هداية المستنير لأهم الضوابط في الحكم بالتكفير.. رؤية تحليلية معاصرة

 

 السر السيد

الكتاب من تأليف د. إبراهيم أحمد محمد الصادق الكاروري، وهو أكاديمي ومن قيادات الحركة الإسلامية السودانية وأحد الأسماء المهمة في هيئة علماء السودان، كما شغل منصب عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة أمدرمان الإسلامية.. قدم الكتاب وقرّظه د.صلاح عوض، أستاذ التفسير بجامعة أمدرمان الإسلامية، و د. الهادي جار النبي، أستاذ الأصول والمقاصد بجامعة أمدرمان الإسلامية.

أشير بداية إلى أن الكتاب وعلى الرغم من قيمته المعرفية الكبيرة لم أجد فيه تاريخًا للنشر ولا تحديدًا لرقم الطبعة ولا إشارة للجهة الناشرة، بل ليس له رقم إيداع حتى، ولا رقم دولي.. يقع الكتاب في عدد 164 صفحة من القطع المتوسط، شاملة التقريظ والتقديم ومقدمة المؤلف والمراجع، وناقش عدد 22 ضابطًا في الحكم بالتكفير.

الضوابط.. ملاحظات عامة:

في الضابط الأول الذي جاء بعنوان: التعريف بمعاني الإيمان والكفر وموقف “الفَرَق.. ناقش الكاتب موضوعات القول والعمل القلبي والجوارح، وأن الإيمان يزيد وينقص، وأن الكفر درجات، فهناك كفر دون كفر، وأنه أنواع ومستويات، فهناك كفر الإنكار، وهناك كفر الجحود، وهناك كفر المعاندة، وهناك كفر النفاق. وأبان أن لكل واحد منها أحكامه.

الضابط الثاني وعنوانه: غياب المنهج أصل في ظهور التكفير، وناقش فيه ضرورة التأسيس المنهجي القائم على الأصول المعتبرة، وتعرض هنا إلى موضوعات الاستعلاء  الأيديولوجي على الفقهي، والتأويل الفاسد واتباع الهوى، كآليات خفية في إنتاج المعارف وتحديد المواقف والأحكام.

الضابط الثالث وعنوانه: انقسام الكفر إلى قلبي وقولي وعملي، وأشار إلى أن الكفر له أقسام وكل قسم له تميُّزه، فهناك الكفر المخرج من الملّة، وهناك الكفر غير المخرج من الملّة.

الضابط الرابع وعنوانه: للكفر شُعب كما للإيمان شُعب، ناقش فيه، فرضية ما كل من ظهرت عليه شعبة من كفر كان كافرًا،  وذكر “سباب المسلم فسوق وقتاله كفر”، والكفر هنا قطعًا لا يعني الكفر المخرج من الملة.

الضابط الخامس وعنوانه: المنزع الأيديولوجي أساس التكفير المعاصر، وقارب فيه كيف أن بعض الأفراد وبعض الجماعات يرون تفسيراتهم وتأويلاتهم نهائية، ويكسبونها العصمة ويجعلونها أساسًا لعملية الولاء والبراء.

الضابط السادس وعنوانه: لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب، وقَصَدَ أن من اتجه إلى القبلة في صلاته وجعلها قيامًا لحياته، ما ينبغي أن يوصف بالكفر بحال، وأورد لابن أبى العز قوله: “ونسمي أهل قبلتنا مسلمين ما داموا بما جاء به النبي “ص” معترفين وله بكل ما قاله وأخبر مصدقين”.

الضابط السابع: وعنوانه الحكم بالكفر له ضوابط وشروط، وأشار فيه إلى أن الولوج هنا لا ينبغي الا لمن اتصف بالفقه وتعرّف على الضوابط والشروط، كشروط تكفير “المعيَّن” وموانعه والتهيئ: البلوغ – ألا يكون مكرهًا – قيام الحجة وعدم الجهل- ألا يكون متأولًا، وضرب هنا مثلًا بالخوارج.

الضابط الثامن وعنوانه: التعريف بالكفر من اختصاص العلماء، بمعني الرجوع في ماهية الكفر وصور وقوعه من شأن أهل العلم والتأهيل الفقهي. وأشار هنا إلى (حال الذين نزعوا إلى تكفير الحكام، بل وإطلاق أحكام الكفر على عامة الناس من غير تدقيق ولا تروي، وربما نالوا قسطًا من العلم وربما اختلفوا إلى بعض الحلقات وظنوا أنهم قد حازوا العلم كله، وهذا مع عاطفة إيمانية و”استفزازات” تعرضوا لها وهم يشاهدون ما تتعرض له الأمة المسلمة من مآسٍ وويلات ولا يجدون رغم ذلك ردًا من حاكم متنفذ أو عالم مجاهر برفضه للواقع، وهذا إن شكل عذرًا لهؤلاء في حالة تشخيص الحالة إلا أنه لا ينهض عذرًا شرعيًا ولا مستندًا فقهيًا يشرع للتكفير والقتل والتفجير…). ص42. وفي السياق نفسه تعرض إلى منزلة العلم وأنواعه.

الضابط التاسع وعنوانه: معرفة واجبات الحاكم، حماية من الزيغ وعاصم من الفتن، وقد تعرض فيه إلى ـهمية نصب الإمام ومهامه وكيفية الموقف منه في حال مخالفته للشرع، مع ملاحظة أنه أشار إلى أن الحاكم في هذا العصر إنما يحكم من خلال مؤسسات إدارية ضخمة ومعقدة ولم تعد الإدارة فعلًا بسيطًا ولا أداء أوليًا ميسورًا.

الضابط العاشر وعنوانه: الإيمان عاصم للدماء والأموال والأعراض، وأشار فيه دفعة واحدة إلى أن المؤمن معصوم الدم والمال والعرض ولا ينبغي العدوان عليه بدعوى تهمة الكفر، فالكاتب يرى أن من أهم القضايا التي ينبغي أن يتوجه إليها نظر الناظر في هذه الشريعة اهتمامها بكرامة الإنسان وحفظ دينه ودمه وعقله ونسله وماله، وهو ما سمي بالكليّات، ويعتبر الإيمان العاصم الأكبر والحامي الأشمل للإنسان.

الضابط 11 وعنوانه: الحاكمية في أصلها قضية عقدية من حيث التسليم، فقهية من حيث التنزيل، وأشار إلى ضرورة التفريق بين مبدأ الحاكمية باعتباره مبدأ عقديًا وأمر التنزيل باعتباره جهدًا  فقهيًا واقعيًا، وأبان تعقيدات الموقف من الحاكم الذي لم يحكم بما أنزل الله ومن ضمن ما أشار إليه “إن الإطار العام الذي ترد إليه تصرفات السلطة من الناحية الشرعية هو إطار السياسة الشرعية، والسلطة قد يقع منها الكفر بتوصيفه الشرعي، والكفر البواح الظاهر يتمثل في الآتي:

1-كفر الحاكم نفسه.

2.كفر أفراد المسلمين واردتدادهم دون نكير من الحاكم.

3-قيام الحكم على غير عقيدة الإسلام”.

(إن مجرد أمر الحاكم للناس بمعصية، مع كون النظام الذي يحكم به يعتبرها انحرافًا عن الإسلام لا يسمى مثل هذا التصرف كفرًا، لا من الحاكم ولا من نظام الحكم، أما إذا قامت المعصية على أساس “فصل الدين عن الدولة” واستمدت من وجودها ذلك تأسيسًا عقديًا فهذا يعتبر كفرًا، وحيث ينبغى ظهور الكفر البواح الذي لا خلاف عليه فلا بد أن يصدر الحكم بكفر النظام من الجهة المؤهلة) ص76…. في السياق ذاته تعرض الكاتب لمسألة (المظاهرات) كوسيلة للاعتراض على الحاكم وأورد آراء لفقهاء معاصرين كالقرضاوي الذي يؤيد التظاهر السلمي، وكالشيخين بن باز والعثيمين اللذين لا يجيزان التظاهر جملة وتفصيلًا.

الضابط 12 وعنوانه: الحكم بانحراف الحاكم والموقف منه تضبطه قواعد السياسة الشرعية لا الفتاوى الفِرَقية، وقد عنى هنا: “إن الحكم بانحراف الحاكم وبناء موقف مبدئي من ذلك إنما ينضبط بقواعد السياسة الشرعية، وليس ذلك للفِرَق والجماعات بحكم حزبيتها وتفرقها”، وقد تعرض هنا إلى قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر/ ضرورته/ متى يجب وعلى من يجب/ وكيفية التحكم في مآلاته المحتملة.

الضابط13 وعنوانه: الولاء والبراء أساسهما مفاهيم الحب والنصرة في نصوص الكتاب والسنة، ولا ينطبق ذلك على كل علاقة من العلاقات بالضرورة… هذا الضابط تحديدًا يكاد وحده أن يشكل الأساس (الأيديولوجي للتطرف) فعبره تتحدد العلاقات مع الآخرين الذين يمكن ان يبدأوا من الوالدين وينتهوا في اليهود والنصارى والعلمانيين، بمعنى أنه مصطلح يتحرك في العام كالاستعانة مثلًا في قتال الأعداء بغير المسلم؟ ويتحرك في الخاص مثل هل تجوز تهنئة النصارى بأعيادهم؟ لذلك كما رأى الكاتب كان الحب هو اساس الولاء والبراء وما عدى الحب استثناء يقدر بوقته وطبيعته.

الضابط 14 وعنوانه: العلاقة مع غير (المؤمنين) تقوم على ضوابط فقهية تراعي حال كفرهم واختلاف أصنافهم، وذلك بسبب أن لكل صنف أحكامه الفقهية، فهناك أهل الكتاب وأهل شبه الكتاب “المجوس”، وهناك المشركون وهناك تصنيفات أخرى تشمل المحاربين وأهل الهدنة وأهل الأمان وأهل الذمة… الكاتب وهو يناقش كل هذه التصنيفات بالضرورة سيصطدم بمفهوم المواطنة وبالتالي بالدستور خاصة وأن الدستور شكّل موضوعًا مركزيًا في أسئلة الشباب السوداني المتطرف، لذلك وجدناه يفرد حيزًا مقدرًا لسؤال المواطنة فهو يقول: (… ومن هنا تأتي الإجابة على سؤال المواطنة، حيث أنها مكسبة للحقوق التى تجعل المواطن مهما اختلف معتقده أو لونه أو عرقه صاحب حق أصيل، فهو بحكم مواطنيته صاحب حقوق في كل ما يتعلق بقضايا الحفظ والحماية والرعاية، بمعنى آخر تحفظ له الحقوق من خلال القراءة المقاصدية الشاملة لحفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال). ص96.

الضابط  15 وعنوانه: الجهاد أنواع ومن مقاصده الدفاع عن الدين ودفع أذى المعتدين، ومما تم نقاشه في هذا الضابط مسألة تسليح (المجاهدين) لأنفسهم ونعني هنا الإجابة على سؤال: هل يجوز في عصرنا اليوم أن يقوم الأفراد بتسليح أنفسهم؟ أو تقوم مجموعة بتلقى المعونة المالية من أصحاب الثروة في البلاد من أجل شراء السلاح لأعضائها؟ علمًا بأن تلك الجماعات مستقلة فى تنظيمها عن الجيش الذى تنظمه الدولة!! تأمل هذا السؤال، فهناك من يرى أنه جائز في الأصل إلا أن لصاحب السلطة حق تقييد هذا الجواز إذا خاف المفسدة، وبناء على ما أورده الظواهري في كتابه (التبرئة): (فإن الإمام الغزالي أجاز لآحاد الرعية أن يجمعوا السلاح ويقاتلوا الظالم الذي لا يرتدع إلا بذلك، ولكنه ذكر أن في المسألة خلاف بين العلماء وأضاف الدكتور قائلًا: ونحن نجوّز للآحاد من الغزاة – يعني المجاهدين – أن يجتمعوا ويقاتلوا من أرادوا من فِرق الكفار قمعًا لاهل الكفر). وهو يستند هنا على جواز الأمر بالمعروف للآحاد.

الضابط 16 وعنوانه: تزكية النفس من مقتضيات الأخذ والتلقي والفتوى، والمقصود هنا أن إصلاح النفس وتزكيتها ومعالجة نوازعها من كبر وطغيان هو المدخل الأهم في أخذ العلوم وتلقي المعارف، وكيف لا وصاحب العلم والفتوى يفتي في أجلّ القضايا كالكفر مثلًا الذى ستترتب عليه أشياء كثيرة كالمنع من موارثته والصلاة عليه.

