القوى المدنية وتحديات الملاحقات عبر الإنتربول الدولي
عصام الدين عباس
في ١٩١٤ وخلال مؤتمر دولي في موناكو، اقترح قادة الشرطة الأوروبية إنشاء هيئة دولية لمكافحة الجريمة، لكن الحرب العالمية الأولى أعاقت التنفيذ، وفي ١٩٢٣ تم إنشاء “اللجنة الدولية للشرطة الجنائية” في فيينا، وتحولت في العام ١٩٥٦ إلى الشرطة الدولية للشرطة الجنائية – الإنتربول. في العام ١٩٨٩ استقرت المنظمة في مقرها الحالي في ليون الفرنسية. مهام الإنتربول تشمل مكافحة الجريمة الدولية، إصدار النشرات الدولية، وتنسيق العمل الجنائي بين الدول .
ولكن برغم سمو فكرة الإنتربول إلا أنه أسيء استخدامه في أحداث كثيرة وتعمدت بعض الدول النيل من خصومها تحت غطاء أهداف الأنتربول، وعبر مؤسساته الوطنية وآلياته التنسيقية ومن خلال تلفيق الاتهامات والتحايل على ضوابط هذه المؤسسة الهامة.
في السودان لم نكن بمنأى عن تلك السلوكيات السالبة. فمن بين أدوات السلطات الحاكمة للتضييق على القوى المدنية الداعمة للسلام والتحول المدني، استخدام آليات ووسائل هذه المؤسسة الدولية لهذا الغرض، ولعل أبرزها السعي لاستصدار نشرات حمراء في مواجهة الخصوم الأمر الذي يعرضهم للاعتقال والتسليم أو الحد من قدرتهم على الحركة لأجل مناصرة قضيتهم.
كيف نتقي خطر الملاحقات:
بلا أدنى شك فإن مواجهة القوى المدنية السلمية لمساعي السلطات لاستصدار نشرات حمراء من الإنتربول ضد قياداتها يتطلب استراتيجية قانونية ودبلوماسية وإعلامية منسقة، النشرة الحمراء لا تعني إدانة قانونية، بل هي طلب ضبط وإحضار مشروط بتوافر معايير معينة. الإنتربول لديه قواعد تحظر إساءة استخدام النشرات الحمراء لأغراض سياسية، عسكرية، دينية أو عرقية. في تقديري نحتاج أن تكون الخطوات التالية حاضرة وفي البال، فشباك التصيد ما زالت منصوبة وربما إذا كان الضحية ضعيفًا يتم اصطياده بسهولة. فإن أخطأت السلطات (أو الجهة صاحبة المصلحة) التقدير حينما حاولت اصطياد الكمرد ياسر عرمان وهم يعلمون أن مثله لا تصطاده مثل هذه الشباك الضعيفة، فقد ينجحون يومًا ما في اصطياد آخرين.
أولًا: ضرورة امتلاك القوى المدنية المعلومات الكافية حول أي نشاط مضاد يستهدفها وتصنيفه وتدقيقه ومتابعته حتى لا تتم مفاجأتهم بعمل في مواجهتهم وهم لا يشعرون، وهنا تبرز أهمية ما ظللت ألمح إليه كثيرًا وهو ضرورة بناء وتقوية قرون الاستشعار لدى هذه القوى التي تحيط بها المخاطر والتحديات من كل جانب.
ثانيًا: في حالة وصول طلبات إلى الإنتربول يتم فورًا تقديم طعون قانونية من خلال لجنة مراقبة ملفات الإنتربول (CCF)، التي تنظر في إساءة استخدام النشرات الحمراء وإثبات أن الطلبات لها دوافع سياسية أو تنتهك حقوق الإنسان والمطالبة بإلغاء أو رفض استصدار نشرات حمراء.
ثالثًا: من الضروري رفع قضايا في المحاكم الدولية أو المحلية في الدول التي يُحتمل أن تُنفذ فيها النشرة الحمراء.
رابعًا: المرحلة تحتاج إلى تحرك دبلوماسي مكثف وعبر مكاتب متخصصة والضغط عبر المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الاتحاد الإفريقي والمنظمات الحقوقية (هيومن رايتس ووتش، العفو الدولية) والتواصل مع الحكومات الصديقة لمنع التعاون مع أي نشرات حمراء مشبوهة وكسب دعم الدول الديمقراطية، حيث تمتنع بعض الدول عن تنفيذ النشرات إذا ثبت أنها ذات دوافع سياسية.
خامسًا: الإعلام يلعب دورًا جوهريًا في التصدي لمثل هذه الأنشطة الفاسدة، ومن المهم التحرك الإعلامي والتوعوي لفضح التلاعب بنظم الإنتربول عبر حملات إعلامية محلية ودولية ونشر تقارير حقوقية تثبت وتفضح استخدام الإنتربول كأداة سياسية.