العقوبات على “حميدتي” أبرز منجزات عهد “بايدن”

‎ عادل حسون
‎ عادل حسون

عادل حسون

adilhassoun@hotmail.com 

في مشهد الوداع الختامي للرئيس التاسع والثلاثين للولايات المتحدة، الرئيس الراحل جيمي كارتر، المسجى جثمانه في كاتدرائية واشنطن الوطنية منتصف الأسبوع الماضي، جلس خمسة رؤساء للولايات المتحدة منهم ثلاثة سابقون هم على الترتيب “بيل كلينتون، وجورج دبليو بوش، وباراك أوباما”، ورئيسان آخران أحدهم لا يزال على سدة منصبه لكنه يتأهب لمغادرة البيت الأبيض “جو بايدن” بنهاية ولايته الدستورية في التاسع عشر من يناير الجاري، وآخر سابق ولكنه على بُعد أيام من العودة إلى المكتب الرئاسي لأميركا هو “دونالد ترامب” بديلًا للرئيس المنصرف.

إذا عنّ للمراقب التفكّر فيما يجمع هؤلاء السادة من مشتركات سيقفز إلى ذهنه مباشرة موضوعة “حقوق الإنسان” التي اتخذتها أميركا عصا غليظة تستخدمها في تنفيذ سياسات إداراتها المتعاقبة الجمهورية والديمقراطية معًا، لا سيما في وجه الأنظمة المصنفّة ديكتاتورية في المنطقة العربية وأرجاء أخرى من العالم مثل دول أميركا اللاتينية على مدى الثلاثين عامًا الأخيرة. هناك استثناء بلا شك لهذه القاعدة هو الرئيس السابق – المنتخب “ترامب” إذ لم يعهد في ولايته الأولى اهتمامًا ما بحقوق الإنسان حول العالم. لكن الرجل على كل حال استثناء في كل شيء له صلة بالرئاسة الأميركية، مثل كونه أحد كبار الأثرياء، وكأول رئيس أتى من خارج النادي السياسي في واشنطن، كشخص لم يسبق له شغل مقعد في الكونغرس أو حدث وأُنتخب حاكمًا لأي من الولايات، وبطبيعة الحال لم يكن مدعيًا عامًا سابقًا أو ضابطًا مرموقًا في أي من أفرع الجيش الأميركي.

ومما يعضد فكرة التأمل في مشهد الرؤساء ومشترك أجندة حقوق الإنسان التي لامست خطابهم إلى العالم على مدى العقود الثلاثة الماضية وهم يلقون نظرة الوداع على زميلهم الأسطورة جيمي كارتر، هو أن الرئيس كارتر كان أول الرؤساء الأميركيين الذين حملوا تلك العصا التي أسُتخدمت بعناية لتحقيق الأهداف الإستراتيجية للدولة العظمى حول العالم، بل وعدّت أجندة حقوق الإنسان التي قدمتها أميركا في إدارة كارتر كأحد أبرز منجزات عهد الرئيس الديمقراطي التاسع والثلاثون، ولا تقل مرتبة عن إرجاع كارتر لقناة بنما بعد عقود من احتلالها أو توسطه الصبور لتحقيق السلام بين مصر ودولة الاحتلال الإسرائيلي عبر اتفاقيات كامب ديفيد ومعاهدة السلام التي أوقفت الحروب الكبرى في الصراع المتولّد من مشكلة فلسطين، دون أن يعني ذلك إغفال الجانب الأخلاقي لدعوة حقوق الإنسان وترقية حياة البشرية عبر احترام آدمية الإنسان وحقوقه الأساسية المشروعة، وكذلك دون إهمال أن حماية حقوق الإنسان ظلت دعوة انتقائية لا تطال حلفاء أميركا الدائمين وفي نفس الوقت عصا تقريع تختار رؤوس بعينها للتهديد بقرعها ليس من بينها على أية حال رؤساء دولة إسرائيل المتعاقبين رغم انتهاكاتهم الواسعة لحقوق الإنسان في فلسطين وجيرانها من الدول العربية.

على مقربة من مغادرة الرئيس الديمقراطي جو بايدن لمكتبه بانتهاء سنوات عهده الأربع، وعلى خلفية تصريحه الأسبوع الماضي بندمه من الانسحاب من الترشح أمام الرئيس المنتخب دونالد ترامب لصالح نائبة بايدن، كامالا هاريس التي خسرت السباق أمام ترامب على إثر ضغوط داخلية من رموز الحزب الديمقراطي وأثريائه الممولين للحزب له للانسحاب بدواعي تقدم السن على خوض الصراع الانتخابي مع الخصم الشرس المجرّب “ترامب”، مما يشي بقناعة الرئيس بايدن أنه كان قادرًا على تكرار هزيمة ترامب الذي سبق وواجهه فهزمه في الانتخابات السابقة للأخيرة لولا تخليه عن التنافس استجابة للضغوط، وعلى ملاحظة اعتماد إدارة بايدن دعمًا قدره ثمانية مليارات دولار لدولة الاحتلال إسرائيل قبل أسبوعين وقبلها بلايين أخرى من المساعدات إلى أوكرانيا لدعم صمودها في الحرب ضد روسيا، أعلن البيت الأبيض إلقاء الرئيس المنصرف آخر خطاب له إلى الأمة الأربعاء القادم يتوقع فيه سرد منجزات عهده في السياستين الداخلية والخارجية عملًا بالتقليد المتبع في حفظ إرث كل رئيس وإنجازات عهده كما يراها وفريقه وليذكر بها في العالمين على مدى العقود.

الانسحاب من أفغانستان وإخراج أميركا من المستنقع الذي وحلت فيه على مدى عقدين، وصمود المنطق الأميركي في جبهات أخرى ساخنة ومرشحة للانفجار في تايوان ببحر الصين الجنوبي وأوكرانيا شرقي أوروبا، والمنطقة العربية بعد تداعيات هجمات السابع من أكتوبر الفلسطينية المفاجئة على إسرائيل، قد تقرأ كمنجزات لعهد بايدن من وجهة النظر الأميركية، لكن على الهامش من ذلك الإرث الديمقراطي بدت العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية المفاجئة للمراقبين التي أعلنها وزير الخارجية الأميركية بلينكن الأسبوع الماضي ضد لورد الحرب السوداني محمد حمدان دقلو “حميدتي”، وشركات منظومة مليشيا الدعم السريع التي اقترفت الفظائع ضد حقوق الإنسان في حرب الخامس عشر من أبريل الأهلية السودانية وفق الإدانات الدولية المتكررة لمليشيا الدعم السريع من قبل منظمات حقوق الإنسان والصحافة الغربية ونواب في الكونغرس الأمريكي وخطابات دول من الأعضاء في مجلس الأمن الدولي كأحد أبرز قرارات ومواقف إدارة بايدن؛ بدت منجزًا يجد له حظًا ضمن إرث بايدن إن لم يكن أبرزه.

تنوعت تحليلات وقراءات المراقبين لتلك القرارات التي بدت صادمة فعلًا للكثيرين، فمن قائل إنها لغم وضع بعناية في طريق الرئيس القادم ترامب يعطّل أي مسعى قد يخوض فيه هذا الأخير لوقف تلك الحرب المأساوية المستمرة إذا ما شغلت اهتمامًا يذكر في أجندة الرئيس الجمهوري، ذلك لصلة هذه الحرب بأطراف إقليمية تربطها مصالح وثيقة ومممتدة مع واشنطن. ومن زاعم بأنها محض ذر للرماد في العيون لأنها عقوبات غير جادة ولا تؤثر في إيقاف الحرب، وهو الموقف المعلن للولايات المتحدة، وقد تأخرت كثيرًا أيضًا، هذا من ناحية ومن الوجه الآخر، لم تساوِ العقوبات بين طرفي الحرب الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية والمليشيات المتحالفة معهما وكلاهما ارتكب الانتهاكات المتعددة ضد حقوق الإنسان. مع صواب أو خطأ تلك المقولة وذاك الزعم، تبقى القرارات خطوة ضرورية تظهر أهمية معاقبة الدعم السريع وقائده دوليًا على جرائم حرب أبريل القائمة وإن أتت متأخرة بعد شهور طوال كان يمكن أن تحدث فارقًا خلالها، لكن خيرًا أن أتت أخيرًا. 

قرارات إدارة بايدن في آخر أيامها بشأن حرب السودان تعّد بلا شك انتصارًا لأجندة حقوق الإنسان بوجهها الانتقائي وبصفتها عصا غليظة صادفت رأسًا أهلًا لها، وأيضًا منجزًا بوسع الرئيس بايدن أن يباهي به مواطنيه والعالم في خطبة وداع عهده تمامًا مثلما فعل الرئيس جيمي كارتر الذي تصدر بايدن مشيعيه لا سيما التشابه الكبير بين الرجلين كون كلاهما لم يحظى، لسبب أو لآخر، بفرصة قيادة أميركا لولاية ثانية والمواصلة من ثم في استخدام أجندة حقوق الإنسان صدقًا كانت أم تقية.

# حماية_ المدنيين

# Protect _the Civilians

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى