التفكير في عاصمة جديدة

من على الشرفة

طاهر المعتصم

taherelmuatsim@gmail.com

 

عدد من دول العالم قامت بتأسيس عاصمة جديدة، (بتروجاي) أضحت عاصمة سياسية لماليزيا بديلة عن (كوالالمبور) زارها كاتب السطور قبل سنوات، البرازيل ابتعدت 1200 كيلومتر عن (ريو دي جانيرو) لتقيم (برازيليا)، وفي نيجيريا من (لاغوس) إلى (أبوجا)، مصر كادت تنهي مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، طفت بها وشهدت معالمها، وأدهشني أن تأسيسها لم يثقل كاهل الموازنة العامة للدولة.

يتوجب علينا التفكير في عاصمة جديدة بديلة للخرطوم، وهي فكرة تناولها البعض خلال سنوات وليست جديدة، الجديد أن الخرطوم قبل اندلاع حرب الخامس عشر من أبريل 2023، زادت كثافتها السكانية على حساب البنية التحتية الضعيفة، عاصمة لا يبلغ امتداد شبكة الصرف الصحي فيها إلا بضعة كيلومترات تعد على أصابع اليد، أحزمة الفقر والنزوح تحيط بها إحاطة السوار بالمعصم، بعض مناطقها تسهر في انتظار أن تأتي مياه الشرب في شبكة المياه، دع عنك مشاكل الإمداد الكهربائي، موسم الخريف له صولات وجولات يصيب فيها مدن العاصمة إصابات جسيمة.

فقر التنمية المتوازنة في أنحاء البلاد، جعلها ملجأ الكثيرين، الحروب الأهلية ودعاوى التهميش، وموجات الجفاف والتصحر، أدت لهجرات نزوح كبيرة للخرطوم، ضحايا الحروب السودانية وجدت في نزوحها للعاصمة مخرجًا، أحزمة الفقر المحيطة ببعض مدنها، أنتجت ظاهرة (الشفشافة)، وهي عمليات نهب للمصانع والمحال التجارية والمنازل إبان اندلاع الحرب، كنت شاهد عيان على تلك السرقات في الأسبوع الأول للحرب، الذي كان في العشر الأواخر من رمضان بالمناسبة، أطفال ونساء ورجال يحملون المسروقات على أكتافهم ويسيرون لا يلوون على شيء.

الآن وقد بدت أفكار التعمير، من المهم إعمار العاصمة الخرطوم، بالتوازي مع تأسيس عاصمة جديدة، وقد مررنا وما زلنا بتجربة العاصمة الإدارية المؤقتة (ببورتو سودان).

مقترحي أن تكون العاصمة الإدارية الرسمية للبلاد في وسط السودان، وليس هناك أفضل من ضواحي مدينة (سنار) المطلة على النيل الأزرق، لتكون الحكومة قادرة على الإشراف والتواصل والمتابعة مع كل بقاع السودان، ولا تحتاج إلى أكثر من ساعتين وربع بالطيران للوصول لعاصمة ولاية غرب دارفور مثلاً، ومن أجل إعادة توزيع الكثافة السكانية، عبر قيام مجتمعات عمرانية حديثة، وتحقيق تنمية في مناطق هي في أمس الحاجة.

كما أن الحضور التاريخي لـ(سنار) عاصمة السلطنة الزرقاء، أول ملامح دولة وطنية مترامية الأطراف قبل أكثر من 500 عام، يوفر قيمة مضافة للعاصمة المقترحة، والمعالم السياحية في خزان سنار وحقول سنجة ومحمية الدندر، وجبل مويه يشكل عوامل جذب سياحي، وقبل كل ذلك الموقع الاستراتيجي الذي يربطها بشرق البلاد وغربها وشمالها وجنوبها.

الاستفادة من تجربة الشقيقة مصر في العاصمة الإدارية الجديدة، تجعل من السهل القيام بالفكرة، وتحويلها إلى واقع ملموس في غضون عشر سنوات على أكثر تقدير، التمويل من الممكن من صادر الذهب السوداني، وعبر الأوراق المالية، بيوتات الخبرة الهندسية السودانية والدولية، يمكنها وضع الخطة الرئيسية (Master Plan)   مع شبكات الربط بين العاصمة الجديدة عبر الطيران، والقطارات السريعة، وشبكات الطرق.

لا يجب أن ينتظر الجميع أن تضع الحرب أوزارها، وأن لا يخشى البعض الخلافات السياسية والهواجس من اليوم الأول بعد الحرب، من المهم التفكير في المستقبل منذ الآن، والإعداد الجيد والتجهيز ووضع مصفوفات زمنية للتنفيذ، وأن تكون التنمية المتوازنة في مقدمة الأوليات، بعد إنهاء ظاهرة تعدد المليشيات ووجود جيش مهني محترف واحد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى