الرياح تهزم دبلوماسية “الطائرات الورقية”
أديس أبابا – أفق جديد
تنفست بورتسودان الصعداء وارتخت أعصابها المشدودة بعد أن تمكن وزير الخارجية الجيبوتي السابق، محمود علي يوسف، من إقصاء منافسه رايلا اودينغا، والجلوس على المقعد الأول في الاتحاد الأفريقي كاول عربي يظفر بهذه المنصب المهم في القارة الإفريقية، بعد معارك شرسة، لعب فيها المال إلى جانب الصفقات والوعود دورًا حاسمًا، وشهدت لأول مرة انتخابات منصب المفوض العام بحسب مراقبين غيابًا أمريكيًا لافتًا، إذ التزمت واشنطن الصمت ولم تتدخل كعادتها في تغليب المتنافسين الثلاثة على الآخر.
وتنافس على المقعد إلى جانب وزير خارجية جيبوتي السابق محمود علي أحمد، كل من رئيس الوزراء السابق الكيني رايلا أودينغا، وريتشارد جيه راندرياماندراتو من مدغشقر، وبدأت المعركة منذ ديسمبر الماضي، إذ تواجه المرشحون الثلاثة في مناظرة عارضين رؤيتهم لإفريقيا حال انتخابهم في المنصب، وكان وزير خارجية جيبوتي سابقًا، رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي حاليًا محمود علي أحمد زار بورتسودان في أكتوبر الماضي، ورغم أن الزيارة أعلنت بأن الرجل يحمل رسالة من الرئيس الجيبوتي إلى رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، لكن مصادر رفيعة تحدثت لـ”أفق جديد” إن بورتسودان هي من طلبت الزيارة، وإنها هي التي أوحت لجيبوتي بضرورة أن يترشح الرجل إلى منصب المفوض العام الذي بحسب لوائح الاتحاد الإفريقي يجب أن يذهب إلى دول شرق إفريقيا، وأكدت المصادر أن محمود علي أحمد عندما وصل بورتسودان تمت مناقشته حول إمكانية ترشحه للمنصب، حيث تم الاتفاق أن يدعمه السودان بكل ما يملك من علاقات في إفريقيا.
ويقول المصدر المنتمي إلى جهاز المخابرات العامة السوداني، مفصلًا “إن اجتماعًا تم في أكتوبر الماضي، ناقش الوضع في الاتحاد الإفريقي، وتقييم الموقف وتم وضع خطة، حيث أن لوائح الاتحاد الإفريقي تنص على أن يؤول منصب رئيس المفوضية إلى دول شرق القارة بينما نائب المفوض تتولاه مجموعة شمال القارة، ونسبة لتجميد عضوية السودان في المنظمة، فهو محروم من التقدم لشغل تلك المقاعد، ولكن ذلك لا يمنعه من التأثير على الانتخابات، وتحديد خياراته والعمل مع الأصدقاء والأشقاء لضمانها خاصة أن المعلومات التي بحوزتنا تؤكد أن مناقشات تجري بين بعض الدول بشأن منصب رئيس المفوضية، وبات راجحًا لدينا أن اتفاقًا سيتم بان يؤول المنصب إلى دولة جنوب السودان أو كينيا، والدولتان لدينا عليهما تحفظات لمواقفهما من الحرب الدائرة في البلاد”.
اجتماعات وتنسيق
ويقول المصدر الذي تحدث إلى “أفق جديد” شريطة عدم ذكر اسمه، “بعد دراسة جميع الاحتمالات والدول المؤهلة لتقديم مرشحين للمنصب المهم وهي (بوروندي وكينيا ورواندا وجنوب السودان وتنزانيا وأوغندا وجمهورية الكونغو، بالإضافة إلى جيبوتي) وقع اختيارنا على جيبوتي لمواقفها المحايدة تمامًا من قضية مياه النيل، أيضًا لعضويتها في الجامعة العربية، وتم التوافق والتنسيق مع دول شقيقة في القارة”.
ويضيف: “بالنسبة لنا في السودان الاتحاد الإفريقي مؤسسة مهمة واستئناف مقعدنا المجمد فيها هو هدف نسعى إليه ولكي نحققه كان لابد من عمل دؤوب يمهد لذلك، تم الاتفاق مع جيبوتي بأن ندعم مرشحهم وأن نضع إمكاناتنا وعلاقتنا كافة تحت تصرفهم شريطة أن يدعموا عودتنا إلى الاتحاد الإفريقي، وهو الوعد الذي حصلنا عليه من رئيس المفوضية الحالي محمود علي أحمد لإبان زيارته في أكتوبر الماضي إلى السودان، ولعله هو وزير الخارجية الإفريقي الوحيد الذي وصف الدعم السريع بالمليشيا في تصريحه الشهير في بورتسودان، ومنذ ذلك الوقت عملنا على أن يتولى الرجل منصب المفوض وهذا ما نجحنا فيه.
وبينما يرى المصدر أن نجاح فوز المرشح المفضل للسودان هو الخطوة الأولى في استعادة السودان لمقعده في المنظمة الإقليمية، يقول الصحافي الكيني جاستيس مودينغا الذي خسر مرشح بلاده الانتخابات، إن عودة السودان إلى الاتحاد الإفريقي رهينة بإجراءات دستورية عديدة وهو لايزال بعيدًا عنها ويضيف لـ”أفق جديد”: “نعم استطاع السودان بمساندة دول عديدة من خارج القارة وداخلها إقصاء المرشح الكيني، ولكن ذلك لن يعيده إلى المنظمة الإفريقية لأن السودان الآن يعيش حربًا وانقسامًا مجتمعيًا”. ويشير جاستيس في حديثه إلى “أفق جديد” لجولة رئيس مجلس السيادة في غرب إفريقيا التي شملت كل من مالي، غينيا بيساو، سيراليون، والسنغال واختتمها بزيارة إلى موريتانيا، كانت تحمل جندين فقط هما دعم المرشح الجيبوتي واستعادة مقعد بلاده، نجح في الأولى لكنه أخفق في الثانية إذ أن الاجتماعات لم يخرج عنها ما يدين الدعم السريع أو يصنفه على الأقل كمليشيا. وهو ما يتفق فيه مع القياديين بالتحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود) خالد عمر يوسف، المشارك في الاجتماعات ضمن وفد يقوده رئيس التحالف د. عبد الله حمدوك وشهاب إبراهيم الطيب الموجود بأروقة الاجتماعات.
فك تجميد
واستبعد خالد عمر في حديث لـ”أفق جديد” أن يفك الاتحاد الإفريقي تجميد عضوية السودان في الوقت الحالي. وقال إن الاتحاد الإفريقي لديه إجراءات واضحة حول قضية الانقلابات والتغييرات غير الدستورية التي ينتج عنها تعليق عضوية أي دولة تمر بمثل هذه التغييرات، وعضوية السودان تم تجميدها منذ انقلاب ٢٥ أكتوبر.
ويضيف شارحًا وجهة نظر تحالف “صمود” التي سلمت إلى الدول الأعضاء بقوله: “تركزت نقاشاتنا مع الاتحاد الإفريقي على ضرورة أن يوظف آلياته وقواعد عمله الواضحة حول كيفية فك تجميد الدول التي علقت عضويتها، كحافز للأطراف المتقاتلة لوقف الحرب والانخراط في عملية سلام ذات مصداقية تعيد بناء النظام الدستوري في السودان وتنتج سلطة ذات مشروعية شعبية، تعيد عضوية السودان في المؤسسة الإفريقية العريقة”، ويتقاسم شهاب إبراهيم ذات الرؤية بقوله: “هناك بعض الدول سعت خلال الاجتماعات إلى طرح موضوع رفع اسم السودان من قائمة الدول المجمدة عضويتها، ولكن اصطدمت مساعيها بقوانين ولوائح الاتحاد الإفريقي الصارمة، تجاه الانقلابات العسكرية”.
وأضاف شهاب في حديثه أن الدول التي طرحت، موضوع فك التجميد طالبت بتطبيق النموذج التشادي، مشيرًا إلى الفوراق الكبيرة بين النموذجين لأن ما تم في تشاد لم يكن انقلابًا وإنما مقتل إدريس ديبي في عمليات عسكرية، وتولى ابنه السلطة بعد اعتذار رئيس المحكمة العليا الذي ينص الدستور على استلامه السلطة إلى حين انتخاب رئيس جديد، وتولى محمد كاكا الذي كان قائدًا للجيش السلطة.
ويمضي شهاب إلى القول “طلبنا من الدول التي التقيناها أن يكون رفع اسم السودان مشروطًا بإيقاف الحرب وبناء نظام دستوري، ومن ثم يتم استعادة نشاط السودان”.
نتائج دون الطموحات
انتهت اجتماعات الرؤساء ورؤساء الحكومات الإفريقية إلى ذات ما طالب به وفد “صمود”، وبحسب مفوض السلم والأمن بالاتحاد بانكولي أديوي أن آليات الاتحاد الإفريقي واضحة بشأن رفع العقوبات واستئناف أنشطة السودان في الاتحاد، مؤكدًا في تصريحات صحافية أن على السودان اتخاذ خطوات واضحة باتجاه تحول دستوري وديمقراطي قبل النظر في استئناف أنشطته بالاتحاد، وأردف: “وسندرس التطورات المتصلة بالوضع”، داعيًا في الوقت ذاته الجيش والدعم السريع لوقف حمامات الدم.
ويقول الصحافي الكيني: “نعم السودان نجح في فرض مرشحه المفضل عبر ما أسماه بدبلوماسية “الطائرات الورقية” التي مارسها وتمكن بمساندة المال والمؤمرات من إقصاء المرشح الكيني رايلا أودينغا، الذي كان أجدر بالمنصب لما يتمتع به من حكمة كانت ستفيد القارة التي تعاني نزاعات وصراعات دامية في عدد من بلدانها، لكنه فشل وبشكل كامل في حصاد أي ثمرة من جهوده تلك وأمواله التي أنفقها على البعض رغم ما تعانيه بلاده وإنسانه من فاقة وعوز كانوا هم الأولى بها.
وما خلص إليه الصحافي الكيني، هي النتيجة ذاتها التي وصل إليها المصدر من المخابرات السودانية وهو يقول لـ”أفق جديد”: “قد تكون النتائج التي خرجت من قمة الاتحاد الإفريقي أقل بكثير مما كنا نطمح له وهو استعادة مقعد السودان، ولكن نستطيع أن نقول إن السودان نجح رغم وجوده خارج الاتحاد الإفريقي في التأثير بانتخاب رئيس المفوضية”، مشيرًا إلى أن مساعي السودان ستتواصل بانتخاب محمود علي، ويقول: “بتنا أقرب من أي وقت مضى إلى عودة علم بلادنا إلى المجمع الإفريقي”، مشيرًا إلى أن “الرياح لم تكن في صالحنا بشأن رفع التجميد أو إدانة الدعم السريع هذه المرة ولكن استعدنا زخمنا في القارة الإفريقية وتأكدنا أن ما لدينا من العلاقات أكبر بكثير مما يتصوره أعداؤنا”.