ثم ماذا بعد؟

كلمة العدد العاشر

بلا شك تمثل عودة الجيش إلى حاضرة ولاية الجزيرة مدينة ود مدني تحولًا مهمًا ونقطة جوهرية في الحرب الدائرة منذ الخامس عشر من أبريل الماضي، التي خسرت فيها البلاد ولا زالت تخسر الكثير من مقدراتها البشرية والمادية، وحق للمواطنين المغلوبين على أمرهم الفرحة بالعودة إلى الديار التي هجروا منها قسرًا، ولكن يظل السؤال شاخصًا ينتظر الإجابة ثم ماذا بعد؟ وهذه الحرب تنشط فيها عدة جهات ذات أجندة مختلفة ومشاريع متضادة، لا خريطة واضحة لنهايتها ولا أمل حتى تاريخه في أن يصمت صوت المدافع ويعلو صوت المصانع.

حرب قذرة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى ومدلولات، نعم عادت مدني، ولكن المسيرات لا تزال تحلق في سماء مروي، والدانات والقصف العشوائي يقصف أرواح سكان أم درمان، والطيران يوزع الموت في نيالا والفاشر وبابنوسة، حرب لا قيمة فيها للإنسان، فلا الجيش المسؤول أخلاقيًا عن حمايته يكترث ولا الدعم السريع يتمتع بقليل من الأخلاق.

فالجزيرة تغنى أهلها ظنًا إنهم تخلصوا من المليشيا التي سقتهم كؤوس المر ليتفاجأوا بأنهم وقعوا تحت سيطرة مليشيا جديدة لا تقل عن الأولى قسوة إن لم تبذها، فأعملت آلتها قتلًا وحرقًا وتخريبًا في من أجبرتهم الظروف على البقاء عندما انسحب الجيش غير آبه بما يحدث لمواطنيه من خلفه، ليفجعهم الجيش ذاته الذي انتظروه وهللوا لظهوره مرة ثانية عندما تركهم لمهاويس هوايتهم القتل وشبقهم لا يطفئه غير لون الدم.

كل ذلك يلقى عبئًا ثقيلًا على القوى المدنية، أن تتصدى وبكل حزم لحماية المواطن الذي تطحنه المليشيا عندما تدخل إلى مناطقه، وعندما تخرج المليشيا تأتيه مليشيات الحركة الإسلامية لتنتاشه فشًا لغلها الدفين وانتقامًا لخسرانها المبين، فالأزمة الحالية تمثل تحديًا كبيرًا للقوى المدنية التي تسعى لبناء دولة ديمقراطية قائمة على مبادئ الحرية والعدالة.

القوى المدنية، والمجموعات الثورية، عليها واجب أن تلعب دورًا مهمًا في الضغط من أجل حماية المدنيين مضافًا إلى دورها الأصيل في الضغط من أجل التحول الديمقراطي. 

نعم تواجه القوى المدنية تحديات كبيرة، من بينها الانقسامات الداخلية، وغياب الرؤية الموحدة، بالإضافة إلى تأثير العوامل الخارجية والإقليمية التي تدعم أطرافًا محددة في النزاع، لكن ما جرى في “كنابي” الجزيرة ومؤشرات أن البلاد دخلت إلى مربع الانقسام الاجتماعي، موعودة بديكتاتورية دموية لم يشهد تاريخها لها مثيلًا.

بدعم الإسلاميين للجيش، سيتحول السودان إلى نظام سياسي يعتمد على الأيديولوجية الإسلامية والقمع وإخراس الأصوات المعارضة كإطار حاكم. سيتم إقصاء الجميع  من مراكز القرار، مما يضعف فرص تحقيق دولة العدالة والمساواة. تاريخيًا، شهد السودان تجارب مماثلة، حيث تم تهميش القوى المدنية بعد الانقلابات العسكرية المدعومة من الإسلاميين.

يجب على القوى المدنية تجاوز خلافاتها وتقديم رؤية موحدة لمستقبل السودان، تشمل جميع الأطراف بما في ذلك الشباب والنساء ونسج تحالف قوى يتجاوز الخلافات الصغيرة ويلتف حول القضية الكبيرة، وتحديد من هو عدوها وعدو المواطنين الحقيقي، وتعمل على فضحه وتعرية سلوكه أمام الجميع.

وختام القول إن مستقبل السودان مرتبط بقدرة القوى المدنية الديمقراطية على مواجهة التحديات الحالية، ووضع استراتيجية شاملة للتعامل مع نتائج الصراع. نعم تعقيد الأوضاع قد يمثل تحديًا كبيرًا، ولكنه قد يكون أيضًا فرصة لإعادة ترتيب الصفوف والضغط من أجل دولة ديمقراطية تمثل جميع السودانيين.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى