المدنيون في خطوط النار!

وائل محجوب
- ما زال استهداف المدنيين متواصلًا ويزداد وحشية وهمجية يومًا بعد يوم، حيث وقعت عمليات قتل وحشية خارج نطاق القانون لمدنيين بحجة التعاون مع الدعم السريع في المناطق التي دخلتها قوات الجيش مؤخرًا في الخرطوم بحري وأم روابة، وهي امتداد للجرائم التي وقعت في ولاية الجزيرة وسنجة من قبل، في الوقت الذي شهد سوق صابرين غرب أم درمان مجزرة وحشية قادت لمقتل العشرات وما يفوق مائة جريح ومصاب في حالة حرجة.
- لقد قلنا من قبل أن كل عمليات القتل التي تتم للمدنيين بل وحتى الأسرى، هي جريمة حرب يعاقب عليها قانون القوات المسلحة لعام ٢٠٠٧م، ولا يحق لأي جندي سواء أكان نظاميًا أو مستنفرًا، أن يخالف قواعد الحرب التي تضمنها القانون، وتحرمها القوانين الدولية، وعلى رأسها القانون الدولي الانساني، وإذا استمرت مثل هذه الجرائم وتواصلت فإن المسؤولية ستتحملها قيادات المؤسسة العسكرية الرسمية، مثلما حدث للرئيس المخلوع وقادة الجيش الذين حاصرتهم اتهامات المحكمة الجنائية الدولية من قبل في حرب دارفور، وحولتهم لمطلوبين وملاحقين للعدالة الدولية، وما زالت المحكمة تطالب بتسليمهم.
- أما الهجوم الدموي على سوق صابرين، الذي تلا خطاب قائد الدعم السريع، هو تنفيذ لما وراء سطور الخطاب، الذي كان موجهًا لجنوده بالأساس، بعد الهزائم التي منيت بها قواتها في ولاية الخرطوم، بعدما أحكمت القوات المسلحة والقوى المساندة لها السيطرة فيها على مدينتي الخرطوم بحري وشرق النيل.
- لقد سعى “حميدتي” في خطابه لرفع الروح المعنوية لجنوده، عبر التقليل من شأن الهزائم، وإرسال رسالة بأنه يتابع ما يدور من اتهامات متبادلة هنا وهناك، كما ألمح لمعالجتهم أمر الطيران، مما يوحي بتلقيهم لأسلحة وعتاد متطور، كما دعاهم لمواصلة “الطقع النضيف” أي لمواصلة القتال بشراسة.
- لقد دأبت قوات الدعم السريع على استهداف المواقع المدنية عبر المدفعية منذ فترة طويلة، وقد طالت هجماتها أحياء الثورة المختلفة ومحلية كرري، ومناطق متفرقة من الخرطوم، وقد وجهت غالب إن لم يكن جميع هذه الهجمات نحو أهداف مدنية، حيث تساقط بسببها عشرات المدنيين داخل منازلهم، كما تواصل استهداف الولايات بالطائرات المسيرة مثل نهر النيل والشمالية، وهذه الهجمات تمثل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وتكشف عن استهداف أعمى للمدنيين، وهي أيضًا ستقود خطى قادة السريع للمحكمة الجنائية الدولية.
- هذه الحرب تشهد أنماطًا غير مسبوقة من الجرائم، وتقع الغالبية العظمى منها على المدنيين العزل، الذين باتوا عالقين في خطوط النار المفتوحة، وبسبب الاستهداف المباشر، وما يتم لا يخالف العرف والدين فقط، إنما يخالف قوانين الحرب وقواعد الاشتباك، التي يتم المحافظة عليها في كل الحروب، وهي لا تدمر حاضر البلاد فقط، إنما ستدمر النسيج الاجتماعي مستقبلًا، فهذه الحرب طال الزمان أم قصر، وبأي من الطرق ستنتهي، وبعدها ستتكشف كل الجرائم التي حاقت بالمدنيين، وسيظهر أولياء الدم عن كل قتيل.
- إذا تصور أحد أن هذه الجرائم سيطويها النسيان، فهو واهم فهي ستصبح وقودًا لحروب قادمة بالضغائن والأحقاد التي ستعمقها في النفوس، والمطلوب هو موقف جماعي رفضًا للعدوان على المدنيين، وتمسكًا بمبادئ حقوق الإنسان بلا تراجع، في هذه الأوقات العصيبة المظلمة من تاريخ بلادنا.