” ستة أبريل” من سقوط البشير الي حرب الجنرالات.. من أهدر حلم السودانيين

 

الزين عثمان

يقول يوسف عبدالله، أحد الشباب الذين شاركوا في موكب السادس من أبريل للعام 2019 واعتصموا في القيادة حتى إسقاط نظام الرئيس عمر البشير، لـ”أفق جديد” لو أن الزمن رجع به ستة أعوام للوراء لفعل ذات ما فعل ولهتف مع رفاقه “تسقط بس”. بالنسبة له فإن النجاح في إسقاط نظام البشير أمر كان لابد منه، ويكمل أن يوم السادس من أبريل هو أجمل يوم عاشه فلا شيء أجمل من انتصار الثورة وسقوط الطغاة. وقتها استبق تجمع المهنيين السودانيين الذي قاد ثورة السودان لإسقاط نظام الرئيس البشير جموع الشعب السوداني المتحفزة يومها لموكب السادس من أبريل في العام 2019 الذي انتهى باعتصام القيادة بعبارته “السادس من أبريل ليس سدرة منتهانا بل هو درج سام نخطوه بوسع وثبات نحو تمام الوصول”. لكن بعد ست سنوات من تلك اللحظة لا يزال سؤال الوصول إلى سودان الحرية والسلام والعدالة يؤرق مضاجع السودانيين خصوصًا أولئك الذين رأوا في ثورة ديسمبر النقطة الفارقة بين عهدين. استنادًا على ما جرى من أحداث جسدتها يوميات الثورة التي انتهت بقيام مدينة السودانيين الفاضلة في اعتصام القيادة العامة الذي جسد حلم بكرة في سودان للحرية السلام والعدالة .

قبل موكب السادس من أبريل بساعات كان القيادي في حزب المؤتمر الوطني المحلول نافع علي نافع يردد “كلها ساعات ونشوف عددهم كم؟” لكن الإجابة كانت موقف لعدد من منسوبي جهاز الأمن والمخابرات قرروا أن يضعوا سلاحهم وينسحبوا من المواجهة مرددين “هذه الجموع لا قبل لنا بمواجهتها وتلك السلطة سقطت ما في ذلك شك”. في اللحظة ذاتها كان جنود الجيش يستمعون لهتافات الشوارع بقلوبهم وهي تردد “الجيش ما جيش كيزان الجيش جيش السودان شعب واحد جيش واحد” لكن ما بني في أبريل تم هدمه في يونيو حين تم فض الاعتصام ووطأت أقدام الجنود أرواح من كانوا يحتمون بهم. وهي الخطوة التي أعادت ذات سؤال الوصول للواجهة. بنجاحها في إسقاط نظام البشير وضعت ديسمبر اللبنة الأولى في بناء سودان الحرية السلام والعدالة، كيف لا وقد نجحت في تحطيم “الترس” الأعظم الذي يعترضها لكن وجد الثوار أنفسهم مضطرين لوضع المتاريس في الشوارع مرة أخرى حفاظًا على ثورتهم من أن تسرق. طوال سنوات ما بعد بيان إسقاط النظام والاحتفاظ برأسه في مكان أمن.

ذكرى السادس من أبريل في عامها الأول كان على الديسمبريين مقاومة تحويل ثورتهم لمحض محاصصات والمناداة بضرورة إنجاز السلام وإكمال هياكل السلطة الإنتقالية، وبالطبع المناداة بتفكيك بنية النظام الساقط وضرورة إنجاز ملف العدالة والقصاص لدماء الشهداء، وفي الاحتفال بذكرى العام الثاني لثورتهم كانت الصراعات الأيدولوجية قد التهمت “تجمع المهنيين” وكأنه صنم عجوة، وبالطبع لا جديد في ملفات العدالة ولا إكمال هياكل السلطة الانتقالية، يومها خرج في مواكب أبريل من أسقطتهم الثورة وهم يرددون “تسقط بس”.

وفي ذكري أبريل في عامها الثالث كان الديسمبريون يرددون ذات هتافاتهم القديمة “تسقط بس” كان عليهم تأكيد حقيقة أنهم الجيل الذي سيضع حدًا للانقلابات العسكرية في السودان، فقد انقلب عليهم العسكر مرة أخرى وأعادوهم لترديد “العسكر للثكنات والجنجويد ينحل”، وبعد أن واجهوا البشير وحزبه في ثورتهم الأولى الآن هم في مواجهة تحالف الجنرالات “البرهان وحمدان”، وفي العام الرابع كان موكب السادس من أبريل آخر مواكب سودان ما قبل اشتعال الحرب بين من انقلبوا على الثورة نفسها.

في العام الخامس عاد الاحتفال بذكرى السادس من أبريل للأسافير فلا مكان لمواكب في بلاد احتلت الحرب كل مساحاتها وتحولت لغة السلمية فيها لعنف يقوم على ثنائية “البل والجغم”، يومها وظف الديسمبريون وسائط التواصل الاجتماعي لإثبات الحقيقة أن الحرب الدائرة الآن ليست حرب كرامة ولا ديمقراطية، وإنما استمرار لمشروع تفكيك الثورة ومقايضة الناس “الأمن مقابل الحرية” وتصفير عداد ديسمبر الثورة، والقراءة من عداد حرب الكرامة التي ينشط فيها منسوبو الحزب الذي أسقطته الثورة.

في عامها السادس تواجه الثورة الاتهامات بأنها المسؤولة عن قيام الحرب في البلاد وهي الدعاية التي ينشط فيها منسوبو النظام السابق، أصحاب هذا الاتهام يحاولون خلق معادلة ارتباط ما بين الثورة وقوات الدعم السريع، المفارقة هنا هو أن توصيف الدعم السريع بأنه “مليشيا” لم يكن بواسطة من يحاربونه الآن تحت راية الكرامة وإنما هو توصيف قوى الثورة في شوارعها، كما أن المطالبة بحل الدعم السريع وتكوين جيش موحد في السودان هو أحد أهم مطالب الثورة التي وجدت الدعم السريع ولم تصنعه، التي قاومت التمكين له على حساب القوات المسلحة ممن يحاربونه الآن. الثورة لم تصنع الحرب بل ضغطت بمواكبها من أجل تحقيق السلام وموقف الثوار الرافض للدعم السريع أكثر تطرفًا من مواقف من يحاربونه الآن. “كنا في الشوارع والمواكب نطالب بحل المليشيات” يقول أحد الديسمبريين ويكمل بسؤال “هل معركتهم الآن مع مليشيا الدعم السريع أم مع قوى الثورة والقوى المدنية بشكل عام؟”.

الثورة لم تصنع الحرب لكنهم صنعوا حربهم لوضع نهاية للثورة، كانوا يظنون أنه بالحرب يمكنهم العودة مرة أخرى للتحكم في مصير السودانيين، ويحاولون توظيف الحرب الآن من أجل تصويرهم بأنهم “منقذي” الشعب السوداني وأنهم من أعادوه لمنازله بعد أن شردته المليشيا، وفي سبيل ذلك يقولون إن حرب الكرامة تجب ما قبلها وأن موقعك في المستقبل رهين بموقفك الآن.

يقول سوداني مقيم بالخارج إنه وبعد الثورة أصر على العودة من أجل المشاركة في الاعتصام من داخل الخرطوم لكنه الآن اضطر لجلب كل أهله للإقامة معه حيث يقيم بسبب الحرب التي اشتعلت بعد فشل الانقلاب على الثورة والانقسام بين من انقلبوا عليها.

يختم ذات الشاب “السادس من أبريل ليس سدرة منتهانا بل هو درج سام نخطوه بوسع وثبات نحو تمام الوصول”، والوصول محطة السودان الكبير حيث تمشي الحرية نحو العدالة وبسلام حيث لا حروب على السلطة ولا مليشيات، حيث المساواة على هدى المواطنة في دولة مدنية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى