الدندر.. الوقوع في قبضة فوضى المقاومة الشعبية

أفق جديد

منذ استعادة الجيش السيطرة على مدينة الدندر بولاية سنار جنوب شرقي السودان في الثلث الأخير من أكتوبر؛ بعد نحو أربعة أشهر من هيمنة قوات الدعم السريع عليها، تتقلب المدينة بين نيران المجموعات المسلحة التي تشكلت تحت ذرائع حماية المنطقة من هجمات الدعم السريع أو القتال بجانب الجيش.

ونقلت عدة تقارير صحفية توترات مستمرة في المدينة والقرى الواقعة حولها عطفًا على انقسامات اجتماعية، وزاد الوضع سوءًا حينما استقبلت السلطات هناك عددًا من المتورطين في جرائم قتل واغتصاب وسلب ونهب، في رسالة استفزت الضحايا الذين استوعبوا أن لا محاسبة للمجرمين.

وانتقد رئيس شورى قبيلة رفاعة، الطيب مضوي شيقوف، هذه الخطوة معتبرًا إياها مشاركة ضمنية في جرائمهم وفق بيان معمم.

واستجابت مناطق عدة لنداءات المقاومة الشعبية التي أطلقها الجيش وتبنتها الحركة الإسلامية في عدد من المناطق، وفي مارس الماضي حذر نائب القائد العام للجيش؛ شمس الدين كباشي من تنظيم المقاومة الشعبية خارج سيطرة الجيش قبل أن ينتقده علنًا مساعد القائد ياسر العطا.

وظل القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان على الدوام يشجع على المقاومة الشعبية واعدًا بتوفير السلاح.

وقال مصدر مطلع بمدينة الدندر إنه بعد دخول قوات الدعم السريع للمدينة أسس ناظر قبيلة رفاعة شرق صلاح منصور مجموعة من الشباب جرى تدريبهم وتسليحهم في القضارف، وهذه المجموعة عُرفت بـ “قوات الكرامة” لكنها لم تشارك في تحرير المدينة وفقًا لمصادر محلية بينما شاركت في المعارك مع الجيش مجموعة يتزعمها العمدة صالح أبكر، وهو يقود مجموعة تتشكل بالأساس من أبناء قبيلة الفلاتة وجدت تأييدًا شعبيًا بعد ظهور قائدها في منطقة كامراب.

وقال مصدر عسكري إن مجموعة الناظر منصور يقودها ابن أخته وهو ضابط جيش برتبة رائد.

كما أسّس ضابط الشرطة المتقاعد يوسف الطريفي مجموعة أخرى بدعم من الجيش وفقًا للمصدر، وبجانب ذلك توجد مجموعة تنتمي لكتيبة البراء بن مالك عطفًا على مجموعة أخرى غير واضحة الانتماء.

وتلاحق بعض هذه المجموعات تهم تتعلق بنهب ممتلكات من قرية كامراب، وتجدر الإشارة إلى أن هذه الممتلكات في الأصل نهبتها قوات الدعم السريع من الجزيرة والدندر.

وعقب سيطرة الجيش على المدينة وصلت مجموعة من قوات الدعم السريع يقودها ميرغني كبيرة وقمر الدولة الأمين بعد استسلامهم للجيش. وطالب الأهالي بتوقيف قيادات المجموعة وكافة المتورطين في جرائم الدندر. ودعت قيادات أهلية للتحقيق مع الأشخاص الذين احتفوا بقيادات الدعم السريع وفعليًا شرع بعض المواطنين في تقييد دعاوى ضد حفيرة والأمين وفقًا لما نقله موقع (سودان تربيون).

وأعلن الجيش مرارًا أن أبواب العفو مفتوحة لكل من يريد التخلي عن قوات الدعم السريع، وجرى ذلك مع قائد الدعم السريع في الجزيرة؛ المنشق أبو عاقلة كيكل قبل أن يُمنح ترقية استثنائية.

أيقظت التوترات التي تجري الآن بمدينة الدندر مخاوف قديمة متجددة إزاء تكرار تجارب المليشيات المسلحة في بلد ملغوم بتعدد الجيوش والحركات المسلحة، ومنذ إعلان الجيش التعبئة العامة في مايو العام الماضي لم تتوقف حملات تجييش المواطنين تحت لافتة المقاومة الشعبية وحثهم لحمل السلاح للقتال عزز ذلك الفظائع التي ارتكبتها قوات الدعم السريع ضد المدنيين.

ونشأت عدد من المجموعات منذ ذلك التاريخ قبل أن تتوسع تحت رعاية الجيش، ومنذ ذلك الوقت وتحت اسم كتيبة البراء بن مالك ينشط المقاتلون الإسلاميون في عدد من جبهات القتال، وتقدر أعدادهم بـ 2500 مقاتل.

فيما تقاتل مجموعة (غاضبون بلا حدود) وهي واحدة من مجموعات لجان مقاومة ديسمبر، إذ أعلنت انحيازها للجيش منذ الشهور الأولى وانخرطت في القتال بجانبه، وبحسب مصدر عسكري تقدر أعدادها بنحو 2000 مقاتل.

وعقب انسلاخ أبو عاقلة كيكل، قائد الدعم السريع بالجزيرة، وانضمامه للجيش، أعادت قواته تنظيمها وانخرطت في القتال مع الجيش لاسترداد ولاية الجزيرة تحت اسم (قوات درع السودان) وهذه تقدر أعدادها بنحو 2000 مقاتل، ويطلقون على أنفسهم “الدراعة” على نسق “براؤون وغاضبون”.

هذه يمكن توصيفها بأنها مجموعات منظمة أما تحت لافتة المقاومة الشعبية والمستنفرين تتفاوت الاستجابة من منطقة إلى أخرى.

أما في دارفور أحصت تقارير صحفية وجود ثلاث مليشيات صغيرة تقاتل بجانب القوة المشتركة التي تتشكل بالأساس من أربع حركات مسلحة موقعة على اتفاق جوبا للسلام.

وأعداد المنتسبين للمقاومة الشعبية غير دقيقة لأنها قائمة على التطوع، لكن يبدو جليًا أن الجيش لا يسيطر عليها حيث تشير المعلومات أن غالبية المناطق التي انتظمت فيها المقاومة الشعبية اضطرت لشراء السلاح من الجهد الشعبي لأبناء المناطق أنفسهم.

ونقلت تقارير صحفية شكاوى متصلة من إحجام الجيش عن تسليح المقاومة الشعبية تاركًا الأمر للجهود الشعبية والمناطقية وهذه مسألة وصفها خبراء عسكريون بالقنبلة الموقوتة.

وهذا جرى فعليًا في نهر النيل حينما انشق أحد قيادات المقاومة الشعبية وقاد فصيلًا مستقلًا رافضًا ما وصفوه بسيطرة الإسلاميين على المقاومة الشعبية.

والأمر ليس بعيدًا عن شمال السودان، إذ تتصاعد الشكاوى والتهديدات العلنية في مواقع التواصل الاجتماعي من تفلتات لا تنقطع من مجموعة مسلحة عُرفت بـ (أولاد قمري).

ورغم الحديث المكرر لقيادات الجيش أنها مدركة لمخاطر تفشي السلاح إلا أن الأمر في الواقع لا يبدو مطمئنًا، وما جرى في الدندر ينذر بالمزيد من المخاطر إن لم تواجه هذه المجموعات بالحسم وإن لم يمسك الجيش بزمام الأمور في هذه السيولة الأمنية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى