السودان إلى أين؟
تنازل قبل أن تجبر على التنازل
أفق جديد
خلصت حلقة نقاش نظمتها مجلة “أفق جديد” بمشاركة طيف من السياسيين والمؤثرين إلى ضرورة أن تقدم القوى السياسية تنازلات جدية لبعضها البعض، من أجل تشكيل جبهة مدنية موحدة قوية حتى لا تضطر في وقت ما تقديمها مجبرة إلى أطراف الحرب المندلعة الآن.

وشدد المشاركون في الحلقة التي ناقشت 3 محاور تتعلق بالراهن العسكري والسياسي ومستقبل السودان، على أن التنظيم الإسلامي بجميع تياراته المختلفة والمؤتلفة توحد خلف مشروعه الحربي أملًا في استعادة سلطته التي نزعتها منه ثورة ديسمبر المجيدة، وبالمقابل تشتت القوى الداعمة للتحول المدني الديمقراطي.
وشرحت الحلقة الوضع العسكري والسياسي الراهن الذي تختلط فيه الوقائع الحقيقة بأخرى مصنوعة لإعطاء إيحاء بنصر وشيك، بينما تقول كل الشواهد إنه لا يزال بعيد المنال، ورسم حديث المتحدثين “اسكتشًا” بملامح واضحة للخديعة الكبرى التي يعيشها الشعب السوداني ابتداء من يوم 15 أبريل 2023 عندما رسخت في ذهنه رواية “الإطاري سبب الحرب”، وليس انتهاء بمشهدية الانتهاكات التي صاحبت يوميات الحرب، لإبعاد بصره عن أكبر انتهاك حدث هو الحرب في نفسها التي انتهكت حقوقه الإنسانية والاقتصادية والسياسية، وحقه الأساسي في الحياة والأمن والاستقرار.
ابتدر الحديث في الحلقة رئيس تحرير مجلة “أفق جديد” عثمان فضل الله مرحبًا بالمشاركين شاكرًا لهم كريم تفضلهم بقبول دعوة المجلة، التي وصفها بأنها محاولة لخلق إعلام راشد ومسؤول، في ظل إغراق الفضاء العام بالعديد من المنصات الإخبارية التي هدفها الرئيسي هو تقديم معلومات مضللة من أجل جعل المواطن أسيرًا لرواية جنرالات الحرب ومن يقفون خلفهم، وعرج رئيس تحرير “أفق جديد” ليقدم رؤية مختصرة لما يعج به المسرح السياسي السوداني من تناقضات وصراع، مقدمًا عددًا من التساؤلات بشأن وضع القوى المدنية المتشظي في ظل وضع ملح يتطلب وحدتها للوقوف في وجهة المشروع التدميري الذي تتبناه الحركة الإسلامية موحدة من أقصى تياراتها المتشددة الممثلة في “داعش” وليس انتهاء بتلك التي تطلق عليها صفة الاعتدال والمرونة.
وختم فضل الله حديثه بتقديم التصور العام لحلقة النقاش التي جاءت تحت عنوان (الراهن السياسي والعسكري ومستقبل السودان) لتناقش 3 محاور هي توازن القوى ودور الفاعلين السياسيين والعسكريين. ويبحث المحور في الآتي:


تحليل التوازن الحالي بين الجيش (القوات المسلحة) وقوات الدعم السريع، دور الحركة الإسلامية في تشكيل التحالفات، وعلاقتها بالجهات العسكرية. تأثير المليشيات (مثل حركة تحرير السودان) على الأمن والتفاوض السياسي.
تساؤلات: هل يمكن تحقيق هدنة دائمة؟ وما فرص عودة السلطة للمدنيين؟
المحور الثاني ويناقش خطوات بناء جبهة مدنية عريضة ودور لقاء نيروبي، وتقييم إخفاقات المحاولات السابقة لتوحيد القوى المدنية (مثل إعلان الحرية والتغيير)، وفرص نجاح لقاء نيروبي في تجاوز الانقسامات، مثل الخلافات بين تجمع المهنيين والأحزاب، وكيفية تمثيل الأقاليم
المهمشة (دارفور، كردفان) في الجبهة؟
بينما تناقش الحلقة في محورها الثالث الدور الإقليمي والدولي، ويقدم تحليلًا لمواقف دول الخليج (الإمارات، السعودية) ودعمها لأطراف الصراع، دور مصر وإثيوبيا وإريتريا في التأثير على الأزمة، تقييم فاعلية جهات مثل الاتحاد الأفريقي في الوساطة.
المحور الأول:
افتتح النقاش في المحور الأول الأكاديمي والباحث السياسي د. صلاح عوض عمر بتساؤلات حول النقاط الهادية، مؤكدًا أنها تصلح أن تكون بداية حقيقية لحوار طويل ومعمق يعزز تماسك الساحة السياسية. ومضى قائلًا إن الأيام الماضية شهدت تحولات عديدة في التوازن العسكري بين الجيش والدعم السريع، متمثلة في أن الأيام التي مضت نجد الجيش السوداني في حالة تحرك مستمر لاستعادة المواقع التي فقدها في الأيام الأولى من الحرب، لدرجة أننا يوميًا عندما نصحو الصباح نجد أن الجيش استعاد مدينة كانت قد سلبت منه في السابق.
ويضيف: “نعم هناك انتهاكات كبيرة مصاحبة لهذه الاستعادة، وهي باتت طبيعة وسمة من سمات طرفي الحرب بأحجام متفاوتة، والتفاوت مرتبط بالطبيعة الإثنية للمناطق. وفي تحليله للتوازن العسكري يلفت د. صلاح إلى التحول الذي حدث في تكوين الجيش السوداني بالقول أن تكوين الجيش نفسه لم يعد هو ذات التشكيل الذي نعرفه المعتمد على قوة مشكلة من أفراده، وبات يعتمد على فرق أخرى يمكن تسميتها بالجيوش غير النظامية أو مليشيات، وصلت إلى قرابة بضع وثلاثين فرقة مساندة، ووصل تشكيل تلك الجيوش إلى مناطق لم يعرف عنها هذا السلوك من قبل مثل الولاية الشمالية التي ظهرت فيها مؤخرًا عدد من تلك القوات غير النظامية، وطبقًا للدكتور صلاح أن هذا الواقع فرضه أن الجيش كان يعاني نقصا بائنًا في في قوات المشاة.
ويواصل في حديثه قائلًا: تلك الانتصارات المتسارعة من ناحية عسكرية ممكن القول إن الجيش هو المتقدم لكن عمومًا أفتكر هناك إجماع بأن هذه الحرب لا يوجد فيها مهزوم أو منتصر، نعم قد تكون متقدم عسكريًا ولكن من الصعب أن تصل إلى حد السيطرة الكاملة.
ويزيد د. صلاح في حديثه قائلًا: هذا الواقع أثار تساؤلات كثيرة جدًا وتتداوله أوساط عديدة بوضوح شديد عن وجود صفقة يعود بموجبها الدعم السريع إلى دارفور ويترك الوسط والشمال والشرق إلى القوات المسلحة مما سيخلق واقعًا جديدًا يواجه السودانيين جميعهم وهو واقع أكثر مرارة من الحرب ويمكن أن يؤدي إلى انقسام السودان، وهناك من يرى أن الحرب المشتعلة الآن هي حرب تحت رعاية دولية وأن ما يجري الآن ليس انتصارات فعلية للجيش وإنما هو انسحاب متفق عليه لتحسين وضع الجيش ليتمكن من الجلوس إلى طاولة التفاوض بوضع مريح وهو افتراض وارد.
وينهي د. صلاح تحليله لتوازن القوى العسكرية بالقول: “عمومًا يجب أن لا نرفض أي افتراض من الافتراضات التي ترشح في الإعلام تجاه الصراع الدائر في البلاد، ويجب أن تكون قيد التحليل المفيد لتعين في الوصول إلى خلاصات منطقية مستقبلا”.
مشهد غير متماسك:
في رؤيته لموقف القوى المدنية والفاعلين في المشهد السياسي يرى د. صلاح أن الحركة السياسية في السودان عادة تقوم على أحلاف سياسية تجاه القضايا، بمعنى تتشكل كتل وتحالفات تجاه قضايا محددة، فقبل الحرب كانت هنالك كتل ضد الثورة وأخرى معها، وبعد نشوب الحرب أيضًا انقسمت الكتل إلى فئة رافضة للحرب وفئة (بل بس)، في المسار السياسي الكتلة التي وقفت ضد الثورة هي التي شكلت المجموعة الأكبر الداعية للحرب وكتلة الثورة كانت مع خيار رفض الحرب، وقبل الحرب نجد أن كتلة الثورة نفسها تم اختراقها وانقسمت وهذا نتج عنه انقلاب 25 أكتوبر.. وطرح في عين الوقت تساؤلًا عن درجة تماسك تلك الكتل، ومدى تماسكها، ومن ثم يمضي مجيبًا على ذلك التساؤل تفصيلًا بقوله: المتابع يرى كتلة “تقدم” – الحلقة سابقة لقرار فك الارتباط – رغم الهنات التي صاحبتها لكن هي الكتلة الأكبر وصوتها مسموع وسط الجماهير هي كتلة غير صماء ودرجة تماسكها أمام اختبار تشكيل الحكومة الموازية باتت قيد فك الارتباط كما يسمونه، وارتفع صوت يدعو إلى تشكيل الجبهة المدنية العريضة لتصبح هي البديل لتقدم، ويراد لها أن يكون أكثر اتساعًا وأكثر تقدمًا في طرحها. ويرى د. صلاح رغم المطبات التي تمر بها القوى المدنية إلا أن درجة الوضوح عالية، فالقوى المدنية كلما انتقلت إلى مربع جديد درجة الوضوح تجاه القضايا الملامسة للبلد تكبر، وهذا أمر إيجابي يتطلب منا المساندة.
ويضيف: أما الكتلة الثانية هي الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية) وفقًا لمسار العمل السياسي الواضح إنها تضعضعت وفي طريقها إلى الخلف وذلك لعوامل كثيرة في التشكيل الأساسي لها أسهمت في أن تتفتت هذه الكتلة إلى جانب عودة الوعي لمجموعات داخلها، إضافة إلى أن المال السياسي ولد صراعات داخلها وواضح أنها تسير إلى النقطة صفر ما لم تجد اتكاءة أخرى .
أجنحة متعددة
وفي حديثه عن الحركة الإسلامية وهل هي كتلة واحدة قال: في تقديري لا، على الرغم من أن الحركة الإسلامية هي من نفذت انقلاب 25 أكتوبر، لكن اليوم واضح أنها لم تعد كتلة واحدة ومن الأدبيات المتداولة نصل إلى أنها ليست موحدة، وهذا يعود إلى التكوين الأساسي لها إذا عدنا للوراء منذ ابتعاد أو إبعاد د. حسن الترابي من المشهد.. إلخ، بالإحصاء نجدها الآن خمس مجموعات، تقريبًا المجموعة الرئيسية فيها هي التي يتزعمها علي كرتي وهي المجموعة التابعة للمنظومة العسكرية في التنظيم، وأيضًا إذا عدنا للتاريخ نجد أن كرتي هو كادر مرتبط بالمنظومة العسكرية، وهو مسؤول عن الأجهزة الاستخبارية منذ أيام الجبهة الإسلامية القومية واستمر في هذه الأجهزة وبات رجلًا متخصصًا في العمل الاستخباري والعسكري، وأتاح له ذلك أن يكون على ارتباط وثيق والأجهزة الاستخبارية والعسكرية الرسمية، والآن تنتهي عنده كل خيوط العمل العسكري والاستخباري داخل الحركة الإسلامية، إضافة إلى أن الرجل – طبقًا للدكتور صلاح – يمتلك مفاتيح المال الخاص بالتنظيم وكيفية مراكمة المال من الدولة واستطاع مراكمة ثروة هائلة إبان سيطرة الحركة على الحكم، إضافة إلى هذه المجموعة هناك مجموعات أخرى مثل تلك التي ينشط فيها بروفيسور إبراهيم غندور وأميرة الفاضل، وهو تيار ناشط في مجال الخدمات الاجتماعية وفي تركيا الآن هناك جناحان أحدهما يتزعمه أو ينشط فيه عبد الحي يوسف مالك قناة طيبة، وجناح آخر.
ويردف في نهاية الأمر نصل إلى أن الحركة الإسلامية عبارة عن مجموعة أجنحة بينها صراعات وهذا التصدع يمكن بالعمل عليه أن يتم تجييره لصالح التغيير وإعادة الاستقرار للبلاد.
مصطلح غير مناسب
وفي الجند الأخير في المحور الأول المتعلق بالحركات الدارفورية المسلحة يرى د. صلاح مبتدأ أن مسمى المليشيات الذي أطلقته “أفق جديد” على تلك الحركات غير مناسب، لأن تلك الحركات بينها حركات مطلبية ولديها مشروع سياسي قامت من أجله، لذا من الأوفق تسميتها باسمها الصحيح الحركات المسلحة، انحازت منها حركتان أساسيتان تتبعان لجبريل ومناوي للجيش.
وأضاف: هاتان الحركتان المسلحتان هل سيكون لديهما دور في زحزحة توازن القوى السياسية والعسكرية الإجابة: نعم، لأن لديها ارتباطات خارجية وتتأثر بالصرف المالي، اليوم هم معتمدين على المؤسسة العسكرية في التمويل التي أتاحت لهم فرصة التدريب والتجنيد خاصة قائد حركة تحرير السودان مني آركو مناوي، ومنى نفسه يمكن مستقبلًا أن يخضع بذات المعايير للتفاوض مع الطرف الآخر، ويمكن أن يتخذ أي موقف.
وردًا على التساؤل حول الهدنة وفرص عودة السلطة المدينة قال صلاح: الهدنة وردت في قاموس الوساطات منذ بداية الحرب ولا يزال العالم يسعى لحل الاشكالات في السودان. وأضاف: أعتقد أن الهدنة أولوية وضرورة، المتحاربون يعلمون أنه لا منتصر ولا منهزم في هذه الحرب غير أن المكابرة هي ما يمنعهم من الإقرار بذلك إلى جانب أن كل طرف فيهم يسعى إلى احتلال موقع ما لتحسين موقفه التفاوضي.
وبخصوص عودة القوى المدنية للسلطة رأى أن الأمر محفوف وصعب جدًا حتى بدعم المجتمع الدولي وقال: يمكن قراءتها من خلال البرهان الذي ظل يرفض الهدنة ويواصل العمليات العسكرية، هو يريد الانتهاء من النادي السياسي القديم عبر تشكيل كيان سياسي من الشباب رغم إنه نسب الفكرة لياسر العطا، لكن الواضح إنهم يريدون تشكيل حزب الجيش ليكون جاهزًا لاستلام السلطة وهو ما يجد قبولًا من الحركة الإسلامية لأنها نفذت انقلاب أكتوبر لكنها في فشلت في تكوين حكومة مدينة موالية للانقلاب، فهذه الفكرة يمكن أن تغير الوجه السافر للحركة الإسلامية وتأتي بوجوه جديدة.
من كل ذلك يخلص د. صلاح إلى أن القوى السياسية مواجهة بتحديات أكبر من تلك التي كانت عند بداية الحرب وعليها أن تتوحد وأن يكون لديها وضوح رؤية تجاه كل القضايا، بداية من طرح عبدالعزيز الحلو حول علمانية الدولة إلى فكرة النظام الفيدرالي.
أسئلة ملحة
بدأت وزيرة الخارجية في حكومة الفترة الانتقالية، د. مريم الصادق المهدي، حديثها مشيدة بوضع المجلة للحركة الإسلامية لأول مرة منذ سقوط نظام الإنقاذ ضمن الفاعلين في الساحة السياسية، ومن ثم دلفت قائلة في تعقيبها على د. صلاح: “أنا عايزة أبدأ مداخلتي بملاحظة لابد منها وهي مع شدة التشرذمات التي صاحبت الفترة السابقة وخلفت كثيرًا من الألم والحزن، إننا كأحزاب سياسية ومجتمع مدني عميق وعريق وأنجز ثورات وحقق العديد من النجاحات، نقف اليوم عاجزين أمام هذه الحرب الطاحنة التي أكملت اليوم 665 يومًا”.
وأضافت: “رغم كل هذا الاختلاف لا يزال لدي أمل، نعم تقدم تعبر عن مجموعة مدنية من قادة الثورة، وبلا شك عندي عليها ملاحظات ليست من باب التخوين والتجريم وإنما من باب التحسين، لكن للأسف ما يزال التعامل فيما بيننا مهما كنا قريبين أول شيء يكون من باب التخوين والاتهام، وهذه عقلية لابد أن نخاطبها ونحن اليوم نطرح هذا الطرح المتقدم”.
وتستمر مريم قائلة: “شكل الاختلاف الذي حدث الآن في تقدم رغم الموضوعية، مهم جدًا أن نعرف كيف نديره لصالح تماسك القوى المدنية كلها، والآن نرى أن الصفوف داخل المجموعة الواحدة تمضي إلى التمايز، فنجد مجموعة واحدة طرف منها منحاز للدعم السريع والآخر يرغب في التمسك بأن يكون بعده من الأطراف كلها بذات الدرجة لتخاطب وقف الحرب، وهذا موقف في تقديري جيد يجب أن نديره في إطاره الموضوعي دون أن نخسر بعضنا.
وتضيف: “بالنسبة للكتلة الديمقراطية، وهم كانوا زملاءنا وإخواننا واشتغلنا مع بعض في ثورة ديسمبر وغيرها، ما بعد الثورة نشأت بيننا اتهامات، السؤال كيف يمكن أن نعيد هذه العلاقة إلى سابق عهدها أو على الأقل نضع هذا الاختلاف في إطاره الموضوعي من أجل الوطن، وهم نفسهم الآن برزت بينهم خلافات واختلافات، فمن بينهم مجموعة بات انحيازها للجيش أكبر ومجموعة تسعى لوقف الحرب، ذات الأمر حدث للمؤتمر الوطني الذي جميعنا نقاوم فيه”.
وتتابع مريم: “لا نشك في أنه – المؤتمر الوطني – السبب في البلاوي التي نعيشها الآن لكن خلافاتهم الأخيرة لأول مرة تخرج إلى العلن، فالاستقطاب على أشده بين المجموعة الداعية للحرب و”بل بس” ومجموعة أخرى تدعو إلى مربع موضوعي أكثر، وأنها تريد أن تكون مع الآخرين يقودها د. إبراهيم غندور والمجموعة التي تسانده”.
هذه الحلقات التي كانت موجودة في دوائر مختلفة – طبقًا لمريم – الآن من الممكن تجمعيها، هذه رؤية بمكن أن نعمل عليها نحن كسودانيين ونقود بها الآخرين المهتمين بالشأن السوداني.
وتضيف: “لعل السؤال الصعب فيما طرح للنقاش هو كيف يمكن تحقيق هدنة، ولعله من الجيد أن نتحدث عن هدنة لإيقاف الحرب، وهذا أمر مختلف عن إنهاء الحرب، وهذا التفكير بدأ ينشأ بصورة فيها حكمة، ففي مسألة إيقاف الحرب هناك قضايا لا بد من مناقشتها، لكن هناك قضايا أخرى بعضنا يسميها القضايا الجذرية يمكن أن تؤجل لأوقات أخرى لأن الملح الآن هو الاتفاق مع كل المعسكر الساعي لإيقاف الحرب مع الاحتفاظ بالحق في الاختلاف حول القضايا المتعلقة بإنهاء الحرب. هذه الفكرة الجيدة كيف نبلورها وكيف نحولها لبرنامج عمل، هذا هو الأهم والمهم”.
وتمضي إلى القول: “نحن في لقاءات عديدة مع حركتي عبد العزيز الحلو وعبد الواحد محمد نور حاولنا تطبيق هذه الفكرة لتمسك الحركتين بقضية علمانية الدولة”.
وتساءلت د. مريم قائلة: “المتحاربون جميعهم ما هو وضعهم بعد إيقاف الحرب؟ البرهان أو حميدتي كأشخاص والحركة الإسلامية كمجموعة، وما هي وجهة نظر المجتمع الدولي وما هو شكل المحاسبات للانتهاكات التي وثقت، لن نتقدم ما لم نبلور فكرة بوضوح، نبني على المشتركات أكتر من الاختلافات، والفرق بين وقف الحرب وإنهائها، ونعرف ما هي أدوار حميدتي والبرهان بعد الحرب بعد أن تمزق الشعب ومقدراته، الخوف خلال الوضع الحالي والمستقبلي أن السودان نفسه أصبح بؤرة صراع عالمي ويمكن أن يهدد جيرانه”. كل تلك التحديات والأسئلة طبقًا لمريم بحاجة إلى لأن يصل الناس فيها إلى أفكار واضحة تخاطبها.
وفي السياق ذاته ذهب وزير التجارة والصناعة الأسبق، مدني عباس مدني، قائلًا في تعقيبه أن “الوضع الموجود ليس فيه إجابات واضحة، مع حالة العسكرة والضعف والانقسام والوضع العسكري الذي يخلق تغييرات سياسية لأنهما غير مفصولين عن بعضهما، الانتصارات والهزائم تؤثر على كل الأوضاع، كما أن الانتصار يستثمر لتحقيق مكاسب”.
وأشار مدني إلى أنه فيما يخص مجال تشكيل قوى سياسية شبابية من قبل مساعد قائد الجيش ياسر العطا ظل يحاول منذ وقت طويل أن يجمع الناس حوله لعمل استقطاب لمجموعة شبابية تتبع له. وقال: “هنالك تنافس داخل المؤسسة العسكرية نفسها واختلافات داخلية رغم أن العدو بالنسبة لهم واحد، توجد مناطق داخل السودان البرهان فيها هو الزعيم والأخرى فيها حميدتي هو الزعيم، وكلاهما جنيا قاعدة عسكرية وشعبية بالحرب ولم يحصلا عليها من خلال العملية السياسية”.
مشروع ضعيف:
وذكر مدني أن القوى السياسية محتاجة إلى تطوير قدراتها إعلامية، وقال: “مشروع تقدم رغم الامال التى وضعت عليه أعتقد إنه لم يحقق الغرض داخل تقدم هنالك طرفان لهما رأيان مختلفان حول الحكومة الموازية مثلًا، الحرب محتاجة لتصورات من هم الفاعلين الآن من القوى السياسية والقوى الشبابية، وكيف يعالج الانقسام بين القوى السياسية ولجان المقاومة الذي حدث بعد الانقلاب”.
ونبه عباس مدني إلى أن الاتفاق الإطاري لم يكن بسند جماهيري وهو ما جعل الحسرة والتأسي على ضياعه ضعيفًا، وقال: “الشباب الآن منخرطون في العمل الإنساني لكن لديهم تطلعات ورؤى للأوضاع السياسية والوطنية “.
وفيما يخص الحركة الإسلامية يجب ان لا نقع في فخ التقليل ولا فخ التضخيم قال مدني: “تضخيم دور الحركة بافتراض أنها كتلة صماء يتجاوز فاعلين آخرين، هم أيضًا يتحولون لأداة يتم استغلالها، البرهان ليس لديه الالتزام الكامل تجاه أي طرف”. كتلة علي كرتي وأسامة عبدالله هي الوحيدة الصلبة طبقًا لمدني لأنها مرتبطة بالأمن والعسكرة، وهي التي يجب ألا تكون موجودة ولكن هذا الأمر لديه تكلفته لأنه لديهم مجموعات متطرفة لن تتواني عن الإجرام مقابل استمرارها
علاقة شائكة
من ناحيته عقب رئيس المكتب التنفيذي للتحالف الوطني السوداني، اللواء معاش كمال إسماعيل، على حديث دكتور صلاح بالقول إن هناك علاقة شائكة بين العسكريين والمدنيين على مر العصور في تاريخ السودان، ونادى بضرورة وجود أرضية صلبة للتعامل مع بعضهما.
وذكر كمال أن العسكريين والمدنيين يتبادلون الاتهامات دائمًا حول الانقلابات، وتابع: “هناك أخطاء في التحولات السياسية في السودان، الأحزاب بعضها بدلًا من أن يطرح برنامجه ويكون قاعدة شعبية عريضة، فهو يختار الانقلاب العسكري ويحتمي بالمؤسسة العسكرية. والسؤال هنا لمَ لا يذهب إلى الناخب بدلًا عن أن يذهب إلى البندقية؟”.
وأشار إسماعيل إلى انه كان لابد من استصحاب قدماء العسكريين في كل مراحل التفاوض التي تمت وأضاف: “المواطن السوداني ثائر بطبعه يستمد حركته النضالية من المهدية وهو شعب مقاوم، الجيش أيضًا بالمقابل لديه تاريخ أثناء الاستعمار، فالكلية الحربية طالبت بتقرير مصير السودان، وكذلك قوة دفاع السودان اشترطت التوقيع على مصير السودان قبل المشاركة في الحرب، لكن بعد الاستقلال حدث خلل في التركيبة، وهذا يحتاج إلى علاج”.
وقال كمال إسماعيل: “قوى الحرية والتغيير وتقدم يتعمدون تجاوزنا رغم خبرتنا العسكرية لأكثر من 35 عامًا، وهذا اعتبره عدم احترافية منهم، لابد من وجود المؤسسات العسكرية في الدولة والمدنية، ليس هنالك طريقة بناء وإنشاء للمنظومات العسكرية والشرطية والأمنية من البداية ولكن الصحيح هو الهيكلة”.
ويقطع كمال إسماعيل في مداخلته بأن حل جهاز الأمن كان أكبر خطأ وقعت فيه القوى المدنية عقب انتفاضة أبريل، ويقول كان يجب أن يبعد منه الأشخاص غير المرغوب فيهم فقط بدلًا عن حله بالكامل، كما أن عدم معرفة القوى المدنية والسياسية لقوانين الجيش والعداء الصارخ تجاه المؤسسة العسكرية مشكلة
الرصاصة الأولى
ويضيف يجب إخلاء الأجواء وتهيئتها للقوى الأمنية والعسكرية لتقوم بواجبها بدلًا عن أن الزج بها في انقلابات والتشويش عليها. وأشار كمال إلى أن حرب المدن حرب محرمة وقال: “هي لم يبدأها لا الجيش ولا الدعم السريع، ولدينا كل المستندات التي تثبت ذلك، الحرب بدأها إسلاميون من النظام البائد للمؤتمر الوطني، ابتدروا التعبئة والتحشيد في شهر رمضان، وقائد الجيش لم يكن يعلم، بعدها هجموا على الدعم السريع في مكانهم وهذا ليس دفاعًا عن الأخير، والدليل أن المفتش العام ويعد الرجل الثاني في الجيش لم يكن يعلم بالحرب”.
ويمضي كمال إسماعيل إلى القول: “الفريق كباشي هو من أخبر البرهان باندلاع الحرب وذهب إليه في مقر إقامته وقال له له (الحرب قامت هل ستكون معنا أم لا ورد البرهان بالقبول).
ونادى كمال إسماعيل بضرورة خلق علاقة بين القوات المسلحة والمدنيين، وقال: “على الأقل العسكريين المؤمنين بفكرة الدولة المدينة مع عدم حرمان غير المدنيين من من دورهم، لبناء الدولة هناك أخطاء في العسكريين والسياسيين يجب معالجتها، نظرة منسوبي الجيش للقوى السياسية سالبة جدًا، يجب أن يكون هناك حوار مباشر لتتماشى هذه الأطراف مع بعضها”.
وفي رده على تعقيب كمال إسماعيل نبه دكتور صلاح إلى أن توازن القوى السياسية الحالية بتشكيلاتها كلها وتصوراتها للحرب وما بعد الحرب أمر مهم للغاية، وقال: “قبل الثورة وبعدها مثلًا السياسيون كانت رؤيتهم شبه موحدة وقالوا العسكر للثكنات، ولكن هل اليوم تستطيع القوى السياسية التوحد والتوازن؟ علينا أن نفكر في ما يجب أن نفعله لنعيد توازن القوى لصالح الثورة”.
وثيقة جديدة
وعقب عضو حزب الأمة القومي الإعلامي محمد الأمين بالقول: “هنالك علاقة مباشرة لكل الأطراف السياسية بخصوص تسلسل المشهد الحالي، أعتقد إنه لا يوجد هنالك انتصار عسكري ولابد من الحل التفاوضي والسياسي، لو انتهت الحرب بانتصار أي طرف فهذا يمنحه السيطرة واليد العليا علي حساب الآخرين، القوى السياسية إذا لم يكن لديها دور في إيقاف الحرب فسيكون وضعها في مأزق في المرحلة التالية”.
وكشف محمد الأمين عن أن الإسلاميين يخططون ويتحدثون عن تمكين وإزاحة القوى وتجييش الشعب وفرض رؤاهم القديمة على المشهد السياسي، وقال: “الخلاف الآن بين الإسلاميين يدور حول محورين: مواصلة المشروع الخاص بهم ليكون حكرًا عليهم أم استيعاب آخرين”. وقال: “هم ليس لديهم مركز قيادي موحد”.
وأضاف: “الإسلاميون مرروا مشروع إلغاء الوثيقة وإحلال أخرى جديدة تتضمن حل الأحزاب السياسية وتتحدث عن وضع جديد قائم علي نتائج حرب الكرامة، الحديث المتفق عليه والرأي الموحد داخل الجيش أن يحكم البرهان السودان وكذلك الدعم السريع يريد لحميدتي أن يحكم، لكن كل التكوينات من جيش ودعم سريع غير متفقة على بعض القضايا”.