كفاءة المتحاربين على المحك

ديباجة: 

حرب 15 أبريل 2023م أظهرت نقصاً في تأهيل الجيشين المتحاربين– القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع- ما دفعهما إلى الاستعانة بالمدنيين في حربهما. نجم عن ذلك انتشار السلاح وتجارته وانتهاك حقوق المدنيين من قبل أفراد غير مؤهلين لحمل السلاح، 

يقول المواطن (م .أ) عمره 29 سنة “الحرب خلَّفت أوضاعاً مربكةً في بلدتنا “أم دم”. كانت أبرز معالم الدولة في البلدة هي المحلية الإدارية والمحكمة الجنائية وقسم الشرطة. تبخرت هذه المؤسسات الثلاث في منتصف يونيو 2023. حيث رفعت المحكمة جلساتها لغياب القاضي الذي آثر السلامة واختفى. أما المعتمد الذي يرأس المحلية فودَّع المواطنين متمنياً لهم الأمن وغادر. بدورهم فإن أفراد الشرطة، والذين هم من أبناء البلدة، قاموا بكل هدوء بإفراغ مركز الشرطة من الملفات المهمة والأدوات المكتبية والسلاح الخفيف الذي بحوزتهم، وهو عدة بنادق كلاشنيكوف وصناديق ذخيرة لا تتجاوز 150 طلقة، حسبما أفادني (ع. أ)، وهو شرطي من أهل البلدة. وومن بين الأوضاع المربكة كان علينا التكفل بحماية أنفسنا وأهلنا وممتلكاتنا، بمعنى آخر كان علينا شراء السلاح وتحمل مسئولية استخدامه”.

انهيار مؤسسات

يكشف تحقيق موسع أجرته ” أفق جديد” بالتعاون مع منصة “استقصائي” أن حرب 15 أبريل بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع خلَّفت انهياراً كبيراً وسريعاً في مؤسسات الدولة، وقبل ذلك كشفت عن عدم قدرة كلا الجيشين المتحاربين على حماية المدنيين من نيران المعارك وحمايتهم من انتهاكات الجنود والمليشيات وعصابات النهب التي نشطت قي بيئة الحرب. الأمر الذي فتح الباب أمام انتشار السلاح وتجارته وانتهاك حقوق المواطنين المدنيين، وسط ضعف ظاهر في تأهيل وكفاءة الجنود.

السياسة هي السبب

 من تحدثنا معهم من ضباط معاشيين وفي الخدمة العسكرية في الجيش السوداني حول تأهيل الجيشين المتحاربين؛ القوات المسلحة والدعم السريع، أبدوا حماسا شديدا للحديث في هذا الشأن، وأجمعوا على أن ضعف تأهيل الجيشين العسكري كان وراء كثير من انتهاكات الحرب، وبالذات عندما استخدموا المدنيين فيها من غير إعداد مناسب فحملوا السلاح في مناطق سكنية، وأسهم ذلك في انتشار السلاح.

قال اللواء “معاش” كمال إسماعيل “استعانة الجيش السوداني بالمدنيين في القتال، في حد ذاتها، علامة ضعف كبيرة”. ومضى مبيِّناً ذلك بأن “تأسيس قوات الدعم السريع بمثابة جيش موازٍ نتيجة منطقية للإضعاف الذي تسبب فيه الإسلاميون للجيش”.

 وأشار ضباط عاصروا الانقلاب العسكري الذي قام به الإسلاميون في 1989 بقيادة عمر البشير، إلى أن تسييس قطاع الأمن في الدولة كان مدخلا أساسيا للضعف والفساد داخل الأجهزة الأمنية وفي مقدمتها الجيش. يرى الضابط المُبعَد من الجيش لأسباب سياسية، المقدم وليد عزالدين في حديثه أنه بعد انقلاب 1989 “عملوا على أسلمة الجيش، وأرادوا أن يحولوه إلى جيش رسالي جهادي إسلامي، وأجروا تغييراً في العقيدة القتالية، وبدلاً من أن يحمي الجيش الدستور والوطن أصبح يحمي نظام الإسلاميين”، وكنتيجة منطقية أُهمِل الجيش “من جهة التدريب والمنهج والعقيدة القتالية”.

 أول دفعة تم استيعابها في الكلية الحربية بعد انقلاب الإسلاميين في 1989 تم قبولها عن طريق التنظيم الإسلامي وهي الدفعة “40” وتعرف بـ”حماة الدين”. وقال اللواء “معاش” كمال اسماعيل: “الدفعة 40 تعرف بـ(حماة الدين)، ومن وقتها تولى التنظيم الإسلامي زمام الجيش عبر هيئة الاستخبارات”.

ويتفق عدد من الخبراء العسكريين في افادتهم في هذا التحقيق أن تسييس الجيش من قِبل الإسلاميين كانت له تأثيرات سالبة على مهنية الجيش واستعداده العسكري. تجلت الآثار السالبة في حرب 15 أبريل التي يقودها عدد من الضباط الإسلاميين، من بينهم قائد متحرك سنار الذي اغتيل أثناء الحرب اللواء أيوب عبد القادر، ومدير الاستخبارات المضادة اللواء نادر بابكر، الذي شغل من قبل منصب قائد الحرس الرئاسي لقائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، واللواء نصر الدين عبد الفتاح، الذي أعيد للخدمة بعد الحرب ويقود حاليا سلاح المدرعات. بات الجيش هو “جيش التنظيم الإسلامي” على مستوى القيادة ودوائر المعلومات والتخطيط. بالمقابل تنازل عن المهنية، وعن كثير من الضباط الأكفاء لصالح ضباط منتمين للحركة الإسلامية.

الفساد.. الجيش والدعم السريع

على الرغم من أن 80% من ميزانية الدولة كانت مخصَّصة للأمن والدفاع خلال فترة حكم عمر البشير، فقد دخل الجيش في استثمارات عديدة، من بينها صادرات اللحوم والمنتجات الزراعية، فضلاً عن شركات تجارية تنافس في القطاع الزراعي والصناعي، وأسس “هيئة التصنيع الحربي” في 1993م، ثم عرفت لاحقاً بـ”منظومة الصناعات الدفاعية”. كان الغرض من هذه الاستثمارات تحسين حال الجيش وزيادة موارده وتأهيله وإمداده بالسلاح المتطور، إلا أن ذلك لم يحدث، ولم تنعكس هذه الاستثمارات على الجيش، وتحكم في المنظومة ومواردها كبار القادة. ثم انتقلت استثمارات الجيش إلى قطاع التعدين.

أفاد ضابط في الجيش السوداني، له علاقة بملفات اقتصادية، بأن “الجيش يستثمر في كل شيء.. في بعض الأحيان استثمارات مع دول بغرض العلاقات، ومرات عديدة لأغراض ربحية”. وأشار إلى أن أكبر استثمارات في قطاع التعدين عن الذهب مع شركات روسية وإماراتية ومغربية. وحول توظيف هذه الموارد في تأهيل الجيش قال إن “الاستفادة منها محدودة والسبب الرئيسي الفساد”. وكثيراً ما يتم تداول قضايا الفساد في الجيش ولكن يصعب التحقق منها بسبب القبضة الأمنية، كما أن استثمارات الجيش لا تخضع للمراجعة من قبل المراجع القومي.

تسببت استثمارات الجيش وشركاته في خلاف كبير خلال الفترة الانتقالية، عندما طالب رئيس وزراء الحكومة المدنية الانتقالية المستقيل عبد الله حمدوك بخضوعها للمراقبة، وقال “إن ما يدخل الخزينة 18% فقط من الإيرادات”، وتمسك الجيش باستثماراته وشركاته رافضاً تدخل المدنيين.

وقال ضابط برتبة مقدم في الجيش السوداني “أحوال الجنود السودانيين ليست بخير؛ رواتبهم ضعيفة ولا تصل إليهم بانتظام”. وأشار إلى أن “مهمات” الجنود من ملابس عسكرية ومعينات تم إهمالها بعد اتفاق “سلام جوبا” في أكتوبر 2020م. فمنذ العهد السابق للثورة دخلت إمدادات الجيش من الملابس في فساد كبير بعد أن عهد بها إلى مصنع “سور”، وهو مصنع يملكه رجل الأعمال التركي “أوكتاي شعبان حسني”، والذي يتمتع بشراكات مع قادة نظام عمر البشير ومن بينهم شقيقه عباس البشير.

يروج أن مصنع “سور” للملبوسات العسكرية شراكة بين السودان وتركيا وقطر، وأكدت مصادر أن وزارة الدفاع السودانية تملك 10% فقط، بينما يملك رجل الأعمال التركي وليس تركيا 34%، إلى جانب 23% تملكها منظومة الصناعات الدفاعية، وتعود 33% للجيش القطري.

وبحسب مصدر في الجيش إن الفساد طال حتى شراء الأسلحة، وأضاف: “هنالك صفقة مشهورة قام بها وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين عندما اشترى دبابات مستعملة على أنها جديدة من بلاروسيا ولم يستطع الجيش استحدامها”. كما انتشرت في أوساط الجيش ظاهرة “القوائم الوهمية”، وهي كشوفات مرتبات بأسماء جنود غير موجودين في الخدمة، وبعضهم من الموتى.

وقال المصدر إن “ضعف المرتبات وسوء التدريب تسبَّبا في تسرُّب أعداد كبيرة من الجنود، كما أدَّيا إلى نفور الشباب السودانيين من التجنيد والانخراط في الجيش”، وواصل: “متوسط أعمار الجنود في الجيش يزيد عن 35 سنة، وهي أعمار غير قتالية”.

كما أن الحكومة استغنت عن أعداد كبيرة من الجنود تجاوز 16 ألف جندي بعد انفصال جنوب السودان في 2011 حتى تخفض الصرف على الجيش، مما جعلها تعتمد مؤخرا على قوات الدعم السريع في مهامها القتالية لقمع الحركات الاحتجاجية والمطلبية في دارفور وجبال النوبة بغرب السودان.

          وبحسب شهادة جندي أوكراني شارك في المعارك الى جانب الجيش نقلتها عنه صحيفة ” وول استريت جورنال”  “لم يحصل الكثير من أفراد الجيش السوداني على رواتبهم منذ بدء القتال قبل أشهر، مما أدى إلى تراجع معنوياتهم، فيما لم يكن المقاتلون يرتدون علامات لإظهار الجانب الذي ينتمون إليه، وكانت النيران الصديقة تشكل تهديدا منتظما”.

ووفقا لجولة صحفية قام بها أحد المشاركين في هذا التحقيق بمناطق تجمعات الجيش قال عدد من الجنود إنهم لم يحصلوا على رواتبهم بانتظام منذ اندلاع الحرب، كما أن هناك إجراءات مقيدة لا تمكِّن أسرهم من الحصول عليها بسهولة. وقال أحد الجنود “كانت المرتبات متوقفة في الشهور الأولى للحرب، وفي أغسطس بدأنا نستلم رواتبنا، ثم توقفت مرة أخرى وقبل أشهر صرفنا”. ويرتدي معظم الجنود ملابس عسكرية جديدة قالوا إنها وزِّعت عليهم بعد الحرب.

الدعم السريع:

لا تستند قوات الدعم السريع على مؤسسات بالمعنى المتعارف عليه، فهي تدار من قبل قائدها الفريق أول محمد حمدان دقلو الشهير بـ”حميدتي” وأخيه غير الشقيق عبد الرحيم دقلو وعدد من أفراد عائلتهم. وعلى الرغم من أنها تتحصل على رواتب الجنود من خزينة حكومة السودان منذ تأسيسها إلى ما قبل الحرب، إلا أن أمر التصرف فيها متروك لقيادة الدعم السريع.

وقال ضابط برتبة عميد انتسب إلى الدعم السريع في وقت سابق “هناك إدارات في الدعم السريع، من بينها إدارة مالية خاضعة بالكامل للقيادة وهي تحدد الصرف والأولويات”. وأشار العميد إلى أن الإدارة المالية تستعين بعسكريين من الجيش معاشيين وفي الخدمة، غير أن تمدد الدعم السريع اقتصاديا جاء عقب مشاركته في حرب اليمن المعروفة بـ”عاصفة الحزم” والتي كان يتلقى فيها ملايين الدولارات مقابل إشراك جنوده في القتال، وكان يتصرف في الأموال بعيدا عن رقابة الدولة ومحاسبتها، إضافة إلى انفراده بتعدين الذهب في إقليم دارفور خاصة منطقة جبل عامر، حتى أصبح حميدتي يتحكم بأكبر “ميزانية سياسية” للسودان، وهي أموال يمكن إنفاقها على الأمن الخاص، أو أي نشاط، دون أي مساءلة، وأصبحت شركة الجنيد، التي يديرها أقاربه، مجموعة ضخمة تغطي الاستثمار والتعدين والإنشاءات والنقل وتأجير السيارات والحديد والصلب، وكل هذه الإمبراطورية المالية خارج دائرة تدقيق ومراقبة الدولة.

وأشار عدد من الخبراء إلى أن قوات الدعم السريع كانت عند بداية الحرب أفضل تجهيزا من الجيش من حيث العتاد ومعينات الجنود والمركبات والسلاح الخفيف والمتوسط والثقيل. وقال اللواء “معاش” كمال إسماعيل “قوات الدعم السريع قوات حديثة عمرها لا يتعدى عشر سنوات، لذلك كان وضع الجندي فيها أفضل”. وتم دعم قوات الدعم السريع من الإمارات والسعودية قبل الحرب بموافقة من الدولة.

جنود فقراء

بحسب ضابط في الجيش تأثر التدريب في الكلية الحربية السودانية في سنوات الإنقاذ، وخاصة بعد اتفاق السلام في 2005م. وقال اللواء “معاش” عوض الكريم غرباوي  “تغيير العقيدة القتالية أثّر على تدريب الضباط وتأهيلهم. في السابق كان الضابط يتلقى دورة في بريطانيا أو روسيا، اليوم لا يذهب إلى أكثر من مصر أو الأردن”. وأشار إلى أن انخفاض الجرعة التدريبية في الكلية الحربية، إلى جانب طبيعة الطلاب الحربيين المقبولين بالولاء السياسي انعكس على كفاءة الضباط وانضباطهم العسكري، وقال “ضابط برتبة ملازم من تنظيم الإسلاميين يمكن أن يأمر ضابطاً برتبة رائد ليس من التنظيم”، وقد انعكس كل ذلك على تدريب الجنود.

كشف استطلاعنا عدداً من الجنود في مدينة القضارف أن أكثر من 85% منهم لم يتعدَّ تحصيلهم الدراسي التعليم الابتدائي، وقال معظمهم إنهم تجندوا في الجيش لأن خيارات العمل أمامهم كانت معدومة، وأغلبهم من طبقات فقيرة أو شديدة الفقر.

وأفاد جندي في الواحدة والثلاثين من العمر أنه تدرب في معسكر جبيت بشرق السودان، وأن فترة التدريب كانت 3 أشهر متواصلة، بعدها تم إرساله إلى القضارف. انحصر التدريب في البيادة واستخدام البندقية كلاشنيكوف (Kaláshnikova) وجيم 3 (G3) وقورينوف (Goryunov). وفي ما يتعلق بتلقيهم مواد تدريسية متعلقة بمفاهيم حقوق الإنسان، نفى ذلك.

وتقاتل إلى جانب الجيش قوات الحركات المسلحة، وهي قوات تمردت على نظام البشير، وأغلبها من حركات دارفور، وأبرزها حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة وقوات الحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الشمال، جناح مالك عقار في النيل الأزرق. تعود تكوينات هذه القوات إلى أكثر من عشرين عاماً، وهي في الأساس نشأت على أساس قبلي وإثني، ولا يتم تدريبهم إلا على استخدام السلاح، ولا يوجد منهج محدد للرتب والترقيات والتأهيل على أخلاقيات ومبادئ القتال.

جنود مدربون وغير مدربين

قال جندي سابق في قوات الدعم السريع ” القوات التي تقاتل في المعركة الدائرة الآن بعضها تلقت تدريباً عسكرياً، وأخرى لم تتلقَّ تدريباً”. وأشار إلى أن قوات الدعم السريع حصلت على تدريب مكثف كقوات مشاة وتدخُّل سريع في معسكرات في الخرطوم منذ 2007 في حطَّاب بشرق النيل (30 كيلومتر شمال شرق مدينة الخرطوم بحري)، وفي الصالحة (17 كيلومتر جنوبي أم درمان)، وفي مدينة بحري.

أوضح الجندي الذي نحتفظ باسمه لوجوده في مناطق الخطر  أنهم تدربوا على يد ضباط من الجيش السوداني، وعند مشاركنهم في حرب اليمن تلقوا تدريباً في معسكرات في دارفور، من بينها معسكر في منطقة الزُرُق (87 كيلومتر شمال الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور)، وقال “كان التدريب صعباً، وحتى بعد التدريب يبقى الجندي بالمعسكر ولا يغادره إلا إلى اليمن، أو يوزع على الحراسات”. إلا أنه عاد وقال “اليوم بعد اندلاع الحرب هناك جنود غير مدربين في صفوف قوات الدعم السريع يقاتلون بالحماس القبلي”.

وفي ذات الاتجاه كشف ضابط من الدعم السريع عن أن جنود الدعم السريع حصلوا على جرعات تدريبية مكثفة في معسكرات باليمن وفي الإمارات وفي الأراضي الإريترية خلال مشاركتهم في عاصفة الحزم. وحسب مصدرين، إن أبوظبي أنشأت معسكرات حشد وتجنيد السودانيين ضمن قوات “الدعم السريع” في الأراضي الإماراتية وفي جزيرة عصب الإرتيرية، ورجّح أن يكون هذا التدريب بدعم من الإمارات، وإشار إلى أن الجنود الذين تدربوا وشاركوا في حرب اليمن بعضهم ترك الدعم السريع، لكن معظمهم عاد مع هذه الحرب للقتال.

من بين المقاتلين في صفوف قوات الدعم السريع جنود لم يحصلوا على تدريب عسكري بالمعنى المعروف، وإنما يجيدون استخدام الأسلحة الخفيفة فقط. وقال جندي “من بين جنود الدعم السريع من لم يدخل معسكر تدريب أصلاً، فقط لهم معرفة باستخدام السلاح”. وأشار إلى أن معظم المجموعات التي يطلقون عليها “أم باغة” لم يحصلوا على تدريب، وبعض الجنود الذين يحضرون ضمن “الفزع” – الفزع استنفار قبلي- إلى جانب مليشيات قبلية تأسست لحماية القبائل والمناطق.

تدريب “18” يوماً

من بين المجموعات المشاركة في الحرب الدائرة الكتائب الجهادية الإسلامية، مثل كتيبة “البراء بن مالك”، وكتيبة “البنيان المرصوص”، وكتيبة “الفرقان”، وهؤلاء يتم تدريبهم على يد الجماعات الإسلامية منذ وقت طويل في السودان، ودائما ما يكون التدريب على درجة من السرية، إلى جانب قوات هيئة العمليات التي كانت تتبع لجهاز الأمن والمخابرات وتم حلها إثر تمرد القوة خلال الفترة الانتقالية، إلا أن أفرادها عادوا للعمل تحت إمرة الجيش، في ما يعرف بـ”قوات العمل الخاص” وهؤلاء حصلوا على تدريب قتالي عالٍ، ومعظمهم ينتمي إلى الإسلاميين ومؤيدون لحكم عمر البشير.

ويقاتل إلى جانب الجيش مجموعة من المدنيين يعرفون بـ”المستنفرين” أو “المقاومة الشعبية المسلحة”. وهؤلاء انخرطوا في القتال بعد نداء القائد العام للجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان في الشهر الثالث للحرب. وقال أحد المستنفرين إنه تلقى تدريباً محدوداً قبل أن يُدفع به للمعركة في منطقة الفاو (95 كيلومتر شرقي ود مدني)، وقال “تدربت 18 يوما بعدها انتقلت إلى منطقة الفاو”. وأشار إلى أنه تدرب في معسكر مع مجموعة سبقته بعشرة أيام، مبيناً أن هناك مواطنين من نهر النيل انخرط أبناؤهم في المقاومة الشعبية تلقوا تدريبات سريعة لا تتعدى الشهر شاركوا في القتال وفي حماية الارتكازات الأمر الذي تسبب لهم في مخاطر كبيرة عند استخدام السلاح، وكثيراً ما تقع بينهم إصابات.

تسليح المدنيين.. الجيش

درج الجيش على تسليح المدنيين والاستعانة بهم ضد الحركات المسلحة المتمردة على السلطة المركزية في الخرطوم، لكنه توسع بشكل كبير في تسليح المدنيين بعد الحرب التي اندلعت في 15 أبريل 2023م بينه وقوات الدعم السريع.

منذ اندلاع الحرب التي يُتَّهم الإسلاميون بإشعالها لتعطيل التحول المدني الديمقراطي والانتقام من خصومهم السياسيين، كشفت مصادر لـ(فريق أفق جديد واستقصائي)  أن كتائب الإسلاميين شاركت في الحرب منذ شهورها الأولى، وكان أول ظهور لهم في معسكر الاحتياطي المركزي في الخرطوم، ثم في معارك منطقة الشجرة العسكرية في الخرطوم. وقد نعت الحركة الإسلامية رسمياً بعض شبابها الذين شاركوا في المعركة من بينهم محمد الفضل الذي اغتيل في المدرعات، وقال المصدر إن تنظيم الإسلاميين داخل جهاز الأمن والاستخبارات العسكرية والأمن الشعبي تولى التعبئة للاستفار والمقاومة الشعبية. 

وانخرط عدد من المدنيين غالبهم من الشباب في صفوف الجيش، حيث تم تسليحهم لحماية مناطقهم إلا أنهم شاركوا في القتال، ويتولى المتابعة والتسليح قادة سابقون في تنظيم الحركة الإسلامية والدولة قبل سقوط النظام في 11 أبريل 2019م، من بينهم مسؤولون في قوات الدفاع الشعبي، وهي قوات شعبية أسسها النظام السابق لمساندة الجيش في الحرب الأهلية في جنوب السودان، ولاحقاً في حروب الريف الطويلة ضد الحركات المتمردة.

وبحسب مصادر من الجيش أن فكرة الاستنفار وبعدها المقاومة الشعبية هي من أفكار الإسلاميين. وفي خطابات جماهيرية، دعا رئيس مجلس السيادة القائد العام للجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، المواطنين لحمل السلاح والدفاع عن أنفسهم أو مساندة الجيش في حربهم ضد الدعم السريع.

كوَّن أنصار نظام البشير ما يعرف بهيئة الإسناد الشعبي للقوات المسلحة تهتم بجمع التبرعات للمستنفرين والمقاومة الشعبية ودعم الجنود في الميدان. وصرح الداعية المقرب من تنظيم الحركة الإسلامية عبد الحي يوسف في مقطع تم تداوله على نطاق واسع إلا أنه قام بحذفه قال” أن المقاومة الشعبية اسم بديل لـ”الجهاد”، أو اسم “دلع” على حد تعبيره حتى لا يرفضها الشعب ولا ينتبه لها العالم. وقال إن المجاهدين الإسلاميين القدامى الذين شاركوا في حرب جنوب السودان هم من يتولَّون تدريب المدنيين المستنفرين وفي المقاومة الشعبية. وقال مصدر قريب من الإسلاميين إن المقاومة الشعبية لديها بعد سياسي قصد منها إبعاد الخصوم السياسيين وتجييش الشعب وإظهاره بمظهر المؤيد للجيش.

مدنيين في معسكرات الجيش

في العاصمة الخرطوم حصل المستنفرون في الأسابيع الأولى للحرب على الأسلحة من مخازن الجيش. وقال ضابط في القوات المسلحة انتقل إلى عاصمة بلد مجاور بعد الحرب “قام الجيش بتسليح المواطنين في منطقة أم درمان ومناطق طرفية في مدينة بحري بالأسلحة الخفيفة”، وأشار إلى أن جهاز المخابرات العامة والاستخبارات العسكرية قاما بمهمة تسليح المواطنين في العاصمة لحماية مناطقهم، وتولت قيادات إسلامية استنفار المواطنين في الأحياء السكنية.

انضم عدد من الشباب الإسلاميين المدنيين إلى معسكرات الجيش في وادي سيدنا في أم درمان وسلاح المهندسين وفي سلاح المدرعات، وتولى عدد منهم تشغيل المسيَّرات القتالية بعد أن حصلوا على تدريب من خبراء أوكرانيين، وأعادوا تشكيل كتائب جهادية من بينها كتيبتا “البراء بن مالك” و”البنيان المرصوص”، وبقوا في معسكرات الجيش ويتم تسليحهم ضمن الوحدات العسكرية.

بيع السلاح في الأسواق

وقال مواطنون من الولاية الشمالية إن قادة المقاومة الشعبية قاموا بتسليح المواطنين عن طريق بيعهم السلاح. روى شاهد عيان أن قائد المقاومة الشعبية أزهري المبارك أحضر (3) شاحنات محملة بالأسلحة يحرسها جنود من الجيش ومستنفرون توقفت في وسط سوق مدينة الدبة بولاية الشمالية وتم بيع بندقية الكلاشنيكوف صينية الصنع للمواطنين بمبلغ (700) ألف جنيه سوداني (حوالي 350 دولاراً أمريكياً)، ويُمنح المشتري مستندا يوضح الشراء ورقم السلاح، ويلتزم بتقنينه بعد انتهاء الحرب.

تبرع أزهري المبارك، أحد أشهر تجار الذهب وأبرز العاملين في التعدين الأهلي في الولاية الشمالية، بـ(5) ملايين دولار لدعم المجهود الحربي. وقال أحد المواطنين إن “عدد المواطنين الذين اشتروا السلاح في الدبة يزيد عن 1600 مواطن”. سمح القائد العام للجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان للمواطنين بالحصول على السلاح بكافة الطرق للدفاع عن أنفسهم، وحصل المستنفرون في الولاية الشمالية على السلاح من المقاومة الشعبية، ولا يعلم أحد إن كانت الدولة ستدفع ثمنه، أم هو تبرع من رجل الأعمال أزهري المبارك.

نشطت في الولاية الشمالية في مدينة الدبة حملات جمع تبرعات للمقاومة الشعبية وتأسيس ما تعرف بـ(الغرفة التجارية لدعم المقاومة الشعبية) يديرها أعضاء نظام الرئيس السابق عمر البشير، بحسب مواطنين في الدبة ويتهمونها بالفساد. وقال مواطن بالدبة  إن الغرفة التجارية التابعة للمقاومة الشعبية قامت بشراء أسلحة خفيفة وثقيلة وعربات قتالية وسلحت بها مستنفرين وقوات عمل خاص، ويشرف على شراء السلاح وتسليمه للمدنيين ضباط في جهاز الأمن والشرطة والجيش من المعاشيين ممن لهم علاقة بتنظيم الإسلاميين، وتتحصل الغرفة التجارية على الأموال عبر متحصلين مسلحين يفرضون رسوماً وجبايات على العربات والشاحنات وأصحاب المحلات التجارية وتستخدم إيصالات مالية ورقية، ويقدر دخلها اليومي بأكثر من (300) مليون جنيه سوداني.

شرق السودان.. سلاح إريتري

يسيطر الجيش سيطرة كاملة على ولايات شرق السودان الثلاث؛ البحر الأحمر، كسلا وولاية القضارف، ونشط من الايام الأولى في الحرب في تسليح المدنيين للدفاع عن المدن. القيادي الإسلامي ورئيس حزب المؤتمر الوطني أحمد هارون، المطلوب للمحكمة الجنائية والذي فرضت عليه وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات مؤخرا، مخصِّصة مكافأة 5 ملايين دولار للقبض عليه، تبنى الاستنفار في شرق السودان. وأكد أكثر من مصدر  أنه أجرى لقاءات مع قيادات في ولايات شرق السودان من أجل تسليح المدنيين للانخراط في القتال. 

وقال أحد الخبراء العسكريين  إن تسليح المدنيين في شرق السودان تم على أساس قبلي لطبيعة المنطقة التي لا تزال تسودها روح الولاء القبلي. وأفاد عدد من أبناء المنطقة بأن قبائلهم تملك سلاحاً بشكل محدود قبل الحرب لكنه توسع بشكل كبير بعد الحرب، مؤكدين أن أعضاء النظام السابق في الأجهزة الأمنية يشرفون على عملية التسليح بالتعاون مع الإدارات الأهلية وزعماء القبائل.

بالتعاون مع دولة إريتريا على الحدود الشرقية تم تدريب وتسليح أبناء قبائل شرق السودان. اللواء “أمن معاش” القيادي بالمؤتمر الوطني والمعتمد السابق للعاصمة الخرطوم عمر نمر قال في مخاطبة جماهيرية في كسلا إن إريتريا فتحت أرضها لمعسكرات تدريب أبناء شرق السودان.

وقال خبير في شؤون شرق السودان طلب حجب اسمه تم تسليح أربع مجموعات قبلية بعد الحرب، وتدرب عدد كبير من منسوبيهم في معسكرات داخل الأراضي الإريترية. المجموعة الأولى هي مجموعة “حركة تحرير شرق السودان” يقودها إبراهيم عبد الله إبراهيم محمد “إبراهيم دنيا”، وهي تتكون من أبناء البني عامر فرع “الالمدا”، ولا تزال القوات في إريتريا عقب خلافات مع قادة في الاستخبارات العسكرية متهمين لهم بأن لديهم اتصالات مع قوات الدعم السريع.

المجموعة الثانية بقيادة محمد طاهر سليمان بيتاي وتعرف بـ”الحركة الوطنية” وقوامها من قبيلة الهدندوة فرع “الجمالاب”، وكان قائدها رئيس مجلس تشريعي ولائي في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير.

أما المحموعة الثالثة فيقودها مساعد الرئيس المخلوع عمر البشير موسى محمد أحمد وتسمى “مجموعة مؤتمر البجا”، وهو مقرب من الرئيس الإريتري أسياسي أفورقي.

المجموعة المسلحة الرابعة هي مجموعة “الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة” بقيادة الأمين داوود، وهي آخر المجموعات المدنية التي تم تدريبها وتسليحها في شرق السودان وتعرف بـ”الأورطة الشرقية” وتلقى مقاتلوها التدريب داخل الأراضي الإريترية، كما أن الحكومة الإريترية قامت بتسليحهم بالكامل وتزويدهم بالمؤن والمعدات. 

معظم هذه التشكيلات القبلية في شرق السودان دخلت السودان بعد جرعات تدريبية في الأراضي الإريترية في منطقة ساوة على الحدود السودانية الإريترية ودخلت تحمل سلاحاً إريترياً، ولكن تم تسليحها بعد ذلك بأسلحة من الجيش والمقاومة الشعبية. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى