مكتبة عطبرة.. منارة ثقافية في مواجهة الإغلاق
إرث ثقافي على حافة الانهيار وجهود مجتمعية لإنقاذه من ركام الإهمال.. هل تنتصر جهود حماية الماضي والمستقبل؟
تأسست المكتبة المركزية في عطبرة عام 1954
وصارت موئلًا لكل الطلاب والمثقفين في المدينة
عطبرة – أفق جديد
يحتدم الصراع بشدة، بين مبادرة نفير إحياء مكتبة عطبرة المركزية وبعض مثقفي المدينة من جهة، ووزارة الثقافة الولائية ومحلية عطبرة من جهة مقابلة، بعد قرار الوزارة الصادم إغلاق المكتبة كليًا، وإيقاف النشاط الثقافي والإبداعي فيها، وتعطيل إعادة بنائها عقابيل تداعى أبناء المدينة ومثقفيها لاستعادة دورها المحوري، والجهود الضخمة المبذولة في استقطاب الدعم المحلي وجذب الناشطين والفاعلين الثقافيين في تأهيل الساحة الخارجية للمكتبة.
وأوقفت السلطات المحلية في المدينة، بحسب فاعلين ثقافيين، تحدثوا لـ”أفق جديد” عمل المكتبة، مما خلف إحباطًا وسط المبدعين والمثقفين بالمدينة، وبرزت دعوات لمناهضة القرار في ظل أجواء أمنية وعسكرية مرتبكة.
يصف الشاعر والروائي عادل سعد يوسف قرار الإيقاف بـ “المتعمد”، ومن ضمن المحاولات التي تشنها الجهات المختلفة ومِن ضمنها وزارة الثقافة الولائية على المشهد الإبداعي ويقول: “القرار يدل على ضيق الأفق وانعدام الرؤية، لا سيما أن الوزارة ظلت غائبة تمامًا عن المشهد الثقافي لما تعانيه من ضعف حضاري ومعرفي في مواجهة الآخر، وعدم استيعابها لضرورة وجود المكتبة العامَّة في الراهن الثقافي”. ويضيف في حديث مع “أفق جديد”: “المكتبات العامَّة إحدى حواضن الذاكرة المعرفية للشعوب، وهي مدونة نصيَّة تختزن تجارب هذه الشعوب ورؤاها الفكرية والجمالية، وهي منارة دالة على البُنى الحضارية للأمم”.
تأسست المكتبة المركزية في عطبرة عام 1954 بواسطة بلدية عطبرة، وصارت طوال تاريخها الحاشد، موئلًا لكل الطلاب والمثقفين في المدينة. واستضافت العديد من الفعاليات على مسرحها، ودشنت الكثير من الكتب والمسرحيات، ومعارض الكتب، منها معرض المليون كتاب 1990 والكتاب الأردني 2006 ومعرض خطيب ود مدني 2012 ومعارض أعياد الشرطة والهلال الأحمر وجمعية أصدقاء أمراض الصدر. وتعرضت المكتبة للهدم في العام 2018، بغرض بنائها بشكل حديث، لكنها تحولت إلى مكب نفايات.
تصدت منظمات المجتمع المدني، جراء الإهمال المتعمد من السلطات، بتكوين مبادرة إحياء مكتبة عطبرة المركزية، وشكلت إعلانًا تأسيسيًا لاستمرار واستكمال البناء، وحازت دعمًا واستنفارًا مجتمعيًا واسعًا لمواجهة هدم منابر الثقافة وبيعها وتعطيل بعضها قسرًا ومنعها من مزاولة النشاطات الثقافية والفكرية.
“إهمال المكتبات العامَّة أصبح من ديدن السلطات السودانية، بل إخراجها قسرًا من دائرة التنوير بوصفها بعبعًا ثقافيًّا يقوض شرعية النظام ولا يصب في صالح جماعته السياسية”. يقول عادل سعد مضيفًا: “وزارة الثقافة أوقفت كل الجهود الأهلية الحثيثة في إعادة مكتبة عطبرة ودورها الثقافي الرائد الذي لعبته طيلة تاريخها في المدينة، بحجج أبسط ما يقال عنها إنها تستبطن كثيرًا من آليات المنع والقمع”.
ويرى سعد أن بقاء واستمرارية مكتبة عطبرة المركزية يشكل علامة فارقة في مسيرة التنوير، بل يمتلك قدرة غير محدودة لغرس السودان/ الوطن في الفضاء الثقافي العالمي والإقليمي.
“لم يكن مستغربًا ما قام به وزير الثقافة والإعلام والاتصالات حيال الجهد الشعبي الذي تم في مكتبة عطرة المركزية”. يقول حسن أحمد الشيخ في حديث مع “أفق جديد” ويضيف: “بعد 6 سنوات من هدمها والفشل في إعادة المباني، وتصدى الجهد الشعبي الذي أوصل وضع المكتبة الى صوت أشاد بها المجتمع، برزت مجموعة أخرى لتنهى الجهود الحثيثة وتعيد إغلاق المكتبة، مما جعل المجتمع الثقافى يعلن حالة الطوارئ ضد مساعي منحها لأحد المستثمرين مثلما حدث لـ(مجمع البجراوية الثقافي) وبيعه لأحد البنوك، وانتهت مناشط ذات جذور ضاربة، مثل متحف التراث وصالة التشكيليين وأرشيف الصور التاريخية. لا لن نسكت ولن نستسلم”.
بدوره يقول عثمان السيد في حديثه مع “أفق جديد”: “ما أشبه الليلة بالبارحة، ففي 1959 أغلقت سلطات الحكم العسكري الأول دار رابطة أصدقاء نهر أتبرا، دون إبداء أي أسباب وجيهة”. مضيفًا: “ما يجري حربٌ على الثقافة والمثقفين”.
ويعود عادل سعد بالقول: “نفير إحياء مكتبة عطبرة المركزية، بوصفه مبادرة طوعية بذل مجهودَا ضخمًا في استقطاب الدعم المحلي على قلته، واستطاع أن يجذب عددًا من الناشطين والفاعلين الثقافيين وبعض الجهات التي ساهمت في تأهيل الساحة الخارجية للمكتبة (لا المباني)، بغرض لفت نظر الجمهور العطبراوي لأهمية هذا الصرح، وتفويت الفرصة على سماسرة وتجار الأراضي المستفيدين بصورة مباشرة وغير مباشرة من استمرارية هذه الحرب العبثية، الذين ينظرون بعين شرهةٍ لهذا الموقع المميز لتحويله إلى مشروع استثماري”.