الضابط 17 وعنوانه: الفتوى في قضايا الكفر للعلماء وإصدار الحكم للقضاء، وهذا يفيد أن بيان ما يستوجب الكفر للفقهاء أما الحكم على المعيّن فهو من شأن القضاء.. ثمة إشارات في هذا الضابط لعل أهمها أن أمر الفتوى من الأمور التي أحاطها الفقهاء بالكثير من الشروط والضوابط وما تهاونوا في ذلك وكيف أن كان الأمر يتعلق بقضايا الإيمان والكفر، لذلك نُهي إن يقال (هذا حكم الله)، ومما ذكره في هذا الضابط وأرى ضرورة الإشارة إليه هو تفريق الأستاذ الهضيبي بين عمل القاضي وعمل الداعية، حيث قال: (إن عمل الداعية هو البيان من غير سلطة ملزمة أو قوة قاهرة).

الضابط 18 وعنوانه: فقه التغيير يقتضي وعيًا بظاهرة الصراع الحضاري.. تكمن أهمية هذا الضابط في أنه يؤكد على أنه لابد من الإحاطة الواقعية بالتحديات المعاصرة وقضايا الدفع الحضاري لإحسان التغيير. من جانب آخر علّق المؤلف على الاستعمار وأثره على “المستعمَرين”، وتناول مؤسسات التغيير وأشار بشكل خاص “إلى الشارع” واعتبره من أهم مؤسسات التغيير في هذا العصر، وفرّق بينه وبين “الطريق”. وقال يصبح الخروج إلى الشارع “التظاهر” قضية تدور عليها الأحكام التكليفية من فرض وندب إلى حرمة وكراهة وإباحة، كما أشار إلى أن قضية فقه التغيير فيما يتصل بأمر الحاكم قد تعقّدت لدى الأمة المسلمة لا سيما بعد أن ظهر الطغيان الغالب على منهج الحكام، وتمدد هذا الطغيان حتى غطى على مؤسسات الأمة وصادر دورها وأبطل فاعليتها.

 الضابط 19 وعنوانه: ضرورة إعمال فقه الموازنات والترجيح في منهج التغيير، وهو ضابط يفيد أن الإحاطة بفقه الموازنات وامتلاك منهجية للترجيح من أهم الدعائم لتحقيق المقصد الشرعي من التغيير، ولقد أتى الكاتب بالعديد من الشواهد على حجية الموازنة من القرآن الكريم والسنة المطهرة ومن الإجماع، كما أورد قولًا للإمام ابن تيمية هو: (وتمام الورع هو المشروع أن يعلم الإنسان خير الخيرين، وشر الشرين، ويعلم أنه ما لم يوازن ما في الفعل والترك من المصلحة الشرعية والمفسدة الشرعية  فقد يدع واجبات ويفعل محرمات، ويرى ذلك من الورع) ص133.

الضابط 20 وعنوانه: مراعاة الخلاف أصل معتبر عند أهل العلم، وأشار فيه إلى أن أهل العلم لا يكفِّرون ولا يفسِّقون جراء الاختلاف في ما هو سائغ، ولا يجعلون اختيار الحزب أو الجماعة حجة على العاملين، كأن يقولون في المسألة الواحدة آراء متغايرة، مثلًا يقول أحدهم هذه حكمها الوجوب ويقول الآخر حكمها الندب. وذكر مثالاً لهذا، مسألة التبرك بالصالحين وآثارهم.

الضابط 21 وعنوانه: لا إنكار في مسائل الاجتهاد، ويقصد أن المسائل الاجتهادية لا يُسوُّغ فيها الإنكار على أحد المجتهدين إذ كل قول يحتمل أن يكون هو الصواب، ومن هنا جاء القول المشهور “كل مجتهد مأجور”. أيضًا نبه الكاتب إلى أن أهل العلم إنما يريدون المسائل الاجتهادية بتلك المسائل المختَلف فيها التي لا يسوغ الإنكار فيها، وليس مرادهم أيُّ اختلاف، وذلك أن المخالفة – كما تقدم – قد تقع في مسألة اجتهادية، فهذه لا إنكار فيها، وقد تقع في مسألة منصوصة أو مُجمع عليها فهذه يتعيّنُ فيها الإنكار.

الضابط 22 وعنوانه: الوحدة بين المسلمين تقتضي الاقتناع بمشروعية وجود المخالِف داخل الأفق الإسلامي، ويفيد الضابط أن فكرة جمع تيارات وجماعات المسلمين والأمة الإسلامية على قول واحد افتراض يجافي الواقع قديمًا وحديثًا.. يقول الكاتب: (نعم الوحدة ضرورية وممكنة، ولكن عندما تكون مؤسَسة على رحابة الرؤية الفقهية المقاصدية المستهدية بالنص الصريح والموقف الصريح، التي تستوعب اختلاف التنوع الفاعل).

في نهاية الكتاب قدم المؤلف عددًا من التوصيات نذكر منها:

1-التنبه إلى حقوق المؤمن وعصمته وخطورة الجرأة عليه من غير مسوغ شرعي أو دليل فقهي بل وحقوق الإنسان عامة.

2-إن الحكم بالكفر حق للقاضي الذي من حقه البحث عن الدليل المثبت، والنظر في التهمة والتدقيق في الحكم وهو خلاف ما يقوم به الفقيه.

3-اهتمام الكليات الشرعية والمراكز البحثية وتوجيهها لإجراء البحوث والدراسات الأمينة والمتجردة من غير أن يقوم ذلك على دوافع سياسية أو مكاسب حزبية.

الضوابط… ملاحظات عامة:

-نلاحظ أن هذه الضوابط مجتمعة ناقشت قضية التكفير وقاربتها كقضية ذات تماس مع ما هو سياسي وثقافي وعقدي وأخلاقي واجتماعي ونظرت إليها عبر تطورها كظاهرة ظلت ملازمة لحركة التدين قديمًا وحديثًا، وقد سعى الكاتب وبمثابرة عالية للإحاطة بهذه الظاهرة بداية من تعريف المصطلحات المركزية كمصطلحي الإيمان والكفر مرورًا بأسباب الظاهرة وعلاقة التكفير بالتطرف وأهمية العلم في الحكم بالتكفير وأثر التكفير في حياة الناس، كما قارب أيضًا قضية التغيير الاجتماعي وضرورة فهم اللحظة الحضارية ومتطلباتها، كما عرج على فقه الموازنات، وفي كل هذا وغيره زاوج الكاتب بين مساهمات الإرث الفقهي والنظري في تراث الثقافة الإسلامية وبين الفكر الإسلامي الحديث، مزاوجة أقل ما يقال عنها أنها مثيرة للأسئلة والجدل مع ملاحظة استغراق الكاتب كثيرًا، خاصة في ما يتعلق بوضعية غير المسلمين في الدولة الإسلامية، وقضية الحاكم  وواجباته وحقوقه – استغراقه – فى المقاربات الفقية القديمة وقد نجد له العذر خاصة أن من يستهدفهم هذا الكتاب في الغالب لا يعترفون كثيرًا بغير هذه المرجعيات وبغير هذه اللغة.

-لاحظت أيضًا أن الضوابط التي تعرض لها الكاتب هي بالضبط أو تكاد ولحد كبير هى ما يشكل أسئلة الشباب المتطرف في السودان، وقد يشير هذا إلى قيمة الكتاب وأهميته.

-مما يزيد من قيمة الكتاب محاولته استصحاب الأسئلة الجديدة ذات الصلة بالدولة الحديثة، وذات الصلة بالتغيير كسؤال (المواطنة) وسؤال (التظاهر)، وقد يعود هذا إلى أن الكاتب أحد الفاعلين في الحركة الإسلامية السودانية التي تكاد تكون الحركة الإسلامية السنية الأولي ما بعد الاستعمار الحديث التي جوبهت بأسئلة المواطنة وحقوق الإنسان والحق في المعارضة، وهذه حزمة من أسئلة السياسة الشرعية التي تحتاج إلى فقه سياسي جديد خاصة وأن هذه الأسئلة هي ما تشكل محفِّزًا لنمو التطرف.

نهض الكتاب على حوالى الـ 72 مرجعًا ومصدرًا في شتى المعارف ذات الصلة بموضوع الكتاب، وقد جاءت متنوعة تجمع بين المصادر التراثية والمعاصرة، لذلك يستحق القراءة المتأنية المتدبّرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى