تركيا النظر من الأعلى 

شوقي عبد العظيم
شوقي عبد العظيم

قبل الخوض في المبادرة التركية من المهم أن نضع في الاعتبار أن لا شيء في عالم السياسة متروك للصدفة، وأن نضع في الاعتبار أيضًا سياسة تركيا الخارجية التي تستند على قدرات استخباراتية متقدمة فرضها موقعها الجيوسياسي المتاخم للمناطق الملتهبة في الشرق الأوسط والعالم، وآخر ما يجب وضعه في الاعتبار أن إدارة أمريكية قديمة جديدة تتشكل، والمفارقة أن معظم الفاعلين في الشرق الأوسط وتركيا عاصروا فترة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأولى بما فيهم طرفا النزاع في السودان.

أما المبادرة التركية قطعا اتخذت مسارًا جديدًا بعد أن سدت مسارات جميع المبادرات بلا استثناء ويمكن اختصار وجهتها في أنها تتحرك نحو إعادة العلاقة بين قيادة الجيش السوداني ودولة الإمارات، وهذا المسار للذي ينظر من الأعلى سيرى تأثيره في إيقاف الحرب بعد الاعتراف الصريح بعلاقة الإمارات بالدعم السريع وأنها ستقوده بلا عناء إلى طاولة المفاوضات وهذا يجعل طريق المبادرة التركية أقصر الطرق وأكثرها مباشرة وشفافية مثل النجار الذي يطرق المسمار على رأسه. 

ولكن السؤال الأهم هل ستنجح المبادرة التركية في وقف الحرب وتمضي بالسودان إلى مرحلة جديدة اعتمادًا على ما رشح ووافق عليها قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان وخرج وزير الخارجية المكلف مبشرًا بها ومن الواضح أن تركيا أحسنت التنسيق مع الطرف الثاني وهو دولة الإمارات هذه المرة وليس الدعم السريع على الأقل حتى هذه اللحظة غير أن الطرف الثالث والأهم وعلى طريقة النجار والمسمار علي كرتي وأحمد هارون ومن معهم في الحركة الإسلامية لا يرغب فيها أو لا يرغب في تسوية تنهي الحرب قبل أن يحقق أهدافه السياسية من هذه الحرب، ورأينا كيف خرج عليها جنودهم في الميديا محذرين البرهان والجيش من المضي فيها وبدأوا طرح السؤال “وماذا عن عهدنا مع الشهداء بالقضاء على الدعم السريع؟”. 

الإجابة الأكثر وضوحًا عن السؤال لا يمكن أن تمضي المبادرة إلى الأمام والحركة الإسلامية لم تحقق هدفها من الحرب ولا تزال تحشد الشباب والسودانيين مع الحرب. 

البرهان رحب بالمبادرة التركية مثلما رحب بمبادرات قبلها وربما بدأ الترتيب لها قبل هبوط الطائرة التركية في بورتسودان وهذا يفسر الهجمة الشرسة على عودة وزير الداخلية السابق عنان لأن قائد الجيش قدر أنه لن يخطو خطوة جريئة قبل أن يحصن نفسه من الذين هم في مكتبه على حد قول الشيخ عبدالحي يوسف.

المبادرة التركية جريئة وشفافة وذكية والبرهان والجيش في حاجة ماسة لها وقبلهم السودان وأهله غير أن علي كرتي ورهطه إيمانهم في العودة للسلطة بالحرب لمّ يتزحزح.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى