نساء السودان ينتزعن حقهن في الحياة

في سيرة الصمود حتف أنف الدمار.. كيف واجهت المرأة السودانية عنف الطغاة؟ 

أنفقت فاطمة أحمد إبراهيم في الحياة 85 عامًا صنعت خلالها أسطورتها كرائدة للعمل النسوي

 

الزين عثمان

85 عامًا أنفقتها فاطمة أحمد إبراهيم في الحياة، صنعت خلالها أسطورة كونها رائدة العمل النسوي في السودان، والسيدة التي مهدت للأخريات طريق تحقيق تطلعاتهن وانتزاع مواقعهن في العمل العام، والمجاهرة بقضاياهن والمطالبة بحقوقهن في البرلمان، قبل ستين عامًا هزت الأمدرمانية عروش الرجال لتنتزع حقوق النساء.

من مرقدها بمقابر البكري أمدرمان ينطلق السؤال، تُرى كيف هو حال وواقع النساء السودانيات في يوم المرأة العالمي؟ حال المدينة في زمان الحرب يمنحك الإجابة عن حال نساء المدينة، في زمان الحرب معركة البقعة مع الحرب تبدو أكثر سهولة من معركة نساء السودان بعد الطلقة الأولى، منذ عامين البنادق المحشوة بالرصاص بدأت وكأنها تختار النساء لتفرغ انتهاكاتها في قلوبهن.

“نحن من ندفع فاتورة الحرب” تقول سيدة سودانية هبطت أخيرًا في دولة جارة بعد رحلة هروب مضنية، تعلم أنها لم تكن نهاية لمعاناتها وإنما مجرد بداية لمعاناة قد لا تنتهي تكمل السيدة “هذه الحرب تنهش في أجساد النساء، وفي قلوبهن معًا. أنا الآن هنا في مكان يظن البعض أنه آمن، لكن أخبروني ما هي قيمة الطمأنينة وأنا قد تركت أبنائي خلفي وسط النيران؟ وأنا حالي على سوئه أفضل من حال أخريات لا يعرفن حتى مصير أبنائهن، هل هم موتى أم لا زالوا على قيد الحياة؟ هذه الحرب مرهقة فوق ما يمكنك تخيله وحظ النساء فيها من الإرهاق أضعاف مضاعفة “.

دون كلل وبلا ملل ودون أن تنقص قدرتهن على المقاومة “ملي”، مثلما كتب الشاعر محجوب شريف، واجهت النساء السودانيات مضاعفات وانتهاكات الحرب، بل وقفن ليسندن الآخرين بضرورة مواجهتها من خلال وجودهن في “التكايا”، أو في ساحات تقديم العلاج، مشاهد لطالما رآها الناس في معسكرات النزوح في دارفور أو في قلب المدن التي تشهد مواجهات عسكرية، بل مثلّ إصراراهن على مواصلة الحياة والانطلاق من جديد أكبر انتصار على الحرب ومن يشعلون ثقابها.

انتصرت النساء السودانيات على واقعهن بنجاحهن في المناطق التي وصلن إليها مجبرات، بل بخوض غمار المشوار من أجل الوصول في ظل ظروف بالغة التعقيد وتعقيدات لوجستية وقانونية، لكن في نهاية المطاف استطاعت السودانيات هزّ عروش الحرب لينتزعن حقهن وحق صغارهن في الحياة والتعليم والصحة، وهي الأسباب التي دفعت بهن في الأساس لمغادرة مناطقهن في السودان بعد اشتعال الحرب. وبدأن حياة جديدة في بيئة مختلفة عن بيئة بلادهن، وفي ظروف ليست هي الأفضل، لكنهن استطعن العبور بأسرهن نحو بر الأمان ولو مؤقتًا.

تقول سيدة مقيمة في معسكر للجوء في “بيالي” الأوغندية عند الثامن من مارس “لا عيد لامرأة تقتلها الحرب عند كل صباح، اذهبوا وابحثوا عن الثامن من مارس في مكان آخر، هنا لا يمكنكم سوى معايشة تفاصيل البؤس المصنوعة عبر الحرب وتداعياتها”. كان حديث السيدة يتكامل وتقارير منظمات تؤكد على تردي أوضاع النساء السودانيات في ظل الحرب المشتعلة في البلاد منذ حوالي عامين. تربط السيدة احتفالها باليوم العالمي للمرأة باستعادة حياتها في العاصمة الخرطوم، وباستعادة حقها في الوطن وفي السلام، لا عيد في زمن الحرب والموت، لا عيد مع الانتهاكات وغياب الأمن وانتهاك حق النساء في الحياة، والانتهاكات الجنسية، وغيرها مما يقع على السودانيات في ظل الحرب. لا عيد يمكن انتظاره أو حتى التبشير به في ظل ما هو ماثل الآن، لا عيد وسؤال كيف تبدو حياة النساء في السودان إجابته “موت يتربص بهن من كافة الجوانب وحرب تقضي على ما تبقى من الحياة في كل جغرافيا وطنهن”.

عند اليوم العالمي للمرأة يمكن رسم صورة واقع نساء السودان تحت إطار الحرب بانتهاكاتها، أرقام يمكن تحصيل بعضها والعجز عن تحصيلها كلها، موت وانتهاكات جنسية وحرب تخاض فوق أجساد السيدات لدرجة تعجز فيها الإعلاميات المحترفات عن نقل الصورة كما هي، مشهد الانتهاكات يمكن متابعته في دارفور، في الخرطوم، في الجزيرة، في سنار، وفي كردفان، وفي كل مدينة أو قرية دخلتها الحرب، يمكن مشاهدته في مناطق احتجاز قوات الدعم السريع، مثلما يمكن رؤيته في نقاط احتجاز القوات المسلحة. في يوم المرأة ذات حرب لا جديد غير إن نساء السودان ما يزلن يسبحن في دموع الحرب وانتهاكاتها، يدفعن فواتيرها، وفي الوقت ذاته يبذلن جهدهن من أجل دفع شرها عن الآخرين.

ولو قدر لرائدة العمل النسوي في السودان السيدة فاطمة أحمد إبراهيم أن تردد كلمة لنساء السودان وهن يواجهن الحرب وانتهاكاتها، لرددت “أنتن قادرات”، ومن ثم أكملت “لستن من نار الرجال لتحرقوا، أنتن من طين النساء للبناء”.. وسلاماً على نساء السودان قاطبة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى