ديسمبر رَاسية لا تقتلع
طاهر المعتصم
من على الشرفة
taherelmuatsim@gmail.com
-مقطع فيديو فيه سخرية من جداريات لشهداء 8 رمضان الأبرار، انتشر بعد أن نجح الجيش في فك الحصار عن قيادته العامة، الشباب في المقطع يرتدون الزي العسكري، ربما يتبعون لكتيبة البراء بن مالك المحسوبة على تيار الإخوان المسلمين وأحد واجهته المؤتمر الوطني، الذي يقوده علي كرتي المفروض عليه عقوبات من الولايات المتحدة الأمريكية، والمطلوب للعدالة منذ أبريل 2019.
-الغريب أن ثورة ديسمبر ما يزال الشركاء العسكريون الذين أتت بهم يقودون القوات المسلحة السودانية، الفريق أول عبدالفتاح البرهان ورفاقه في المجلس العسكري، الذي أعلن انحيازه نيابة عن الجيش السوداني للشعب في ثورته، بل الفريق أول ابن عوف الذي لم يبقَ لأكثر من يوم ونصف، جلس باسم ديسمبر التي يسخرون منها. من لدن أحمد الخير المعلم الشهيد، وبعده عشرات الشهداء والشهيدات، منهم ست النفور ومحمد هاشم مطر، دفعوا دماءهم زكية آملين في سودان دون شموليات.
-شبات وشباب ديسمبر واجهوا عنف الدولة وكتائب ظل نظام البشير بشجاعة، حاول النظام وقتها جرهم لميدان العنف الذي يبرع فيه، الذي تسبب في فصل ثلث البلاد في جنوبها الحبيب، وارتكب جرائم ضد الإنسانية في دارفور، حتى البشير تساءل وقتها كيف يقابلون الله بها، عنف امتد لمحاولة اغتيال رئيس مصر السابق في أديس أبابا، عنف دفع ثمنه الشعب السوداني عقوبات ووضع في قائمة الدول الراعية للإرهاب، لكن الشبات والشباب جروه للميدان الذي لا يبرع فيه، ميدان السلمية.
-ثورة ديسمبر وقف لها العالم إجلالاً وتقديرًا لنبلها وسلميتها، أدركوا منذ الوهلة الأولى خطر الدعم السريع، هتفوا (الجنجويد ينحل)، وقت أن وقف البعض يحيى قائده، قبل أن يعلن أنه متمرد، بل ما يزال في ركابه أمثال حسبو محمد سليمان نائب رئيس الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني، وعلى الفضائيات إخوانهم ينثرون الكذب.
ديسمبر أخرجت السودان من غياهب العقوبات الدولية، وإعادته إلى الأسرة الدولية عضوًا كامل الأركان غير منتقص، فأوضت المؤسسات المالية الدولية لإعفاء فوائد الديون المتراكمة على السودان عشرات السنوات، ونجحت في إعفاء جزء منها.
ديسمبر أنهت إلى حين صراعات مراكز القوى في نظام البشير على من يخلفه، بين علي عثمان وبين نافع علي نافع، أغلقت باب العنصرية وهتفت ضد مدير جهاز المخابرات السابق صلاح قوش (يا عنصري ومغرور.. كل البلد دارفور)، وحدة السودان بوصلتها التي لا تخيب، رغم المشاريع السلطوية الانفصالية التي يحاولون أن يمرروها.
-من يسخرون لا يدرون أن الوثيقة الدستورية الحاكمة، التي يجري تعديلها، رغم ما تسرب عن عدم رضا بعض أعضاء اتفاق سلام جوبا، هي وثيقة نتاج ديسمبر، أي أن من يتم تكليفهم من أعضاء مجلس سيادة انتقالي أو وزراء مكلفين يأتون عبر هذه الوثيقة الدستورية التي كانت نتاج ديسمبر.
اللافت للنظر أن ما أعلنه الفريق أول البرهان من مشروع شبابي يشرف عليه الفريق ياسر العطا، عظم الظهر فيه شباب ديسمبر ومجموعاتها من غاضبون وغيرها.
-عندما اشتعلت الحرب اللعينة في السودان، كان شباب وشابات ديسمبر، غرف طوارئ تطعم الجوعى في (التكايا)، يمسحون دموع الأطفال، يجلبون الدواء للمرضى، بعضهم وقف مع جيش السودان، وبعضهم وقف ضد الحرب، والمؤكد أنهم لم ينحازوا للجنوجيد الذي هتفوا ذات يوم مطالبين أن ينحل، إن محاولة امتطاء ظهر الجنود وسرقة جهدهم وتجيره لإعادة عقارب الساعة قبل ديسمبر، أو تحميله فاتورة الدواعش الذين يقتلون خارج القانون، ضرب من ضروب المستحيل، ثورة ديسمبر لا يعاديها إلا من أولغ في دماء السودانيين، أو نهب مالهم فسادًا، أو شمولية تريد أن تجثم على صدر الوطن.. ديسمبر راسية ولا تقتلع.