كلمة العدد 17.. نداء السلام
نعم يتقدم الجيش بثبات في الخرطوم، ومع كل تقدم يخرج علينا أحد قادته مبشرا -كما يظن- ألا تفاوض، ولا وقف لإطلاق النار إلا بعد الهزيمة الكاملة لقوات الدعم السريع، غير أنه ينسى -أو يتناسى- أن يُرفق تصريحه ذاك بخريطة زمنية محدّدة للهزيمة المرتجاة تلك.
نعم.. الجيش يتقدم؛ ومع تقدمه، الحرب في ذاتها تتقدّم وتتطوّر، ووقائعها تقول إنه ليست هناك منطقة في مأمن من تبعاتها، فالطرف الاخر يتحدث بثقة كاملة عن قرب دخول سلاح طيرانه إلى الخدمة، والصوالين تتناقل من الأخبار ما يشي بأن ما مضي من عمر الحرب لن يكون كالقادم، فالقادم بلا شك أسوأ وأكثر دموية.
نعم.. في الخرطوم الجيش يتقدّم، والجوع والإنهاك كذلك. استطالت صفوف التكايا، ودخل إلى دائرة الحاجة الذين كانوا من سنامهم يقتاتون. من كانوا يعتمدون على إعانات الأهل والأصدقاء قصرت الأيادي عنهم. العيون بصيرة، لكن من يقومون على أمر البلاد عميان البصيرة؛ لا يرون من تلك المشاهد إلا ما يريدون.
تعقّد المشهد، وتشابكت المصالح والمطامح والمطامع، وربّت الحرب حيتانها الذين لم تعد لهم أمنية إلا استمرارها؛ ليكنزوا من المال الحرام. لا تهمهم بوادر الانقسام والتفتت التي باتت واضحة، ولا يشعرون بالأيادي العابثة التي تحاول جاهدة تحقيق مآربها؛ بأن يظل السودان قابعا في بركة الدم، جاثيا على ركبتيه بانتظار من يمد له عضد العون والإعانة.
كل ذلك وغيره يدفع باتجاه واحد، هو الإسراع إلى إنهاء هذه الحرب اللعينة، إن لم يكن اليوم ففي الغد، إذ أن كل ساعة منها تغدو كما الجحيم؛ لا تطاق، ولعل في التحذير الذي أطلقه مفوّض حقوق الإنسان الأممي فولكر تورك الأسبوع الماضي أحد نواقيس الخطر التي باتت تقرع، مثلما أنّ نداء السلام الذي سيطلقه رئيس التحالف الديمقراطي لقوى الثورة (صمود)، الدكتور عبد الله حمدوك، ظهيرة الثلاثاء، هو فرصة تحتاج إلى من ينظر لها بعين فاحصة، مستصحباً ماضي ومستقبل الحرب، وما فعلته بإنسان ومقدرات البلاد، هل تستحق أسباب اندلاعها كل ما دفع، وما سيدفع من أثمان، حال استمرت؟!
معلوم أن حبال الصبر تجاه هذه الحرب بدأت تتآكل عالمياً، وسندها الشعبي الداخلي الذي كان في المبتدأ يتراجع، والأكاذيب التي قامت عليها تعرّت، وسترها انتهك، وباتت مفضوحة، لا ينفع معها الترقيع، وبات واضحا للإسلاميين الذين أشعلوها أنها لن تعيدهم للسلطة، واستمرارها سيزيد الشارع لهم كرها على كره.
ومن نافلة القول إن نداء السلام الذي سيطلق الثلاثاء ليس بعيداً عن تحركات دولية وأخرى محلية، واتصالات جرت خلال الفترة الماضية، بغرض إيقاف الحرب، والعودة الى طاولة التفاوض. ومعلوم كذلك أن هنالك عدداً من المشروعات المطروحة في هذا الصدد، وجميعها تنتهي إلى طاولة التفاوض، حتى تلك المطروحة من قبل حكومة بورتسودان. واستباقا لسيناريوهات كارثية يجب أن نعلّي من الأصوات الداعية للسلام، وننبذ أولئك الذين يريدون لهذه الحرب الاستمرار إلى ما لا نهاية.