“ذوو الإعاقة”.. أرواح تنتظر أصحاب الضمائر الحية..
نهر النيل- لبنى عبدالله
الأشخاص ذوي الإعاقة أكثر عُرضة للخطر أثناء النزاعات والأزمات الإنسانية، ومن أكثر المُهمشين والمُعرضين للخطر إثر الحرب التي اندلعت في السودان منتصف أبريل/ نيسان 2023.
يعيش حوالي (280) من ذوي الإعاقة، وهم نازحين من ولايتي الخرطوم والجزيرة بسبب الحرب؛ إلى محلية «الدامر» بولاية نهر النيل شمالي السودان، أوضاعًا اقتصادية بالغة التعقيد، إذ يفتقرون إلى أبسط المقومات والمراكز التأهيلية للاندماج في المجتمع.
يُعتبر هؤلاء من ذوي الإعاقة من أكثر الفئات تضررًا من الحرب، إذ يقيمون حاليًا في أعقاب عملية نزوح طويلة في قرى «المناصير» التي خُصصت المُهجرين قسريًا بعد إنشاء «سد مروي».
يعتمد الأشخاص ذوي الإعاقة حاليًا على مطابخ خيرية (تكايا) أنشأتها تلك القُرى، قوامها «شوربة عدس»، وأحيانًا «مرق» بدون لحم؛ وعلى رداءة الوجبة، يمنحون كميات بسيطة لا تكفي كل الأسر.
وعلى الرغم من إقامتهم مجانًا، إلا أن هناك مجموعة من العاملين بالعقارات ظهرت تطالبهم بإخلاء المنازل وتأجيرها لهم مقابل مبالغ مالية، ما أدى إلى بث القلق الخوف والهلع في صفوف جميع النازحين البسطاء.
صابرين
في منزل متواضع يتكون من غُرفة وفناء صغير يفتقر إلى أبسط الأثاث؛ جلست صابرين محمد النعيم (12)عامًا، على سجادة بلاستيكية ترسل ابتسامتها للقادمين، وهي لا تُبالي بالإعاقة التي أقعدتها طيلة السنوات الماضية.
تقول والدة صابرين لـ»أفق جديد»، «نزحنا من محلية بحري منطقة (السامراب) إلى ولاية نهر النيل منذ أكثر من عام، وابنتي فقدت الكرسي الذي كانت تستغله لمساعدتها على الحركة أثناء النزوح، وحاليًا لا نستطيع شراء الكرسي بسبب الوضع الاقتصادي.»
وأضافت، «نتناول وجبة واحدة في اليوم، ونناشد الخيرين والمنظمات الإنسانية لمساعدة الأشخاص ذوي الإعاقة بتوفير كرسي لابنتي ليساعدها في الحركة.»
قصص معاناة
أثناء جولة «أفق جديد» بمربع (8) القرية (6) المناصير؛ كان الجميع يركضون خلف الفتاة العشرينية «نهلة عبد الله»، (اسم مستعار) التي يشق صراخها عنان السماء، التي كانت تجري في اتجاه التُرعة (قناة مائية)، وأطفال وشباب يركضون خلفها لمنعها من محاولة الانتحار؛ وبعد محاولات مستميتة، أمسك هؤلاء بالفتاة رغم صراخها ومقاومتها ما أدى إلى تساقط بعض من شعرها الأسود في أيادي حامليها.
وفق إفادة جيران «نهلة» فإن الفتاة تُعاني من المرض النفسي بسبب تعرضها لانتهاكات في مناطق النزاع بولاية الخرطوم، فضلًا عن إصابتها بأمراض الجهاز التناسلي.
أرشدنا السُكان إلى منزل أستاذ مُحاضر بجامعة الخرطوم الذي يُعاني من الإعاقة السمعية وحاليًا لا يملك سماعة أذن تساعده على السماع بسبب فقدانها في رحلة النزوح عقب الحرب وطرقنا على باب منزله ولكنه لم يكن متواجد بالداخل ساعتئذٍ.
أما هديل جبريل (16) عامًا من الأشخاص ذوي الإعاقة الحركية نزحت مع أسرتها إلى ولاية نهر النيل. وتقول شقيقتها لـ»أفق جديد»، «أختي تحتاج إلى كرسي متحرك ليساعدها خاصة وأن بقائها داخل المنزل لفترات طويلة ربما يؤثر على نفسيتها.
وتقول المُعلمة «نجاة» في حديثها لـ»أفق جديد»، «في ظل الظروف الاقتصادية المتردية للنازحين تلاحظ أن أسر الأشخاص الذين يعانون من الأمراض النفسية هم الأكثر معاناة نسبة لعدم توفر العلاج ما يؤخر عملية الاستشفاء.»
بينما تول «ندى» لـ»أفق جديد»، «شقيقتي البالغة من العُمر (20)عامًا، مصابة بمرض نفسي وساءت حالتها عقب نزوحنا بسبب الحرب، وأصبح مرضها يشكل خطرًا عليها وعلى المجتمع من حولها لإصابتها بنوبات هياج لانعدام العلاج، الأمر الذي جعلنا كأسرة نُعاني نفسيًا لضيق السكن ورداءته وعدم توفر أبسط مقومات الحياة ونسأل الله أن تتوقف الحرب ونعود إلى الخرطوم.»
مأساة أخرى
تقول «عائشة» لـ»أفق جديد»، «كانت شقيقتي حامل في شهرها الثاني عند اندلاع الحرب وكانت أصوات القذائف عالية نسبة لقربنا من القيادة العامة للجيش وسط الخرطوم حيث نقيم الأمر الذي جعل شقيقتي وكل الأسرة تتواجد بصورة دائمة تحت أسرّة النوم لأكثر من 4 أشهر.»
وأضافت، «بعدها نزحنا وعندما أكملت شهور الحمل وضعت ابنتها بأطراف متلاصقة في الأيدي والأرجل وفقًا لما ذكره الاطباء وتقرر لها إجراء عملية لفصل الأصابع، ولكن نسبة لارتفاع تكاليفها ظلت ابنة شقيقتي بأصابع متلاصقة، ومن هنا أناشد الخيرين بالمساهمة حتى نتمكن من إجراء العملية وتمارس ابنة شقيقتي حياتها بصورة طبيعية.»
وكشف السر مصطفي خلف الله، وهو رئيس لجنة الخريجين المكفوفين من الجامعات السودانية، وعضو اتحاد الاشخاص ذوي الإعاقة السوداني، ومتطوع بالقرية (6) لحصر الأشخاص ذوي الاعاقة من النازحين بقرى المناصير، عن وجود (280) شخصًا من ذوي الإعاقة النازحين برفقة أسرهم بمحلية الدامر بولاية نهر النيل.
وقال خلف الله، وهو أيضًا مُصاب بالإعاقة البصرية لـ«أفق جديد»، «صنفنا هؤلاء وفقًا لأنواع الإعاقات على النحو التالي (150) من الأشخاص من ذوي إعاقة حركية، و(50) إعاقة بصرية، و(20) إعاقة سمعية، و(30) إعاقة ذهنية، و(30) إعاقة نفسية تتراوح أعمارهم ما بين (25 – 40) عامًا من الشباب.»
وأشار إلى «عدم توفر العلاج للأمراض النفسية ما يعمل على تردي أوضاعهم، بالإضافة إلى عدم توفر وسائل الحركة (دراجات وأطراف صناعية) للأشخاص ذوي الإعاقة الحركية والحاجة للعصاء البيضاء للمكفوفين والسماعات للصُم وأبرزهم دكتور محاضر بجامعة الخرطوم في حاجة ماسة إلى سماعة.»
وأوضح أن «العدد المحصور لا يشمل كل الأشخاص ذوي الإعاقة للنازحين من الجزيرة». وأضاف، «بدأنا في حصرهم ولكن عقب سقوط العاصمة ود مدني انقطع التواصل.»
وأضاف، «في ظل عدم وجود مراكز لتأهيل الاشخاص ذوي الإعاقة تزيد معاناتهم لجهة أن المراكز تساهم في تأهيلهم للعودة لممارسة حياتهم بصورة طبيعة.»
وناشد خلف الله «الخيرين والمنظمات العاملة في مجال الإعاقة بالمساهمة في توفير الاحتياجات الضرورية للنازحين من ذوي الإعاقة.»
طرد من السكن
كشفت مجموعة من سكان قرى «المناصير»، لـ»أفق جديد»، عن تهديدهم بالطرد من منازلهم من قبل مجموعة عاملين في مجال العقارات بهدف إعادة تأجيرها مقابل مبالغ مالية في ظل عدم قدرتهم المالية.
يقول أحد السكان تلك القرى لـ»أفق جديد»، «نناشد والي ولاية نهر النيل بالوقوف معنا كنازحين، ولا نملك مصادر دخل لدفع إيجارات شهرية.»
ويخوض الجيش السوداني، و»الدعم السريع» منذ منصف أبريل/ نيسان 2023، حربًا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 14 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أمريكية عدد القتلة بنحو 130 ألفًا.
وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب بما يجنب السودان كارثة إنسانية بدأت تدفع ملايين الأشخاص إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 13 ولاية من أصل 18.