من على الشرفة

أهل الثقافة وضروب الإبداع المهم والأهم

طاهر المعتصم
taherelmuatsim@gmail.com

طاهر المعتصم
طاهر المعتصم

 

في ليلة شتوية في وسط القاهرة بمقر تجمع الفنانين السودانيين، احتفاء بترجمة بعض نصوص الشاعر الراحل محجوب شريف، تنزلت عليه شآبيب الرحمة، في فاصل غنائي أداه شمت محمد نور، انتقل إلى أغنية ممسرحة عن أم هاربة من الحرب بعد مصرع زوجها، تحمل طفلها لاجئة إلى مصر فرارًا من الفظائع، وإذ بها تتفاجأ بأن الطفل الذي تحمله كان قد فارق الحياة. أبدع في الأداء المسرحي صفاء محجوب وعبدالله سيد صوصل، بلهجات دارفورية متعددة.

قبلها ببضع شهور في فعالية بمعهد جوته في القاهرة، نظم المخرج البارع جسور فعالية أبلى فيها الأستاذ المحبوب عبدالسلام بلاء حسن، متحدثًا عن الحفاظ على الهوية في المهاجر المختلفة التي احتضنت كرام السودانيين بعد أن هجرهم زلزال الخامس عشر من أبريل2023، تم تناول ممسكات الهوية السودانية من أزياء وأطعمة ومشرب وثقافات، حتى لا تذوب هوية الأطفال وسط ثقافات دول المهجر، على ان امل ان يعودوا يوما للسودان الذي يحبه الجميع.

مثل تلك المحاولات على قلتها مهمة جدًا، في حالة الانقسام الكبير في بلادنا، بالنظر إلى تجارب دول أخرى تسببت الأحداث فيها في هجرات كبرى، وإلى حالات انقسام وعلو خطاب الكراهية، واتهامات أطراف غير مسؤولة في النسيج المجتمعي، عندما يكتب القيادي بجماعة الإخوان المسلمين الدرديري محمد أحمد مصطكًا مصطلح (عربان الشتات)، أو يصرخ محمد حمدان دقلو قائد جنجويد الدعم السريع، موجهًا التهم لبعض من قبيلة الشايقية.

في تدليس واضح للتغطية على حرب من أجل السلطة، ما بين قديم ساقط يحاول التدثر خلف الكاكي مستقلًا ثقة بعض أبناء السودان في جيشهم، وفي مشروع سلطوي محمول عبر البحار للسيطرة على البلاد عبر بندقية الدعم السريع ومجموعات (أم باغة) للنهب والسلب، هذا الصراع المستعر تدور على هامشه معارك اجتماعية وثقافية، تهدد النسيج المجتمعي للشعب السوداني المنكوب.

الثقافة لديها أدواتها التي تعيق سريان أنهر الكراهية وتقيم السدود الأدبية لتوقف جريان المآسي، تحت غطاء (الوجوه الغريبة) أو (دولة 56)، الفنون والآداب السودانية لعبت أدوارًا مهمة في مكافحة الاستعمار حتى خرج، و(دار فوز) وأشعار خليل فرح للوطن شاهدًا ودليلًا، وثقها الدكتور حسن الجزولي في سفره (نور الشقائق.. هجعة في صفاتها ودارها وزمانها) متحريًا الدقة في نشاطها الأدبي والفني والسياسي، وأدباء السودان عملوا طيلة عقود على توثيق العرى المجتمعية لأهل السودان، وعندما انفصل جنوبه وسط أجواء احتفائية من بعض جماعة الإخوان المسلمين في النظام السابق ذبحت فيها الثيران، انبرى الراحل المقيم القدال بقصيدته التي أدتها فرق عقد الجلاد (أنا ما بجيب سيرة الجنوب).

أقدار أهل الثقافة والفنون وضروب الإبداع وأبناء مهنة المتاعب، أن يقوموا بأدوارهم في رتق النسيج الاجتماعي، ومحاصرة خطاب الكراهية، الذي أودى بحوالي 800 ألف في حرب التوتسي والهوتو في راوندا، وأن يسهموا في حفاظ الهوية للأجيال الثانية في المهاجر مع الاندماج الإيجابي في المجتمعات التي لجأ أهلهم إليها على أمل العودة، وقديمًا قيل الثقافة تقود الحياة..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى