لجان التحقيق الصورية: “نبيل أديب”.. العدالة في قفص الاتهام

عقب جريمة فض اعتصام القيادة العامة في 3 يونيو 2019 كانت نية المجلس العسكري جلية في طمس معالم الجريمة وعدم معاقبة المتورطين فيها، سيما وأن كل أصابع الاتهام بالنسبة للقاصي والداني ورجل الشارع البسيط كانت تشير لمسؤولية المجلس العسكري بمشاركة آخرين عن التخطيط والتنفيذ للمجزرة، لذلك لم يتخذ المجلس العسكري أية تحقيقات جادة لكشف ومعاقبة المتورطين حتى أنه توجس من قرار النائب العام المكلف وقتها، الوليد سيد أحمد محمود، بتشكيل لجنة تحقيق في تلك الأحداث بموجب قرار النائب العام رقم (22) لسنة 2019 الذي صدر بعد فض الاعتصام مباشرة في شهر يونيو 2019، وأسند رئاستها لرئيس النيابة العامة عبد الله أحمد عبد الله، ووكيل النيابة العامة وممثل للنيابة والشرطة ومفوض حقوق الإنسان، وقبل أن تشرع تلك اللجنة في أي عمل من أعمال التحقيق قام المجلس العسكري في 20 يونيو 2019 بإقالة النائب العام المكلف الوليد سيد أحمد، الذي لم يمر علي تعيينه في المنصب إلا أسابيع. وقد جاءت الإقالة عقب استقالة والي الخرطوم وقتها استنكارًا لجريمة فض الاعتصام، وكان سبب إقالة النائب العام بعد أن كذب الرجل تصريحات الناطق الرسمي شمس الدين كباشي، التي صرح فيها بمشاركة النائب العام ورئيس القضاء في قرار فض الاعتصام في اجتماع المجلس العسكري، وذكر في مؤتمر صحفي حضوره لاجتماع مع القادة العسكريين لم يتطرق لفض الاعتصام، بل كان حول الإشراف القضائي لفض منطقة كولومبيا المجاورة لساحة الاعتصام بسبب توافر عدد من العناصر المتفلته بها بواسطة الشرطة وبإشراف النيابة دون استخدام الذخيرة الحية، وأن النيابة وجدت في منطقة كولومبيا مدة 25 دقيقة وانسحبت ولم تدخل منطقة الاعتصام، وهذا التصريح شكل صفعة قوية في مصداقية المجلس، وألقى بظلال كثيفة من الشك المتوافر أصلًا في تورط المجلس في الجريمة، فضلًا عن عدم توافقه مع المجلس حول إجراءات التحقيق في فض الاعتصام التي شرع فيها الوليد سيد أحمد بموجب القرار سابق الذكر، الذي صرح أيضًا في مؤتمره الصحفي أن اللجنة شرعت في التحقيقات وهدد بالاستقالة حال تدخل المجلس في عمل اللجنة.
بإقالة الوليد سيد أحمد من منصب النائب العام قام المجلس العسكري بتعيين رئيس اللجنة عبد الله أحمد عبد الله في منصبه كنائب عام مكلف في 20 يونيو 2019، الذي أصدر قراره بالرقم 24/ 2019 بتاريخ 23 يونيو 2019 بتعديل تشكيل لجنة التحقيق التي شكلها الوليد سيد أحمد وذلك بإسناد رئاستها لرئيس النيابة العامة فتح الرحمن سعيد الطاهر بدلًا عنه، وكان واضحًا أن النائب العام ورئيس اللجنة قد رضخا مسبقًا وقبلا اشتراطات المجلس العسكري حول كيفية سير لجنة التحقيق وفقًا لما تريده رغبات العسكر حول توجيه التحقيق بالشكل الذي يستبعدهم عن أي مسؤولية وعدم تقديم المتورطين للمحاسبة، وهو ما حدث بالفعل في التقرير النهائي للجنة الذي كان بمثابة المهزلة، حيث برأ المجلس العسكري من أي مسؤولية في فض الاعتصام واتهم ثمانية من ضباط وضباط صف أشار إليهم بالأحرف الأولى هم اللواء أ س أ ( الصادق سيد) المنتدب في قوات الدعم السريع، والمتهم بمحاولة فاشلة سابقة لفض الاعتصام، الذي تم إطلاق سراحه بعد حرب 15 أبريل وإعادته للزي العسكري، والعميد (ع م م) والعميد ( م م ص) والرائد ( أ أ ع) والرائد (ح ب ع)، وهو حمدان بحر من قوات (الدعم السريع)، وشمل التقرير إحصاءً للقتلى فقط 17 قتيلًا قيدت لهم بلاغات تحت المادة 51 إجراءات ( الوفاة في ظروف غامضة)، عدلت لاحقًا للمادة 130 (القتل العمد)، الذين قدرتهم لجنة الأطباء بـ 127 قتيلًا دون إشارة للمفقودين، ونفى أي حالات اغتصاب ونهب بعض الممتلكات وحرق بعض الخيام، وذكر وجود شحصين ملثمين بميدان الاعتصام وثلاثة مدنيين بهيكل العمارة قبالة القيادة العامة هم من كانوا يطلقون الرصاص على الرغم من توافر عشرات الصور ومقاطع الفيديو التي رصدت عشرات المسلحين بأزياء عسكرية يطلقون النيران ويحرقون ويضربون المعتصمين، ولم يستعن بأي فرق متخصصة للحالات الموجبة لذلك وشمل التحقيق إفادات حوالي 60 شخصًا غالبيتهم من العسكريين وأغفل مئات شهود العيان من الذين عايشوا أحداث الفض، كما اقتصرت اللجنة على اعتصام القيادة بالخرطوم وأغفلت فض اعتصامات مماثلة بالولايات، بل كان تقريرها مسخًا لا يسوى ثمن ما أريق فيه من حبر لذا رفضه الشارع والقوى السياسية وقتها بإصرار أدى لعدم الاعتراف باللجنة، وعمدت القوى السياسية بعدها عند التوقيع على الاتفاق السياسي مع المجلس العسكري في 17 يوليو 2019 والوثيقة الدستورية في المادة 8 / 16 على اشتراط قيام لجنة مستقلة للتحقيق في جريمة فض الاعتصام مع إمكان الاستعانة بخبرات أفريقية.


ما سبق يوضح مدى جهد المجلس العسكري في تبرئة ساحته من جريمة فض الاعتصام بإخضاع السلطات القانونية لإرادته في سير التحقيق رغم اعترافه المسبق بالتخطيط لفض الاعتصام، ويذهب شاهدًا لتأكيد هذا الجرم بل نيته المسبقة حين أصدر قبل فض الاعتصام بحوالي الأسبوعين في 18 مايو 2019 مرسومًا دستوريًا رقم (19) بالحصانات القانونية لرئيس وأعضاء المجلس العسكري، الذي نص في المادة 2/ أ / ب على أنه (لا يجوز رفع دعوى جنائية في مواجهة رئيس وأعضاء المجلس العسكري لأي فعل قاموا به أثناء تأدية واجباتهم بهذه الصفة سواء أثناء الفترة الانتقالية أو بعد انتهائها). ويبدو جليًا أن مرامي المنشور وقتها هي محاولة تحصين المجلس لأعضائه من المساءلة اللاحقة بالشكل الذي يستبطن سوء طويتهم وإضمارهم لفعل إجرامي يستوجب المحاسبة القانونية بشكل احتياطي تحسبًا حتى وإن طالتهم العدالة مستقبلًا، أيضًا يؤكد هلع المساءلة من العقاب هذا ما قام بإصداره من مرسوم دستوري آخر في سبتمبر 2021 قبل الانقلاب بشهر لكن باسم مجلس السيادة هذه المرة، وهو المرسوم الدستوري رقم 14 لسمة 2021 بتعديل قانون القوات المسلحة لسنة 2007 المادة (33) بإضافة فقرة بالرقم (5) تنص على أنه (لا يجوز اتخاذ إجراءات قانونية ضد أي ضابط برتبة الفريق فما فوق عن أي فعل يشكل جريمة بسبب وظيفته)، ومعلوم أن توقيت إصدار المنشور يتزامن مع انتهاء فترة المكون العسكري لمجلس السيادة واقتراب ولاية المكون المدني ما يشي بتوجس العسكر من احتمالية المحاسبة حالما تنسمت قوى مدنية رئاسة مجلس السيادة، ما يعني استيثاقه التام بجرائمه السابقة وهلعه الدائم من شبح المحاسبة ما جعله يحاول تحصين نفسه الذي تجلى لاحقًا في قيامه بالانقلاب على الشريك المدني في 25 أكتوبر 2021 الذي كان دافعه الأساسي الانفراد بالسلطة لضمان عدم المحاسبة على الجرائم المقترفة من أعضاء المجلس العسكري وشبح الملاحقة الذي ظل يطارده من جراء اقترافه لجريمة فض الاعتصام، وهذه المراسيم التي صدرت عن المجلس العسكري بعد الثورة وحتى الإعلان السياسي والوثيقة الدستورية ذات خطورة عالية، وللأسف لم تكن قوى الحرية والتغيير أثناء التفاوض مع المجلس العسكري جادة في المطالبة بها أو لم تطالب، وكشفها جميعًا وما احتوته من أوامر مع قراءة تلك المراسيم ومعالجة ما قد تضمنته من خروقات عند التأسيس للمرحلة الانتقالية خاصة فيما يتعلق بالإصلاح القانوني والتشريعي اللاحق.
هناك ضمانة أخرى كانت بيد المجلس العسكري للإفلات من جريمة فض الاعتصام لكنها لم تكن بالوثوق المطلق وهي تيقنه التام من عدم وصول لجنة تحقيق فض الاعتصام برئاسة نبيل أديب لأي نتيجة تفضي بهم للعقاب على ارتكاب المجزرة، تلك اللجنة التي تشكلت بموجب قانون لجان التحقيق لسنة 1954 وبقرار مجلس الوزراء رقم 63 لسنة 2019 بمسمى (اللجنة الوطنية للتحقيق في الانتهاكات التي جرت في الثالث من يونيو 2019، والأحداث والوقائع التي تمت فيها انتهاكات لحقوق وكرامة المواطنين بمحيط القيادة العامة للقوات المسلحة والولايات)، وهي لجنة مكونة من 7 أعضاء برئاسة نبيل أديب المحامي وفردين من النيابة وضابطين برتبة اللواء والعقيد وفردين من المحامين، وأدت القسم وباشرت مهامها في 30 أكتوبر 2019، واختصت بتحديد المسؤولين عن فض الاعتصام بالتحريض أو المشاركة أو الاتفاق الجنائي أو ارتكاب انتهاكات أخرى، ومهمتها حصر الضحايا والشهداء والجرحى وحصر الخسائر، ولها سلطة استدعاء الأشخاص أيًا كانوا للتحقيق أو ادلاء الشهادة والاطلاع على التقارير العسكرية والشرطية والطبية، والأمر بشأن تشريح الجثث ونبشها ودخول الأماكن وإجراء التفتيش حول أي إجراءات حدثت قبل وأثناء وبعد فض الاعتصام، مع حقها في طلب العون االفني من الاتحاد الأفريقي، وتنهي عملها في فترة ثلاثة أشهر مع إمكانية التمديد لمدة مماثلة مع رفع تقرير شهري لرئيس الوزراء حول سير أعمالها، كما تم منحها سلطة واختصاص أعمال النيابة العامة في التحقيق والتحري والضبط وتوجيه التهمة والإحالة للمحكمة وفق التفويض الممنوح لها من النائب العام ملحقًا بأمر تشكيل اللجنة، مع الالتزام بتوفير مقر وميزانية للجنة بالشكل الذي يجعل للجنة كافة الصلاحيات الواسعة التي تجعلها قادرة على الانطلاق وتحقيق النتيجة المرجوة في أسرع فرصة ممكنة، لكن ما حدث من اللجنة لاحقًا أظهر ما لها من العجز بحيث أنها لن تصل لتقديم أي نتيجة بشأن الوصول لمرتكبي جريمة فض الاعتصام ولو عملت لسنوات لاحقة، وهو الواقع الماثل حقًا حيث أن اللجنة لا تزال تعمل حتى الآن ولم يصدر أي قرار بحلها وهو الأمر الذي يعتبر مدهشًا وصادمًا في آن، حيث أنني استفسرت أحد أعضائها بعد انقلاب أكتوبر 2021 وأفاد بأن اللجنة لا تزال تعمل ولم يصدر قرار بحلها، وهو ما أكده نبيل أديب نفسه في يونيو 2024 في لقاء مع راديو تمازج أن عمل لجنة التحقيق توقف بسبب الحرب الدائرة وتفرق أعضاء اللجنة في بلاد مختلفة، ولك أن يأخذك العجب أي مأخذ في ذلك وبعد خمس سنوات من التحقيقات، وسيظل نبيل أديب لمدة عشر سنوات أخرى وعشرين، يصرح بأن اللجنة لا تزال تعمل خاصة وأنه صرح للجزيرة نت في يناير 2022 أنه في المرحلة قبل الأخيرة من التحقيق ولن يسلم التقرير إلا عند وجود رئيس وزراء للبلاد (وطالب بعودة حمدوك)، لذلك فإن العسكر لشدة ما هم في اطمئنان من أنها لجنة ناعمة بلا مخلب لم يتجشموا عناء حلها على الرغم من أن موضوع عمل اللجنة هو أحد أهم انقلابهم على السلطة والثورة المجيدة.


جاء تشكيل اللجنة الوطنية أو ما عرفت لاحقًا بلجنة نبيل أديب صادمًا لدى قطاع كبير من الجماهير، وبصفة خاصة لدى أسر الضحايا والشهداء الذين رفض قطاع واسع منهم التعاون مع اللجنة وقيد بلاغات ذويهم لديها ويعود أهم الأسباب لذلك شخص رئيس اللجنة، فالرجل رغمًا عن باع خبرته القانونية إلا أنه تميز في الفترة الأخيرة بمواقف رمادية ناعمة في مواجهة الطغاة ومثل تصدره للدفاع عن المجرم صلاح قوش حين اختلافه مع الإنقاذ موقفًا صادمًا لدى الكثيرين رغم ما سيق من تبريرات منه ومن شايعه لاتخاذ هذا الموقف الصادم في الوقوف أمام المحكمة إن حدث في صف السفاح في مواجهة آلاف الضحايا والأسر المكلومة من جرائم جلاد بيوت أشباح النظام سيئة السمعة، لذلك لم يكن من المستغرب أن تخشى عديد من أسر الشهداء أن تضع حق دماء أبنائها بين يدي نبيل أديب وتلجأ للنيابة العامة، بينما كفر البعض الآخر بالاثنين ولم يقم بإجراء واتجه نحو التدويل لفقدان الثقة في قدرة كافة المنظومة العدلية الوطنية على رد المظالم وقتها ومن بينها لجنة أديب التي وقفت حائط صد في وجه تدويل القضية بتبنيها قدرة الأنظمة العدلية الوطنية على التحقيق ومحاسبة المتورطين، وهذا التوجس من شخص أديب ثبت مع الأيام صدقيته بأنه رجل العسكر بإمتياز فهو الآن عضوًا نشطًا مع جماعة اعتصام الموز، كما أن رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك أفاد في أحد اللقاءات بعد أستقالته أن أول من اتصل به عقب انقلاب البرهان كان نبيل أديب طالبًا منه التعاون مع السلطة الانقلابية، كما أن اللجنة اختصت بتبعيتها لمجلس الوزراء تشكيلًا ومتابعة وهو ما منحها بعدًا سياسيًا أكثر من كونه قانونيًا وكان الأجدر أن تشكل وتتابع بواسطة النائب العام، وزاد من إحباط الجماهير انقضاء أجل اللجنة المنصوص بثلاثة أشهر دون أن تنعقد بحجة عدم توفير مقر وفق الوعد الحكومي مثلما صرح رئيس اللجنة وهي حجة واهية ألقت بظلال الشك بقيام اللجنة بالتسويف والمماطلة، حيث أن اللجنة بما ضمته من كبار العناصر القانونية ومالهم من إمكانيات وطرائق كان يمكن أن تحل أمر المقر مؤقتًا سيما وأن اللجنة في أحايين كثيرة كانت تقوم بأعمالها واجتماعاتها بمكتب نبيل أديب مثلما صرح عضوها المستقيل أحمد الطاهر النور المحامي، الذي كان يمكن اعتباره أو غيره من المتاح مقرًا مؤقتًا لبدء الأعمال التمهيدية للجنة بشكل يوحي بالحرص من قبل رئيس اللجنة وأعضائها على تسريع العدالة إذا ما امتلكت حسًا ثوريًا، ومن البداهات القانونية التي يعلمها أعضاء اللجنة أن بطء الإجراءات القانونية يعد ظلمًا. وبالتالي فإن اللجنة وضح منذ تشكيلها أنها تحمل أدوات فنائها في داخلها لذا لم يكن أكثر الناس تفاؤلًا بتحقيق اختراق عاجل وثوري حقيقي يتماشى مع سخونة المد الثوري الذي ساد وقتها.
من الناحية القانونية شاب تشكيل اللجنة أخطاء قانونية فادحة تم التنبيه لها بواسطة مجموعة من القانونيين في 18 مايو 2022 الذين أعدوا مذكرة قانونية تم طرحها للعامة ووقع عليها أكثر من (700) مواطن بينهم مائة محامي بهذا الشأن لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك لإقالة نبيل أديب من رئاسة اللجنة وإعادة تشكيلها وفق الأسس القانونية السليمة، وأولها أن يتم تشكيل اللجنة وفقًا لقانون المحاماة لسنة 1983 الذي نطم في المادة (70) كيفية تكليف المحامي من قبل رئيس الوزراء لأداء أعمال قضائية أو شبه قضائية، التي اشترطت منح المحامي المكلف مدة كافية لترتيب شؤون مكتبه أو تصفيتها أو تحويلها وعدم الجمع بين مهنة المحاماة وأي وظيفة شبه قضائية، وبذا يصبح أمر المادة ملزمًا لنبيل أديب بعدم ممارسة مهنة المحاماة خلال فترة التكليف لما يعد تضاربًا للمصالح ومخالفة لأخلاقيات المهنة حيث أصبح بموجب منحه سلطات النيابة العامة موظفًا عامًا ملزمًا بمقتضيات الوظيفة، وقد أثير وقتها جدل واسع حول تصارب المصالح وفساد الممارسة القانونية واستغلال الوظيفة العامة تستوجب المساءلة والمحاسبة في مواجهة نبيل أديب من خلال الدعاوى التي ظهر فيها نبيل أديب كمحامي أثناء رئاسته للجنة بتقديمه استئنافًا باسمه نيابة عن رجل أعمال في منازعة مالية ضد قرارات صادرة من لجنة إزالة التمكين بمصادرة أموال موكله لصالح حكومة السودان، ولم يكتف بذلك بل قام بنشر أسانيد استئنافه على ثغرات قانون إزالة التمكين على صفحته بالفيسبوك وصحيفة الوطن بتاريخ 2020 التي أوضحت تفاصيل طرفي القضية المستأنفة وهي موكلته وأشقاء الرئيس المخلوع عمر البشير، وهي شركة إيرو العالمية للإنشاءات ولم يوضح علاقتهم بموكلته، وقد جاء نشره لهذه الأسانيد مخالفًا لأخلاقيات المهنة لفتحه الباب لمن أراد الطعن في قرارات لجنة إزالة التمكين بالتنبيه لثغرات القانون ونواقصه والواجب الأخلاقي كان يحتم عليه بحكم توليه رئاسة اللجنة القانونية لقوى الحرية والتغيبر المختصة بتقديم مشروعات القوانين أن يقوم بالتنبيه لدى اللجنة بثغرات القانون ليصير أكثر إحكامًا وهو واجبه الثوري كما يدعي من ثورية، كما أن موقعه في رئاسة اللجنة وما لقيه من صيت أغرى الموكلين باللجوء إليه، وطالبت المذكرة بإقالة أديب لهذه الأسباب حتى لا يتم الطعن في قرارات اللجنة بسب عدم المشروعية وتضارب المصالح ولم تجد المذكرة أي استجابة من رئيس الوزراء وظل أديب في موقعه إلى الآن.
أيضًا من المآخذ الواضحة على لجنة أديب هي المسار الذي اتخذته اللجنة في التحقيق على ضوء الوقائع الماثلة آنذاك بتوافر ظواهر ووقائع يمكن عدها من ظرفية البينات المبدئية التي يمكن البناء عليها واتخاذها مدخلًا لخارطة طريق التحقيقات مثل اعتراف المجلس العسكري في مؤتمر صحفي بثه التلفزيون القومي في 13 يونيو 2019، عقده المتحدث باسم المجلس شمس الدين كباشي بالإعداد والأوامر لفض الاعتصام، وقطع خدمة الإنترنت بأمر المجلس العسكري صبيحة الفض، وتزامن فض اعتصامات الولايات وغيرها التي تكفي لتقديم المتورطين للمحكمة مباشرة، في الوقت الذي سار فيه أديب عبر أقصى طريق منعرج حين صرح في إحدى المقابلات بأنه يبحث عن الأفراد المطلقين للنار مباشرة متناسيًا وليس ناسيًا سلسلة إعطاء الأوامر ومسؤولية القادة، مما يقدح أيضًا في تكييفه للوقائع بداية عمل اللجنة بحيث يدخلها بمفهومه تحت طائلة مجرد القتل العمد، وما هو واضح من الوقائع أنها أفعال تكيف كجرائم ضد الإنسانية أولى فيها حزمة إجراءات وتحقيقات يجب أن تتبع، على طريقة التحقيق في الجرائم ضد الإنسانية التي يكيف وضعها القانوني وفق المادة 186 من القانون الجنائي لسنة 91 المنصوص عليها في العام 2010 استجابة لضغوط انضمام السودان لنظام روما الأساسي الذي نص في المادة 2/7/أ على وصف حادثة الفض كجريمة منظمة شنت في هجوم واسع النطاق ضد مجموعة من المدنيين السلميين بواسطة قوات عسكرية نظامية معلومة بمقارها وقادتها تشمل القتل والاعتداء الجنسي والأذى النفسي والبدني للضحية تحت سيطرة الجاني، وقد تقدمت ذات مجموعة المحامين أعلاه بتاريخ 18 فبراير 2020 بمذكرة ضافية أخرى للجنة أديب بطلب لتوجيه التحقيقات وتكييف الوقائع باعتبارها جرائم ضد الإنسانية بتكييف الوقائع وطرائق التحقيق، ويحسب للجنة أديب بعد ذلك بفترة أن عدلت تكييف الوفائع كجرائم ضد الإنسانية، كما أنه من خلال شهود العيان وما رصدته الكاميرات من جنود بأزياء ومركبات محددة تنتمي للشرطة والدعم السريع وبأعداد تصل لعشرة آلاف جندي ليس من المستقيم عقلًا أن يكون المستهدف منطقة كولومبيا، وتكون القوات غير رسمية لها هذه الإمكانيات ومنتحلة لصفة القوات النظامية، ويكون لها حرية التجمع لساعات مطوقة محيط الاعتصام ولها الجرأة على ارتكاب جريمة امتدت لساعات أمام أكبر هرم عسكري بالبلاد هو قيادة الجيش التي تعج بمئات الضباط والجنود الذين شهدوا الجريمة ولم يحركوا ساكنًا بل أقفلوا الأبواب في وجه من لاذوا بالقيادة وطردوا من تسلق الأسوار إليها نحو عرض الشارع ليواجهوا الموت الدائر خارجًا بما يدل على العلم والتواطؤ التام ومباركة فعل الفاعلين للجريمة. بل أن أحداث الترويع من قبل هذه القوات استمرت لأسبوع لاحقًا في طرقات العاصمة وأعملت الآلة العسكرية أدوات عنفها بالقتل والترويع للمواطنين في الأحياء والطرقات، كما شمل الفض اعتصامات أخرى في الولايات، وكل ذلك يذهب شاهدًا على أن تلك الأحداث جريمة كبرى ضد الإنسانية تقف وراءها القوة الحاكمة آنذاك، وهي قيادة المجلس العسكري بما توافرت له كل إمكانيات البلاد والقدرات العسكرية وسلطة إعطاء الأوامر والتنسيق، وهو الأمر الذي لم يكن يحتاج من لجنة أديب سماع ألفي شاهد للاستيثاق من ضلوع المجلس العسكري في الجريمة واعتباره المسؤول المباشر. يضاف إلى ذلك إذاعة رئيس المجلس بيانًا نهار المذبحة بوقف التفاوض مع القوى المدنية وإعلان حكومة تسيير أعمال مما يعني بوضوح ضلوعه في الأحداث المفضية لانفراده بالسلطة بعد ارتكابه للجريمة وتعمد إخفاء آثارها بقطع شبكات الاتصال والإنترنت بأمر مباشر وبإقراره حتى لا يعلم العالم الخارجي بجريمته.
من المعلوم أن العاصمة مقسمة لقطاعات أمنية يختص بها أجهزة وقادة في المناطق العسكرية من الشرطة والأمن والقوات النظامية، وهم المسؤولون عن أمن منطقة الاعتصام التي لم تتدخل لحماية المدنيين في الاعتصام كأوجب واجباتها وهي من أقسمت علي حمايتهم، وهذا يدل على مشاركتهم ولو بالتواطؤ إذا ما استبعدنا المشاركة المباشرة، ومعلوم بالضرورة قادة هذه الوحدات الأمنية والشرطية ومن هم على رأس الخدمة في ذلك اليوم، كذلك معلوم أفراد العسكريين المسؤولين وجودًا بالقيادة العامة يومذاك وعلى بواباتها وطرقها المرصودة بكاميرات المراقبة، بالإضافة لظهور عدد كبير من الجنود على مقاطع الفيديو المختلفة بشكل واضح يظهر ملامحهم كاملة بحيث يمكن التعرف عليها بسهولة تامة كما تظهر من خلال الزي والعلامات العسكرية وأرقام لوحات المركبات وحداتهم العسكرية، بحيث يمكن الحصول عليهم بكل يسر ويكون ذلك مفتتح التحقيق الذي لم يفتح به الله بابًا علي نبيل أديب بتصريحه بتوقيف أي من الجنود رهن الاعتقال للتحقق من اشتباهه في المشاركة في الجريمة، ويقود التحقيق بالتالي لمسؤولية القادة الذين كانوا يعلمون بالجريمة بسبب الأعيرة النارية وامتداد زمن الجريمة فهم مسؤولون إما بإعطاء الأوامر أو بالامتناع عن تقديم المساعدة الضرورية لمن تعرضوا للخطر. وبالتالي فإن ما ذكر يشير لمسارات واضحة كان يجب أن يسير عليها التحقيق بشكل مباشر لا يستحق عناء السنوات التي بذلتها لجنة أديب للوصول لحقيقة المسؤولين عن فض الاعتصام وهو الأمر الذي يثير تساؤلات عدة عما إذا كانت اللجنة على قدر من عدم الدراية بالمسارات الأقرب المفضية للحقيقة أم أنه أريد لها أن تعمد للتسويف والمماطلة باتخاذ أبعد الطرق التي لن تفضي لنتائج، وهو ما يجعل الشك والريبة طبيعيًا في أن يتسلل لصدر كل من وضع استفهامًا حول اللجنة التي غذت تلك الريبة بما افتقدته من شفافية واطلاع الرأي العام على مجريات تحقيقاتها بما يسمح به التحقيق اثباتًا للجدية وبثًا لطمأنينة العامة، حيث أن القضية لا تتعلق بحق شخصي لمواطن مفرد بل هي حق وطن وثورة وضحايا كثر وأسر مكلومة وعلى الرغم من إعلان اللجنة مؤخرًا تعيين ناطق رسمي باسمها غير أنه لم ينطق سوى الصمت.
ظل نبيل أديب رجل العسكر في تسويف قضية فض الاعتصام بفرملة التحقيقات ريثما تتم سطوة العسكر على السلطة بانقلابهم الذي ذكر نائب رئيس السيادي حميدتي بأنه كان يعد له قبل تسعة أشهر من وقوعه وبشرت به جماعة الموز في اعتصامها الشهير، وبإصرار أديب على اتخاذ المسار الخاطئ الذي لن يفضي لنتيجة مرجوة اتخذ كذلك مواقف تبين عدم جديته ببلوغ اللجنة غايتها حين صمت عن الصعوبات التي واجهت عملها وأهمها رفض رفع الحصانات عن المشتبه فيهم، وأدت لاستقالة عضوين من اللجنة حيث لم يقم بملء فراغ المستقيلين، كما لم يطلب من الجهات المختصة تذليل العقبات ولم يطلع الرأي العام بالعقبات والعراقيل التي وضعتها السلطة حتى يتم الضغط عليها من قبل التيار الثوري حارس دماء الشهداء، فقد نبه عضو اللجنة المستقيل الأستاذ أحمد الطاهر النور في يونيو 2020 أن الإمكانات المتاحة للجنة لن تمكنها من إنجاز المطلوب ولن تمكنها حتى من السفر للولايات للتحقيق في فض الاعتصامات المتزامنة بالولايات، ويضيف أنها تفتقر لأبسط التقنيات التي تمكنها من تفريق مقاطع الفيديو لإعداد تبويب وتقارير وتوثيقها إلحاقًا بملف التحقيق وهو عمل مفصلي لعمل اللجنة وكان يفترض توفير التقنيات بواسطة الاتحاد الأفريقي، ورغمًا عن ذلك لا يزال نبيل أديب يحدوه الأمل في إكمال عمل اللجنة وتسليم تقريره لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك حال عودته للسلطة، فأي خطل يقوم به منطق الأشياء لدى الرجل؟ ففي لقائه على موقع الجزيرة نت أفاضت نفسه كمية تناقضات لم يحترم فيها عقل المواطن فهو يصر على أن اللجنة لا تزال تعمل رغم الانقلاب والحرب ونفى تحيزه للسلطة باعتبار أن له تاريخ مناوئ للديكتاتوريات رغم وجوده في الكتلة حليفة العسكر، وذكر أن اللجنة لم تحل لأنها قامت استنادًا على الوثيقة الدستورية ومنها تستمد شرعيتها ونسي أو تناسى أن العسكر مزقوا الوثيقة وداسوها بأقدامهم، وذكر بأن اللجنة في مرحلة الاستعانة بخبراء وتحتاج لدعم لوجستي لا يتوافر إلا في وجود حكومة مدنية لأنها من تعاقدت معهم وتتحمل كلفتهم المالية ، فكيف لا تزال تعمل مع الخبراء ومصدر تمويلهم أصبح من الماضي، وهو في انتظار نتائجهم التي تحتاج لتمويل يحتاج لحكومة مدنية قادمة تحتاج لثورة جديدة لإخراج العسكر من السلطة والعودة للحكم وإيقاف الحرب وعودة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، ودخلت نملة وأخذت حبة وخرجت من مخزن الخطل المجاني الذي يتفوه به رئيس لجنة فض الاعتصام.
بذلك تبقى لجنة التحقيق في فض اعتصام القيادة العامة أو ما عرفت بلجنة نبيل أديب مجرد ملفات منتفخة بالأوراق التي لم تفض إلا لبث الطمأنينة في نفوس المتورطين في الجرائم ومخرجًا آمنًا لطمس الأدلة وإفلاتهم من العقاب وتركهم مطلقي السراح، ولم تمثل اللجنة سوى مجرد ذر الرماد في عيون أسر الضحايا والجماهير وإطلاق الوعود الكاذبة بتحقيق العدالة والقصاص من المجرمين الذين تنسموا سلطة إدارة الدولة بأياديهم الملطخة بدماء الأبرياء، وقد مثلت لجنة أديب حجر الزاوية الذي ثبته العسكر لبناء صروح قانونية خاوية يكون ظاهرها تحقيق العدالة ويضمر باطنها أسوأ الأحاييل لطمس معالم الجريمة ومنح الوقت الكافي للقتلة للهروب بأفعالهم بتمكين أنفسهم من السلطة بالشكل الذي يصمن عدم تعرضهم للمحاسبة، وقد برع نبيل أديب في هندسة مثل هذه اللجان الخاوية وفتح الطريق لأكثر من ست عشرة لجنة لم تفض لشيء شكلتها ذات السلطة المجرمة للتحقيق في جرائم ارتكبتها أو تواطأت على ارتكابها ولم تكن سوى فزاعة في وجه الباحثين عن العدالة، مثل لجنة تحقيق أحداث الأبيض يوليو 2019 ولجنة تحقيق المفقودين في اعتصام القيادة بواسطة النائب العام عبدالله أحمد عبد الله 23 سبتمبر 2019 وإعادة تشكيل لجنة مفقودي القيادة العامة بواسطة مجلس السيادة أكتوبر 2019 وإعادة تشكيل لجنة مفقودي فض الاعتصام في نوفمبر 2019 بواسطة النائب العام تاج السر الحبر ورئاسة الطيب العباسي المحامي، ولجنة تحقيق القتل خارج نطاق القانون منذ يونيو 89 حتى سقوط النظام في 6 ديسمبر 2019 بواسطة النائب العام تاج السر الحبر، ولجنة تحقيق أحداث بورتسودان في يناير 2020 بواسطة والي بورتسودان، ولجنة تحقيق قمع الشرطة لموكب 20 فبراير بواسطة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ورئاسة النائب العام وأن ترفع تقريرها في أسبوع، ولجنة تحقيق مواجهات الجنينة غرب دارفور 20 يناير 2021 بواسطة النائب العام تاج السر الحبر، ولجنة القوات المسلحة في أحداث قتلى محتفلى ذكرى الاعتصام أمام القيادة في 11 مايو 2021، ولجنة تحقيق مقتل الشهيد ود عكر مايو 2021 بواسطة النائب العام مبارك محمود وأن ترفع تقريرها في مدة شهر، ولجنة تحقيق القتلى بعد انقلاب أكتوبر 2021 في 13 ديسمبر 2021 بواسطة النائب العام خليفة أحمد ورئاسة الطاهر عبد الرحمن وكيل النيابة الأعلى، ولجنة تحقيق أحداث تظاهرات 17 يناير 2022 بواسطة رئيس مجلس السيادة البرهان، ولجنة تحقيق أحداث مدينة كرينق والجنينة مارس 2022 بواسطة الناىب العام خليفة أحمد على أن ترفع تقريرها خلال أسبوعين، ولجنة تحقيق أحداث 30 يونيو 2022 بواسطة النائب العام خليفة أحمد، ولجنة تحقيق أحداث العنف الأهلي بالنيل الأزرق يوليو 2022 بواسطة النائب العام خليفة أحمد، ولجنة تحقيق أحداث كسلا في يوليو 2022 برئاسة إبراهيم محمود أبوبكر، ويدل عدد وسهولة تشكيل هذه اللجان واتفاقها جميعًا في نتيجة عدم كشف أي منها للمتورطين في الجرائم على حقيقة كونها مستودعًا لحفظ ملفات الجرائم وتسكين الغضب الشعبي فترة سخونة انفجار الأوضاع ومن ثم ترك المتورطين مطلقي السراح، وهي الخديعة التي أطلقتها السلطة العسكرية لإيهام الجماهير والعالم بحرصها على سيادة القانون، بينما في باطن الأمر هي التي تهندس تشكيل تلك اللجان عبر أذرعها الخفية وهي تعلم يقينًا وسلفًا مآلات تحقيق تلك اللجان وما ستؤول إليه نتائج تحقيقاتها التي حتى وإن طالت بعض أذرعها ومنسوبيها فإنها تقدم لهم الضمانات الكافية بعدم معاقبتهم كما حدث مع قتلة الشهيد أحمد الخير وقاتل الشهيد حنفي الذين ينعمون بكامل الحرية الآن، فالسلطة الباطشة لا تنسى كلابها الأوفياء الذين يقدمون لها خدمات جليلة ويقومون بالقذارة نيابة عنها، وعلى الرغم من اجتهاد لجنة أو اثنتين وعملها بجد بواسطة بعض الأنقياء من عضويتها في محاولة جادة لكشف المتورطين إلا أن السلطة وضعت المتاريس أمامهم بإخفاء المتهمين والمعلومات وعنهم والامتناع عن رفع الحصانات وغيرها من العراقيل التي حالت دون وصول ذلك الجهد لمبتغاه، وبذا تظل الدولة السودانية في المقدمة من حيث إفلات المجرمين من العقاب رغم وضوح البينات الدامغة لإجرامهم بسبب كون المجرمين أنفسهم من يقوم بإدارة الدولة ويحكم بقبضته على مؤسسات إنفاذ القانون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى