مدني.. انقلاب ميزان القوى العسكري والسياسي
وائل محجوب
- إذا كان استرداد سنجة بمثابة نقطة تحول الحرب كما قلنا من قبل، فإنّ تحرير الجزيرة قد حسم ميزان القوى العسكري لصالح الجيش والقوات المساندة له، وسيقود لسلسلة من الانهيارات في صفوف قوات الدعم السريع في محاور مختلفة خلال الفترة القادمة.
- إنّ السيطرة على “مدني” حاضرة ولاية الجزيرة، على المستوى العسكري يعني السيطرة على طريقي ولايتي النيل الأبيض والأزرق، وتأمين طريق الولايات الشرقية، وهو ما يعني عزل قوات الدعم السريع الموزعة باتجاه الفاو وفي بعض مناطق النيل الأزرق، وفي مواقع بالنيل الأبيض عن بعضها البعض، وقفل الباب أمام أي محاولة للإمداد البشري، مع سهولة محاصرة تلك القوات وضربها.
هذه المتغيرات العسكرية تعني وبوضوح أن استرداد كامل الخرطوم بات وشيكًا وقريبًا، وهي المعركة الحاسمة لوجود قوات الدعم السريع في قلب العاصمة، كآخر معقل لها بوسط وشمال السودان.
- وإذا ما اكتملت هذه الخطوة وبعكس تصورات البعض، من الذين يروجون لصفقة أفضت لانسحاب الدعم السريع من مدني وانسحاب قادم من الخرطوم، مقابل استلام الفاشر ودارفور، فإنّ أطوار الحرب الأكبر والأعنف ستبدأ بعدها، وستدخل البلاد في معارك كسر العظم، حيث ستنتقل المعارك لولايات دارفور ومناطق تمدد الدعم السريع في محاور كردفان.
- لقد جاء خطاب قائد الدعم السريع حميدتي الانفعالي بعد المعركة، ليحسم ميزان القوى السياسي ويشكل خسارة كبرى لقواته، حيث لم يقدم أي تصورات للتعامل مع التفوق العسكري الذي أشار إليه ممثلًا في هجمات الطيران والمسيرات، وهي ذات الأسباب التي أرجع إليها خسارة قواته من قبل في “جبل مويه” في خطابه السابق، وهو وضع كفيل بإنزال هزيمة معنوية بالقوات المقاتلة حينما لا يقدم لها قادتها الحلول.
- وبعيدًا عن الاضطراب والانفعال الذي شاب خطاب “حميدتي”، فإنّ ما وراء السطور يحمل اعترافًا بقدرة الجيش على تعديل ميزان القوى عبر قدرات الطيران واستخدامه في حسم المعارك، وهي قدرات كانت قد تناقصت خلال العام الأول للحرب، الذي شهد إسقاط أعداد كبيرة من الطائرات، وتقدمًا مكشوفًا لقوات الدعم السريع على الأرض في مختلف ولايات السودان دون أي تصدي للقوات الجوية، مما يؤكد أن الجيش قد أعاد تسليح قواته بمجموعات من الطائرات المقاتلة الحديثة والمسيرات عالية الدقة، وذلك الأمر ما كان ليتم لولا إسناد إقليمي من بعض دول الإقليم، الأمر الذي لا يمكن تفسيره بغير إحجام دولي عن ملاحقة تسليح الجيش، وهو الأمر الذي شكا منه قادته خلال العام الأول للحرب علنًا، حينما قال القائد العام للقوات المسلحة عبد الفتاح البرهان لأكثر من مرة، إن هناك حصارًا دوليًا يقف عائقًا أمام إمداد الجيش بالأسلحة، وذلك بالتأكيد يعني أن هناك تحولات سياسية ودبلوماسية كبيرة شهدها مسار الحرب لمصلحة الجيش، ولا يمكن قراءتها بمعزل عن العقوبات الأمريكية الأخيرة التي استهدفت قائد الدعم السريع نفسه مباشرة للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب.
- وبناء على المعطيات أعلاه فمن المنتظر أن تشهد الفترة القادمة تصعيدًا عسكريًا يستهدف ضرب قوات الدعم السريع الموزعة في محاور ما حول الجزيرة، مع تمدد العمليات العسكرية داخل ولاية الخرطوم، تحضيرًا لمعاركه الكبيرة والحاسمة، والمرجح أن يستأنف الدعم هجومه العسكري على الفاشر بهدف إسقاط ولاية شمال دارفور، مع بدء عملية استنفار واسعة لسد النقص الواضح في قواته في مختلف المحاور.