.
تعطل الشاحنات
ويقول وكيل شركة كبرى لـ”أفق جديد” إنه حينما حاول نقل الأسطول لتابع لشركتهم وجد أن كل الشاحنات تحتاج إلى صيانة وقطع اسبير لم تكن وقتها متوفرة في المدينة.
وفرت تلك الشركات – بحسب مدير شركة أخرى – أكثر من ٥ آلاف من العمالة المرتبطة بالأساطيل، ناهيك عن عمال الصيانة والعتالة، إذ توقفت المنطقة الصناعية عن العمل، وأغلقت المخازن الكبيرة خاصة في سوق الأبيض الغربي وسوق المحاصيل أبوابها لتوقف حركة الصادر والوارد.
ويوضح أن أصحاب الترحيلات الخاصة أو التي يمتلكها الأفراد دخلوا هذه المغامرة معرضين أنفسهم وشاحناتهم للخطر، وتعاون معهم بعض التجار من المدن الأخرى التي توقف فيها النشاط التجاري وحلوا محل الفئات التجارية في مدينة الأبيض. وشرح في حديثه لـ”أفق جديد” أن السلع أصبحت تصل إلى السوق بصعوبة، ويطلب أصحابها أسعارا عالية لتغطية نفقات الجبايات التي يتعرضون لها في الطريق. مرجعا ذلك إلى الصعاب التي يواجهونها في الطريق وأقلها الاستفزاز والجلد بالسياط وتعطيلهم لتستغرق الرحلة زمنا أكثر من السابق مما يرتب مصاريف غير منظورة مثل إعاشة العاملين بالشاحنة.

شهران على الطريق
وفي حديثه لـ”أفق جديد” وصف أحد التجار تلك الصعاب، وقال في إحدى المرات استغرقت الرحلة من مدينة النهود إلى الأبيض أكثر من شهرين ونصف الشهر، بينما كانت في الظروف العادية لا تستغرق أكثر من ساعات معدودة.
وقال إن سلطات المحلية احتجزت الشاحنة لأكثر من ٢٣ يوما لتخليص ما يسمونه بالإجراءات. ثم بعد ذلك احجتزتها قوات الدعم السريع لمدة ١٣ يوما. واستغرقت رحلتها بين منطقة الزريبة والأبيض ١٥ يوما.
وتابع أن كل هذه المدة تستهلك مصاريف وخسائر، وليس هناك من يعوضهم على حد تعبيره.
وروى تاجر آخر تفاصيل رحلة أخرى لمجموعة المرحلين التي تتعامل مع شركة كنانة، إذ تحركت الشاحنة من عطبرة إلى تندلتي وتوقفت في منطقة أبو ضلوع ١٨ يوما، وفي منطقة تدعي الشقيق ٧ أيام، ووصلت إلى مدينة ربك في ٣٢ يوما.
وقال إنها احتجزت مع طوف من الشاحنات الأخرى في ربك لمدة ٤٤ يوما حتى تم فتح طريق جبل موية، وهو الطريق الآمن الوحيد رغم أنه يمر بعدة ولايات من النيل الأبيض إلى سنار ومنها إلى دوبا في الجزيرة ثم الفاو والقضارف وكسلا وهيا في البحر الأحمر وعطبرة في نهر النيل. ويؤكد أن “هذه الرحلات كانت خاسرة”.

احتجاز الماشية
ويقول صاحب ملحمة إن قوات الدعم السريع احتجزت قبل شهرين أكثر من ٦٥٠ رأسا من الماشية في منطقة الحاجز غرب مدينة أبوزبد كانت في طريقها إلى زريبة المواشي. ويضيف إن عناصر الدعم السريغ دخلوا في مساومات مع أصحابها حتى يسمحوا لها بالعبور.
ووفق إفادته لـ”أفق جديد” فإن المشكلة تتجدد مع تغيير طاقم الحراسة في مناطق الارتكازات أو ظهور مجموعات جديدة من راكبي الدراجات (الشفشافة) مما يقود إلى تذبذب دخول الذبيح إلى المدينة، ما أدى إلى ارتفاع سعر الكيلو العجالي من ٩ آلاف جنيه إلى ١٤ الف جنيه في غضون أيام معدودة.
وتابع حديثه قائلا إن قوات أخرى عملت أيضا على منع دخول المنتجات الزراعية إلى أسواق الأبيض، وتسبب قفل الطريق العابر للولايات الذي تمت الإشارة إليه إلى منع دخول الحبوب إلى سوق المحاصيل.
وبحسب تاجر بالسوق الكبير فإن الواردات انخفضت إلى أقل من ١٠٪ من السعة الاستيعابية. وقال لـ”أفق جديد” إن سوق الأبيض تعتمد عليه كل ولايات غرب السودان من أطراف النيل الأبيض حتى الحدود الليبية.
وبحسب إفادة أحد موردي الحبوب فإن ولايات كردفان ودارفور تنتج الحبوب الزيتية، وتعتمد على واردات الحبوب من وسط السودان خاصة ولايتي النيل الأزرق والقضارف بنسبة ٧٥٪. وعلى العيوش المنتجة في محلية جنوب كردفان خاصة هبيلا وكورتالا بنسبة ٢٥٪.
ويشير في حديثه لـ”أفق جديد” أن أسعار الحبوب ارتفعت حين تم قفل الطريق ثم انخفضت بشكل مفاجي بعد فتحه.
بعد احتلال قوات الدعم السريع لمدن أم روابة والرهد وبارا والدبيبات والفولة وتمركزها على الطرقات المؤدية إلى مدينة الأبيض في مناطق أم صميمة والعيارة وأطرافها في بنو وبربر وغيرها، يواجه سائقو اللواري الصغيرة سعة ٧ طن – التي تعود إلى منتصف القرن الماضي – مخاطر كبيرة في توصيل البضائع للمدينة. ورغم أن مدينة الأبيض يصعب حصارها بالكامل كما يصعب تأمينها بالكامل، إذ هناك أكثر من ١٣ طريقا ترابيا تصلها بمختلف الاتجاهات، وقد نشطت حركة راكبي الدراجات على بعض تلك الطرق مثل طريق الزريبة الذي يربط المدينة بمدينة الدويم في النيل الأبيض. الذي اتجهت إليه حركة العربات الصغيرة والمتوسطة.
وبحسب مواطنين من المنطقة قبل نحو شهر تعرضت عربة (بفلو) كانت تحمل اسطوانات أكسجين لكمين مسلح، وكانت شحنة العربة في طريقها إلى مستوصف علوية يس الذي يعتبر احد أكبر المراكز الصحية في الاقليم كله بعد مستشفى الضمان في الأبيض.
وقتل في الهجوم بعض أفراد القوة المهاجمة وأصيب أصحاب العربة إصابات بالغة. ووفقا لمواطني المنطقة يصعب نشر قوات كبيرة على كل الطرق الجانبية أو تغطيتها كلها من قبل عصابات النهب. وبالتالي يمكن لأي طوف من السيارات تحرسه قوة مسلحة ان يدخل ويخرج من المدينة.
وقالوا إن تلك الطرق شكلت متنفسا للمدينة تدخل منه السلع والبضائع، إذ دخلت قبل اسبوع ١٠ سيارات محملة بالدواء من النيل الأبيض ٣ منها تتبع للأمدادات الطبية و٧ لثلاثة من شركات الادوية.
وأفاد طبيب صيدلاني تحدث لـ”أفق جديد” أن دخول تلك القافلة خلق وفرة في سوق الدواء وأسهم في حل الازمة بنسبة ٣٠- ٢٥٪. مشيرا أن التوكيلات التي استجلبت الدواء هي ٣ من أصل ١٠ توكيلات كبيرة ومثلها توكيلات صغيرة.
وأضاف أن أسعار بعض الأدوية المنقذة للحياة استقرت بعد دخول القافلة إلى المدينة، كالدربات (درب البندول – درب الرينقر والدرب المخلوط).
ويتابع مستدركا بأنه رغم هذه الانفراجة تظل الحاجة ماسة في المدينة. فمازالت “شرابات الكحة والالتهابات والمضادات الحيوية للكبار وعلاجات الملاريا منعدمة وتخضع للمضاربة مثل حقنة (اتوستونيت ١٢٠ مليقرام) التي لا يتجاوز سعرها في عطبرة والدبة ٥ آلاف جنيه ولكنها تباع في الأبيض بـ ١٢ ألف جنيه. وكل ذلك بسبب تجار الازمات والاتاوات التي تفرضها قوات الدعم السريع في الطرقات، حسبما قال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى