السودان إلى أين؟ (3-3) المستعد هو المستفيد

أسهمت التقاطعات الدولية بشكل كبير في تعقيد حرب السودان عبر دعم الأطراف المتصارعة لتحقيق مصالح جيوسياسية واقتصادية، ومن بداهة القول إن قوات الدعم السريع استفادت من شبكات إقليمية ودولية توفر لها السلاح والتمويل، من خلال شبكة علاقاتها بمراكز نفوذ في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بينما يحظى الجيش السوداني بدعم من قوى إقليمية ودولية ترى فيه شريكًا للحفاظ على الاستقرار ومصالحها الاستراتيجية، كما لعبت المطامع الدولية في الموارد السودانية، مثل الذهب والمعادن، دورًا في إطالة أمد الصراع، حيث تسعى قوى خارجية لاستغلال الأزمة لتعزيز نفوذها الاقتصادي. إضافة إلى ذلك، فإن الانقسام الدولي حول كيفية التعامل مع الأزمة، سواء عبر العقوبات أو المفاوضات، جعل الحل الدبلوماسي أكثر صعوبة، حيث يتنافس اللاعبون الدوليون على التأثير في مسار الحرب بدلاً من إنهائها.
“أفق جديد” طرحت دور التدخل الدولي والإقليمي وأثرة سلبًا وإيجابًا على الحرب الدائرة في السودان التي تخطو بخطى حثيثة للدخول في عامها الثالث، في المحور الثالث من حلقة النقاش حيث بحث عدد من السياسيين والمؤثرين الذين شاركوا في الحلقة تلك التأثيرات على يوميات الحرب، دونما أن يغفلوا كيفية تحويل ذلكم الاهتمام على وقف الحرب.
ابتدرت النقاش في المحور وزيرة الخارجية في الحكومة الانتقالية د. مريم الصادق المهدي، وشمل حديثها بالتحليل مواقف دول الخليج ودعمها لأطراف الصراع، ودور مصر وإثيوبيا وإرتريا في التأثير على الأزمة، بجانب تقييم فاعلية جهات مثل الاتحاد الإفريقي في الوساطة، وهل يمكن للضغوط الدولية فرض حل سياسي؟
وقالت وزيرة الخارجية السابقة من الجيد أن تقوم “مجلة أفق جديد” بفتح موضوع التأثير الدولي والإقليمي في حرب السودان، وادعو في البداية أن تكون هناك حلقة إضافية لقراءة تلك التأثيرات على مستقبل البلاد، لأننا دائمًا ما نرتد إلى الماضي، وأخطر ما يقابلنا نحن كسودانيين هو الارتداد دومًا إلى الماضي في مقابل المجتمع الدولي الذي ينظر دائمًا إلى القادم عكسنا تمامًا.
فهم دائمًا يقرأوون الواقع كيما يحددوا مصالحهم، كيف تتم بالاستفادة من الواقع الذي أمامهم، وكيف يتم الوصول إليها، بالتالي هم أقدر منا على تطويع مشاكل الماضي ليصنعوا منها المستقبل.
ومن نافلة القول إن المستعد هو المستفيد، لدينا مقولة شهيرة تقول “القادر بسوي”، وفي ظل الشح والنقص الكبير في الموارد الذي يعاني منه العالم لابد أن يكون السودان محط اهتمام وتركيز من المجتمع الدولي.
خسارات كبيرة
وتمضي مريم إلى القول معلوم إن الإحصاءات حتى منتصف العام الماضي – وهي إحصاءات قطعًا ازدادت لاستمرار الحرب – تقول إن 12 مليون من السودانيين بين نازح ولاجئ، والذين وصلوا حد الاحتياج لمساعدات إنسانية عاجلة 26 مليون شخص وهو أكثر نصف عدد السكان، ونسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر أكثر من 70%، وفقدنا 70% من قدراتنا التصنيعية، و50% من قدراتنا الزراعية، فقدنا من 20 إلى 25% من القطاع الخدمي. وهذه أرقام متواضعة جدًا إذا قارناها بالأرواح التي فقدناها خلال هذه الحرب، الموت هناك تقديرات تذهب إلى إننا فقدنا 61 ألف شخص منهم 26 ألف في العاصمة الخرطوم. المبعوث الأمريكي توم بريليو في أواخر أيامه قال إن عدد القتلى في حرب السودان وصل إلى 150 ألف، أحد الدبلوماسيين الأفارقة وهو موجود في السودان طيلة فترة الحرب تقديراته – وأنا أثق فيها – تقول إن عدد الموتى بفعل مباشر وغير مباشر جراء الحرب يصل إلى ألف شخص يوميًا، مما يعني أننا وصلنا إلى نصف مليون قتيل، هذا من غير ما نتحدث عن الانتهاكات وأعراض النساء التي انتهكت، التي عادة ما نعبر عليها عبورًا رغم إن تصنيف العنف الجنسي عالميًا إنه أسوأ من الموت.”
اهتمام أوسع:
“طيب هل العالم مهتم بما يجري في السودان، أم أنه غير مهتم”؟ وتردف بعد تنهيدة طويلة مجيبة على تساؤلها بالقول: “حددت المجلة الإمارات، ومصر وإثيوبيا، وإرتريا، وقطر والسعودية والاتحاد الإفريقي، ياريت لو كان هذه كل المجموع الذي يهتم بالسودان ويؤثر على ما يجري فيه، هؤلاء ولا شيء بالنسبة للجهات المتقاطعة في هذه الحرب”.
وتضيف: “معلوم أن السودان هو نقطة التقاء لكل أفريقيا، ويقال إن البريطانيين في الحرب العالمية الثانية عندما أرادوا نقطة تتوسط أفريقيا كيما تكون منطقة إسناد لكل قواتهم في أفريقيا وجدوا أن مدينة كاس في غرب دارفور هي تلك النقطة فاقاموا مطارهم هناك، أيضًا الأمن المائي لما لا يقل عن 11 دولة من دول حوض النيل مرتبط بالسودان، أهمية السودان لأمن البحر الأحمر لا يختلف عليه اثنان، وغير ذلك من الأشياء التي تجعل من هذه البلاد محط أنظار العالم ومحل اهتمامه”.
مبادرات عديدة
وتناولت وزير الخارجية الأسبق المبادرات والمنابر التي أقيمت لطرح مفاوضات بين طرفي الصراع، وذكرت أن أول تدخل من المجتمع الدولي كان منبر جدة في مايو ويونيو بمشاركة الولايات المتحدة والسعودية وأطراف أخرى، واقترح آنذاك وقف إطلاق النار لإتاحة الفرصة للمساعدات الإنسانية، وأضافت أن الجولة الثانية من منبر جدة كانت في ديسمبر لبناء الثقة.
وحول دور الايقاد قالت مريم إن المنظمة الإفريقية تدخلت في يونيو وفشلت بسبب الصراع داخلها، وأضافت: “البرهان طلب اجتماعًا لكن غاب عنه حميدتي في آخر لحظة، ولاحقًا رفض البرهان نفسه محاولات الإيقاد وجمد عضوية السودان في المنظمة”، وتابعت: “في القاهرة أقيم مؤتمر دول الجوار في يوليو 2023 وانتهى دون اختراقات”.
وعرجت مريم على قرار مجلس الأمن والسلم الأفريقي رقم 1156 الذي قرر ستة أشياء أولها نص على عمل آلية تنسيقية للأطراف الدوليين والإقليميين العاملين في شأن السودان، وثانيها تحدث عن وقف فوري ودائم وشامل للعدائيات، أما الثالث فطالب باستجابة إنسانية فعالة، ونص الرابع على ضرورة الحماية للمدنيين والأعيان وتناول الخامس دور دول الجوار، وأخيرًا انطلاق عملية سياسية للانتقال تشمل الجميع بما فيهم الموقعين على اتفاق جوبا للسلام لتكوين حكومة من قيادة مدنية”.
وتناولت الدكتورة مريم الصادق دور الاتحاد الإفريقي، منبهة إلى أن الأخير كان قد بدأ في الدعوة لضرورة توحيد القوى المدنية، وأضافت: “في بداية العام الماضي حدث تقارب بين الإمارات ومصر ونتج عنه لقاء المنامة الذي تجاوز منبر جدة وتناول المسألة السياسية، غير أن المفاوضات توقفت، وفي رواية يقال إنه تم التوقيع عليها”.
وتابعت: “بعدها أقيم مؤتمر باريس وأتيحت الفرصة لعمل موائد مستديرة ولقاءات غير رسمية بين ممثلي طرفي النزاع، وفي بداية عام 2024 تم تسمية توم بريليو كمبعوث للسودان، ثم جاء مؤتمر جنيف بمشاركة أمريكا والسعودية ودعيت مصر والإمارات والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، ورفض البرهان المشاركة بسبب وجود الإمارات وبسبب عدم الاعتراف بالحكومة، لكن حدثت لقاءات غير مباشرة بين الطرفين وتمخض عنها فتح المساعدات الإنسانية بمعبر أدري”.
تركيا على الخط
واستعرضت مريم الصادق المبادرة التركية بالقول: “في ديسمبر 2024 دخلت تركيا في ميدان الوساطة، أعلنت حكومة بورتسودان والإمارات الموافقة ولم يرد الدعم السريع، ولكن وجدت هذه المبادرة حظًا من الدعم الدولي”. ورأت مريم أن مبادرة تركيا تحتاج دعم مصر لكي لا تشعر الأخيرة بالتهميش.
وحول الدور الدور الأمريكي قالت: “لم يكن ترامب يختص السودان باهتمام مميز، بالإضافة إلى أهمية مسألة تعليق المساعدات وتأثيرها على السودان، فإن ترامب رأيه غير واضح حول السودان، ولا نعرف ماذا ينوي وما هي رؤيته، وهذا دور الجبهة المدنية العريضة إن وجدت، فحينئذ عليها لعب أدوار دبلوماسية لمعرفة اتجاهات السياسة الأمريكية الجديدة”.
وتابعت: “أعتقد أن القضية السودانية مسألة أفريقية بامتياز ويجب على الاتحاد الأفريقي أن يلعب دورًا كبيرًا فيها، لكن ظلت مبادراته حبيسة الدفاتر ولم تنفذ، الخوف كل الخوف من الحرب الإقليمية، فجنوب السودان مثلًا أصبح أقرب إلى الإمارات وهذا تحول مهم كما حدث في تشاد”.
ورأت وزير الخارجية الأسبق أن المجتمع الدولي لديه مصالح مختلفة في السودان وهو يعلم أن التحول في الحرب يسير لمصلحة الإسلاميين، مشيرة إلى أن الامارات تواجه اتهامات بإشعال الحرب وتحاول الإجابة عن السؤال بالمحاولة في إطفائها، ويجب أن يكون هنالك عمل مدني في السودان.
ونبهت دكتورة مريم إلى أن الاتحاد الأوروبي من أهم المانحين للدعم الإنساني وتأثيره كبير على دول الخليج والإقليم ولكنه أقل قليلًا من أمريكا، وأضافت: “يجب أن نكون كقوى مدنية لدينا تواصل مع تركيا للمشاركة في لعب دور في المبادرة المقدمة من طرفها، لن نستطيع أن نقول إن هنالك تدخل دولي أو استعمار بدون أن نكون مشاركين فاعلين في إيقاف الحرب” .
دور المتفرج:


بدوره أكد الأستاذ كمال خالد معقبًا على د. مريم على ضرورة التأثير على المجتمع الدولي من قبل القوى السياسية والمدينة وعدم لعب دور المتفرج فيما يخص الأزمة السودانية الحالية، وقال كمال: “السؤال الذي يواجهنا الآن كيف نؤثر في المجتمع الدولي ونكون فاعلين ولا ننتظر رد الفعل”.
من ناحيته قال وزير التجارة والصناعة الأسبق مدني عباس: “يجب أن يلعب المدنيون والسياسيون دورًا كبيًرا تجاه الأزمة الراهنة، وأن تكون لهم المبادرة وقصب السبق. انتظار الأطراف الدولية لتحل مشاكلنا الداخلية يجعلنا في خانة رد الفعل بدلًا من الفعل”، وأضاف: “كلما صغر دور المجتمع المدني يكبر دور المجتمع الدولي”، وختم بالقول: “وفي سبيل ذلك علينا أن نتحلى بالدبلوماسية في التعاطي مع المبادرات الدولية طالما أن موقفنا الآن غير مبادر، يجب أن نبتعد عن لغة الحماقة ونبحث عن مصالح السودان فقط”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى