مضى نصف الأمل
- بحسب أرقام أممية يوجد في المراحل الدراسية المختلفة
- 12 مليون طالب تحول الأوضاع الحالية دون مواصلتهم العملية التعليمية
- من تحديات تنظيم الامتحانات عقدها في 64 محلية فقط من أصل 190 ما يفقدها الطابع القومي حسب لجنة المعلمين السودانيين
- عدد الطلاب ال ممتحنين بلغ 350 ألف طالب فيما جلس فعليا 250 ألف طالب حسب بيان الوزارة الاتحادية
عطبرة: «أفق جديد»
يقول معلم بالدلنج إنه رافق الكثير من الطلاب وفشل في توصيل 34 طالباً ممن حاولوا السفر إلى الولاية الشمالية لأداء الامتحانات
بقلب واجف ومثقل بالهموم ودون فرح، أنهت الطالبة سماهر النور امتحانات الشهادة الثانوية السودانية هذا العام، وذلك بسبب فقدان صديقة عمرها التي لم تنجح في الوصول للامتحان بعد فشلها في مغادرة إحدى الولايات الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع.
سماهر وريم كانتا تأملان الجلوس للامتحان بعد عام ونصف من الحرب حتى تَتَمكّنا من تحقيق حلمهما بالدخول إلى كلية الآداب للدراسة والتخصص في اللغة الفرنسية.
وبسبب الظروف المعقدة التي يعيشها السودان بعد اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل 2023، فقد الآلاف من الطالبات والطلاب فرصة أداء الامتحانات هذا العام، فيما لم تكن النهاية كما السابق بفرحة عارمة وسط الطلاب واحساسهم بالنشوة بقضاء مرحلة مهمة من حياتهم التعليمية.
وفرضت الحرب على طلاب السودان في مختلف مراحل التعليم واقعا مأساويا؛ حيث يوجد 12 مليوناً من الطلاب في مراحل دراسية مختلفة عاجزين عن مواصلة التعليم بحسب الأمم المتحدة واليونسيف.
وقالت سماهر لـ«أفق جديد» إنها غادرت ولاية الجزيرة قبل ثلاثة أيام من الامتحان، إلا أن صديقتها ريم لم تتمكن من المغادرة بعد اعتقال شقيقها الذي كان معها بواسطة قوات الدعم السريع.
ودفعت الطالبة نحو مليون ونصف المليون جنيه للانتقال إلى ولاية نهر النيل، حيث أدت امتحانات الشهادة الثانوية السودانية، بحسب روايتها الصادمة.
وفيما تقول ريم إنها تعيش واقعاً مأساويا فرض عليها، تظل سماهر بانتظار نتائج الامتحانات في المقابل، مؤكدة وقوفها مع صديقتها بكل قوة للحاق بالجولة الثانية للدفعة الثانية مارس المقبل.
اختبار غير عادل
عاش العديد من الطلبة ظروفاً مأساوية خلال فترة الامتحانات، حيث لم يجد بعضهم طعاماً لأيام أثناء توجههم إلى مراكز الامتحانات في ولايات مختلفة، كما عاد بعضهم إلى منازلهم متحسرين بعد منعهم من مغادرة منطقتهم.
ويقول عضو المكتب التنفيذي للجنة المعلمين السودانيين عمار يوسف، لـ«أفق جديد» إن الامتحانات حق مستحق للطلاب وليس منحة، لكن عددًا كبيرًا من الطلاب حُرموا بسبب سياسات حكومة الأمر الواقع وهو ما يعتبر من أبرز المشاكل.
ووصف الأرقام التي اعلنتها الوزارة بالمبالغ فيها، بينما الجالسون فعليًا أقل من المعلن (150-180 ألف) من أصل 580 ألف طالب وطالبة، مؤكدًا أنّ نسبة الغياب تصل إلى 40% من العدد المسجل.
ومن وجهة نظر عمار أن عقد الامتحانات في 64 محلية فقط من أصل 190 يفقدها الطابع القومي، لافتًا إلى أنّ الصراع بين الحكومة وقوات الدعم السريع منع الكثير من الطلاب من الحضور، خاصة في مناطق النزاع.
وطرح عمار في الوقت نفسه، عدة حلول من بينها تشكيل آلية وطنية للتنسيق وضمان شمول العملية التعليمية، علاوة على إعلان مراكز الامتحانات مناطق آمنة والتواصل مع المنظمات الدولية لحل العقبات وإلغاء قانون “الوجوه الغريبة” الذي يعمق الانقسامات.
وأبان في الإتجاه نفسه، إن من المطالب الأساسية ضمان إجراء الجولة القادمة من الامتحانات مارس 2025م بشكل شامل وعادل، وتحسين أوضاع المعلمين وضمان حقوقهم.
وقالت وزارة التعليم الاتحادية في بيان صحفي الخميس الماضي، إن عدد الطلاب الذين سجلوا لامتحانات الشهادة السودانية بلغ 350 ألف طالب، فيما جلس فعليا 250 ألف طالب.
وتشير تقديرات الوزارة إلى عقد الامتحانات في 64 محلية، فيما تتكون محليات السودان من 190.
القدرة على الصمود
يقاوم طلاب السودان باستمرار بعزيمة لا تنكسر، فحين خرج طلاب المدرسة الصناعية بعطبرة لتحدي نظام الإنقاذ، مرددين هتافات لإسقاطه في ثورة اجتاحت البلاد، ردت الطالبة شمس الحافظ التحية بشجاعة وصمود حين قطعت أكثر من 2600 كيلومتر لتلحق بالامتحانات في الدامر.
وتبرز أيضاً قصة طالبة أخرى حضرت مع طفلها من محلية أمبدة بأم درمان لتأدية الامتحانات بمدينة الحديد والنار بأحد المراكز، حيث عانت في البداية جراء عدم العثور على من يعتني بطفلها، لكنها استطاعت حضور كل الجلسات بكل راحة بال بعد تدخل رقيب الشرطة، رشيدة محمد، التي اهتمت بالطفل طيلة الجلسات كل يوم، وهو ما كان مثالاً آخر على الصمود.
وفي حديث لـ«أفق جديد»، قال الطالب أبو بكر عز الدين، إن خبر الجلوس وعقد امتحانات الشهادة كان سعيداً، لكنه كان أيضاً حزيناً بالنسبة لزملائه الذين لم يتمكنوا من الجلوس للامتحانات.
وأشار عز الدين إلى حالة التردد التي سبقت الامتحانات والتحدي الذي يواجهه الطلاب والحكومة معا، معرباً عن أمله في نجاحهم هم والبقية ممن لم يتمكنوا من الجلوس في الدور الأول، ووصف التجربة بمجملها بالقاسية، معتبرا ان الوصول إلى الامتحانات في هذه الظروف الاستثنائية كان صعباً.
حرمان وتصدع
تحول حلم الطلاب بمدينة الدلنج والمناطق الأخرى بولاية جنوب كردفان من آمال واسعة في بناء مستقبلهم إلى صرخات احتجاج بعد حرمانهم من الجلوس للامتحانات.
ولم تنجح الحكومة التي يوجد مقرها الإداري المؤقت في بورتسودان في الوفاء بحقوق هؤلاء الطلاب، كما يشير المعلم علاء إبراهيم.
ويؤكد إبراهيم لـ”أفق جديد” أن جلوس بعض الطلاب وحرمان آخرين من الامتحان أظهر الوجه الحقيقي للأطراف المتصارعة في السودان، وأنها لا تهتم بمستقبل البلاد وشعبها.
ويرى المعلم الذي حاول مرافقة بعض الطلاب لأداء الامتحان أنه فشل في توصيل 34 منهم حاولوا السفر إلى الولاية الشمالية لأداء الامتحانات، مشيراً إلى أنّ الإصرار على عقدها يعكس بوضوح مستوى الانقسام الذي أصاب التعليم السوداني.
وكان وزير التربية والتعليم المكلف أحمد خليفة، ذكر في إفادات سابقة بأن الطلاب الذين لم يتمكنوا من الجلوس لهذه الامتحانات، لديهم فرصة أخرى في مارس المقبل؛ حيث ستقام امتحانات لتمكينهم من الالتحاق بالدفعة نفسها.
سماهر وريم أسماء خلاف اسميهما الحقيقيين اخترناهما لهما لدواعي الخصوصية، وبناء على رغبتهما في عدم التعريف بهما