حريم الطيب صالح

السرالسيد
عندما شرفتني الصديقة ميسون بكتابة تكون علي سبيل التقديم لكتابها (حريم الطيب صالح)،علقت لها انني أري الانسب ان تقولي نساء بدلا عن حريم لما لكلمة حريم من ايحاءات قد لا نجد ما يعبّر عنها بشكل كامل في شخصيات النساء في روايات الطيب صالح.
*عن ميسون*:
ميسون عبد الحميد محمد البشير أو ميسون عبد الحميد، كما يعرفها الوسط المسرحي والثقافي، تُعدُّ وبلا مجاملة أو حذر،من أميز ناقدات ونقاد المسرح في الجيل الجديد؛ فمنذ تخرجها في كلية الموسيقى والدراما – جامعة السودان 2009م، ظلت حاضرة في المشهد النقدي في السودان، وفي مختلف الوسائط. نشرت ميسون العديد من المقالات والدراسات في الصحف السودانية كما قدمت العديد من الأوراق والبحوث في الملتقيات المسرحية، يضاف لهذا فوزها بجائزة (يوسف عيدابي للبحث المسرحي) في دورتها الثانية 2017-2018، عن بحثها (تجارب ما بعد الحداثة في المسرح السوداني 1980-2018م..الفرق المسرحية المستقلة نموذجا)،الذي صدر في كتاب وبنفس العنوان عن الجائزة بالتعاون مع منبر تجارب بالمسرح القومي في العام 2018، وفوزها كذلك بجائزة الهيئة العربية للمسرح في البحث المسرحي للشباب دون سن الـ 35 عاماً، في العام 2019 عن بحثها (الخصوصية الثقافية للأشكال الإبداعية لما بعد الكولونيالية في الوطن العربي).
*عن الكتاب*:
في كتابها “حريم الطيب صالح..دراسة من منظور نسوي ما بعد استعماري”،الذي صدر في اواخر العام 2024 عن مركز الفال الثقافي، تمضي ميسون قدماً لتضيف خطوات جديدة في “مشوار تساؤلاتها”، عن ماهية القهر والسيطرة والكيفية التي يتعيّنان بها؟ وطرائق اكتشافهما في النتاجات الثقافية خاصة النصوص الأدبية،وبالمقابل ماهية المقاومة؟ والكيفية التي تتعين بها وطرائق اكتشافها؟… وسمّيته “مشوار تساؤلاتها”ووضعته بين قوسين، لأن القراءة العامة – دعك من الدقيقة لما أنتجت ميسون من دراسات وبحوث ومقالات – تكشف أنها مشغولة بسؤالي السيطرة والمقاومة، خاصة في ما يتصل بأوضاع النساء؛ فمصطلحات مثل “حداثة” و”ما بعد حداثة” و”كولونيالية” و”مقاومة” و”جندر” و”نسوية” و”استشراق و”تمثيلات”، وغيرها من المصطلحات التي تؤسس فضاءً للقراءة النقدية المغايرة وأسماء مثل “إدوارد سعيد”، و”هومي بابا”، و”فرانز فانون”، والمفكر السوداني”محمد عبد الرحمن حسن (بوب)، و”ليلى أبو لغد”، و”غاياترى سبيفاك”، وغيرهم وغيرهن، من الكتاب والكاتبات الذين واللائي أنصب انشغالهم وانشغالهن بالأساس في العمل على الكشف عن الطريقة التي صاغ بها مفكرون وفلاسفة وأدباء “أوروبيون”، صورة تعبر عن الآخر غير الأوروبي، كالشرق على سبيل المثال، أو بلاد الجنوب، ثم العمل على تفكيك هذه الصورة، وبناء خطاب مضاد لها؛ هو ما يُشكّل الحقل العام لكتاباتها ولكتابها هذا بصفة خاصة.

تحاول ميسون في كتابها هذا أن تجيب علي فرضية طرحتها، ونصها: (كيف يمكن لمقاربتَيْ “ما بعد الكولونيالية” و”النسوية” اللتين تركزان تسليط الضوء على التمثيلات السالبة للنساء وأدوارهن النمطية في مجال الأدب، تجاوز محدودية هذه المهمة والانتقال إلى الكشف عن مستويات عميقة للخطاب الأدبي تنسب للمرأة حضوراً إيجابياً وفاعلاً في المجتمعات العربية وفي السودانية على وجه الخصوص؟). وفي سعيها للإجابة عن هذه الفرضية متّخذة من القصص والروايات بتركيز على روايات الطيب صالح “عرس الزين – ضو البيت – بندر شاه – موسم الهجرة إلى الشمال”، مجالاً لها..تستعرض الكاتبة ولو بشكل عام مساهمات ما بعد الكولونيالية في نقد الخطاب الاستعماري، متوقفةً بشكل كبير عند مساهمة إدوارد سعيد في كتابه الاستشراق، وكذلك تستعرض النظرية النسوية ومساهمتها في نقد الخطاب الاستعماري، مُبَيِّنةً التداخل بين الاستراتيجيات النسوية المعاصرة ونظرية ما بعد الاستعمار رغم ما بينهما من اختلافات.
نستطيع القول ونحن نبحر في صفحات الكتاب إن الكاتبة تشتغل علي أكثر من منهج، فهي تستفيد من منهج النقد الثقافي، ومن منجزات “المدرسة” النسوية الما بعد استعمارية، ومن منهج “الاختلاف بعد الكولونيالي”، وغيرها من المناهج والأفكار التي تهدف إلى نقد التمركز والدعوة لإحترام التعدد والاختلاف، مع ملاحظة أنها لا تتعامل مع هذه المناهج والأفكار كمسلمات، إذ نجدها تقدم بعض الملاحظات حولها.
في إعادة قراءتها لروايات الطيب صالح وعلى خلفية (الجندر وتمظهراته في رواياته)، وفق المنهجية التي أشرنا إليها سابقاً، وبهدف كسر الصورة النمطية عن المرأة التي كرس لها كثيرٌ من المنتج الثقافي والأدبي الغربي، كأدب الرحلات مثلاً، والذى يصور المرأة كموضوع للغواية والسحر والخداع والخيانة؛ تصل الكاتبة وعبر ما سمّته “التواريخ المحلية” وضرورة النظر عبرها لتحليل أي ظاهرة من الظواهر – كاشتغالها هي في رواية “موسم الهجرة إلى الشمال”، والتي تقول عنها كما جاء في الكتاب: (أنها تُصنف ضمن الكتابات المضادة للاستعمار)، لذلك فهي تمثل صوتاً بديلاً للمخيالات الكولونيالية عن المرأة الشرقية – لتصل إلى قراءة روايات الطيب صالح من منظور التواريخ المحلية، والتي هي غير التواريخ الأوروبية المهيمنة؛ فهي تري ان نصوص الطيب صالح تتميز بأنها لا تعبر عن عالم النساء من ناحية أنه عالم مطالِبٌ بالحقوق، وإنما تصوره كعَالم مواجهات تدور في سياقات وعلاقات تعاقدية يقبلها الرجال والنساء معاً، ويحرصون على الحفاظ عليها. وللتأكيد على هذا الرأي تستعرض الكاتبة كثيراً من مواقف وأقوال نساء الطيب صالح في مجتمع الرواية، ونساء الطيب صالح المقصودات هنا هن السودانيات-الشرقيات- حسنة بت محمود / نعمة / فاطمة بت جبر الدار، لتقول في النهاية وعبر تمثلات المرأة في سرديات الطيب صالح، توصلت هذه الدراسة إلى أن (صور المرأة تتنوع بتنوع أدوارها ضمن الأوضاع المحلية للمجتمعات التي يتعرض لها الروائي)، ومن هنا يمكن التوصل إلى أن تجاهل تنوع الأوضاع المحلية في الدراسات النقدية لن ينتج إلا منظوراً أحادياً يدعي العالمية.
في ختام هذه القراءة الموجزة، أُشير إلى أن الفكرة المثيرة في الكتاب، هي الإشارة إلى أن صورة المرأة في الشرق أو غيره، لم تكن في يوم من الأيام صورة واحدة، وأن الشعوب غير الأوروبية كشعوب بلاد الجنوب مثلاً، أو ما يسمى بالشرق، لها حداثتها، ولها تواريخها وإرثها في المقاومة، وفي نشدان الحرية والعدالة والتقدم مثلها مثل الشعوب الأوروبية. وأشير كذلك إلى أن الكاتبة كانت موفقة جداً وهي تشير إلى “نسوية” حسنة بت محمود ونعمة وفاطمة بت جبر الدار، وهما تقاومان، وعلى طريقتهن، الهيمنة الذكورية والتنميط.
أشير أخيراً إلى أن الكتاب قام على مقدمة، وعلى عدد من العناوين هي:
مفهوم ما بعد الكولونيالية، النظرية النسوية ونقد ما بعد الاستعمار، سودان ما بعد الاستعمار، عين على التاريخ..سيرورة التذويب.. نمطية التمثيل “قصة المرأة الخائنة”، الطيب صالح.. الشرق عالم خيالي شفاف، موسم الهجرة إلى الشمال..صوتاً بديلاً، تمثلات المرأة في سرديات الطيب صالح “عرس الزين-ضو البيت-بندرشاه”، المناقشة، الخاتمة.
كما أرسل تقديري ومودتي للدكتور يوسف عيدابي الذي قام بتصميم واخراج الكتاب ولمركز الفال الثقافي.