سيناريوهات مستقبل السودان

بين استمرار الحرب والتحول المدني.. الأزمة والحلول

في ندوة أفق جديد 

 

شوقي عبد العظيم

 

دكتور أحمد أبوسن يطرح الأسئلة الملحة ويضع (4) سيناريوهات للحال والمآل 

صديق الصادق : صناعة الجيوش الموازية والتفاوت الاقتصادي أسباب مباشرة لحرب 15 أبريل 

دكتور أبوسن: إعادة تموضع المجتمع المدني ضرورة عاجلة وملحة 

صديق المهدي: الحرب الحالية بين مشروع شمولي دكتاتوري ومشروع مدني ديمقراطي 

ابتدر الدكتور أحمد أبوسن حديثه في الندوة التي أقامتها مجلة “أفق جديدة” بطرح عدد من الأسئلة في مقدمتها هل الدولة في السودان قائمة أم انهارت بشكل كامل؟ و وهل هناك سلطة واحدة تسيطر على السودان؟ وبعدها انتقل د.أبوسن إلى سؤال الشرعية ومن يملكها ثم طرح سؤالا هاما وهو “من أين تمول الحرب؟”  وبعدها قدم أربع “سيناريوهات” من المتوقع أن تنتج عن الوضع الحالي ووضح موقف المدنية حولها وكذلك موقف النظام البائد والمتحالفين معه في هذه الحرب ولم يتناول دكتور أبوسن قضية وحدة القوى المدنية بشكل عابر ولكنه وضع محددات لصالح تموضعها من جديد حتى تساهم فعليا في أنهاء الحرب والتأثير في المشهد بعدها بما يفضي للتحول المدني الديمقراطي.

صديق الصادق
صديق الصادق

الأمين العام لتحالف “صمود” والقيادي بحزب الأمة القومي صديق الصادق المهدي عمد إلى تفسير أسباب حرب 15 أبريل وتوصيف أطرافها بقية التعامل معها بشكل سليم على حد قوله وأكد في ذات الوقت على ضرورة موضعة القوى المدنية موضعة تتناسب مع إفرازات الحرب مشيرا إلى مجهودات توحيد القوى المدنية من قبل تحالف صمود وتقدم من قبلها في هذا الاتجاه 

أزمة السلطة والشرعية 

في مستهل الندوة قال الدكتور أحمد أبوسن ” يتردد في الفترة الأخيرة حديث عن انهيار الدولة السودانية، ولكن السؤال يجب أن يكون هل توجد دولة حاليًا، أم لا؟ ، هل هناك سلطة واحدة تسيطر على كل السودان ؟  وإذا نظر الناس إلى خريطة السودان ستجد المسألة أصبحت واضحة. شرق السودان مع جزء كبير من وسط السودان أو ما يعرف ب” مثلث حمدي” تحت سيطرة القوات المسلحة وهيمنة قوات الدعم السريع على معظم أراضي دارفور، وبعد التحالفات الأخيرة وخاصة مع عبد العزيز الحلو تمضي الدعم السريع في اتجاه الجنوب الجديد (جبال النوبة والنيل الأزرق).

وأكثر من ذلك حتى في مناطق سيطرة إحدى القوتين المسلحات لن تجدها تبسط سيطرة كاملة على المنطقة وفي مناطق عديدة تتقاسم السيطرة مع مليشيات قبلية أو إسلامية أو حركات دارفورية أومناطقية، هذه الحالة أصبحت واضحة في شرق السودان، وفي البطانة والجزيرة وحسب ما رشح في الميديا فإن هناك حوالي 108 مليشيا مسلحة كثير منها ظهر خلال الحرب. 

أبوسن

وانتقل دكتور أبوسن إلى أزمة الشرعية وقال ” أزمة الشرعية من الصعب إنكارها وتعيشها كل الأطراف، لا توجد شرعية دستورية أو جماهيرية أو سلطة السلاح، ولا شرعية إقليمية أو دولية، وكل الجهات المسلحة التي تقاتل في الميدان متهمة بارتكاب جرائم وانتهاكات وتقول أن لديها تفويض جماهيري للقتال .

حرب استنزاف

بخصوص ما أسماه دكتور أبوسن “المأزق العسكري” قال : إذا تناولنا المأزق الأمني والعسكري في السودان خلال هذه الحرب بطريقة واقعية نجد حالة ضعف كبيرة في طرفي القتال على الرغم من محاولات إظهار القوة والتماسك، وبالنظر في داخلها ترى التفكك ومحفزات الصراعات والنزاعات في داخلها ليس بالشيء البسيط ومخاطره الآن وفي المستقبل حاضرة ولا يمكن تجاهلها وكل هذه المعطيات العسكرية الأولية تؤكد أن الحرب تحولت إلى حرب استنزاف بامتياز في ظل تأكيدات والواقع أنه لا يوجد انتصار حاسم بعد عامين من القتال ولا يلوح في الأفق شيء ينبئ بانتصار حاسم لأي طرف من الأطراف رغم محاولات تلك الأطراف ترسيخ وجودها في بعض المناطق الاستراتيجية أو الجغرافية أو مناطق نفوذ بشري أو مناطق موارد اقتصادية.

بالإضافة إلى ذلك العنف الممنهج ضد المدنيين في كل المناطق؛ المُعاناة اليومية وعدم توفير الحماية، الانفلات الأمني اليومي الذي ينتشر بشكل أسرع نتيجة لانتشار السلاح دون ضبط من أي جهة، على العكس تشجيعه في بعض الأحيان كل ذلك أنتج  أزمة أمنية عسكرية غير مسبوقة تنذر بتدهور أمني كبير.

انهيار اقتصادي وتدهور العملة

من ناحية اقتصادية  عايش المواطن انهيار الجنيه السوداني و انكماش الناتج الإجمالي المحلي للبلد، وعندما اندلعت الحرب كان الدولار يعادل حوالي 600 جنيه سوداني والآن الدولار في حدود 2,600 جنيه، مع تضخم هائل غير مضبوط يستند التجار ورجال الأعمال فيه على الظرف الأمني والندرة وهذا يقودنا إلى سؤال حول درجة تضرر البنيات الأساسية وتحطمها، وبعض الجهات تقدر خسارة البنية التحتية بـتريليونات الدولارات لذلك حتى لو توقفت الحرب اليوم تحتاج البنية التحتية والصناعية والخدمات إلى سنوات لاستعادة مستواها السابق على الأقل و الناس التي عادت إلى الخرطوم وبعض المدن الأخرى تتحدث عن عدم وجود أبجديات الحياة  واعتماد الناس على التحويلات غير الرسمية، وحتى اللاجئين  في دول الجوار والخليج يدعمون أسرهم وليس أمامهم حل غير تحويل بعض الفتات إلى ذويهم في الداخل وتحول النشاط التجاري إلى السوق غير الرسمي كليا، وتضاعفت أعداد الناس التي تمتهن مهنة بيع الشاي وهناك أسواق المنهوبات وأسواق بيع السلاح والمخدرات و الدعارة وهي ظواهر تحتاج إلى دراسة.

 وقطعا التدهور الاقتصادي نتج عنه أزمة الإنسانية نشاهد المجاعة وإرهاصاتها والنزوح والشتات في كل مكان. 

من أين تمول الحرب؟ 

هناك حديث حول “من أين تمول الحرب؟” علينا التعامل مه بجدية ومتابعة ومن حق السودانيين أن يقفوا على الإجابة بكل شفافية وحصر تمويل الحرب في  نظرية المؤامرة وأن هذه الحرب تُمّول من الخارج مضللة، و الحقيقة توجد موارد كثيرة داخل البلد، ومع انطلاق الحروب تنعدم الشفافية والمساءلة وتجير كل العائدات إلى المجهود الحربي ومن الممكن جدا أن تحدث رهونات وتعهدات اقتصادية تحت الطاولة ولا ندري عنها شئيًا مقابل تمويل طرف في الحرب؛ وكثيرا ما نسمع عن بيع موانئ وبيع أراضي وقواعد على البحر الأحمر وغيرها ويحدث هذا خلال فترة الحرب وتكتشف بعد سنوات طويلة جدا وفي الغالب تتم اتفاقات بين المتحاربين على الحفاظ على الموارد الاقتصادية  وهل سمع الناس عن هجوم طرف على آخر في مناجم ذهب مثلا  أم هذه خطوط متفق عليها وكل شخص يستمر فيما يخصه، وفي نفس الوقت تهريب الذهب يكون إلى سوق واحدة،ويمكن أن نقول أن المصالح الاقتصادية والسياسية دائما تتم حولها تفاهمات و هي محور أساسي في أن تكون الأطراف بعيدين أو قريبين من بعضهم البعض وهي من الممكن أن تشكل السيناريوهات المستقبلية للنزاع، على الأقل فيما يختص بالثروة والسلطة والموارد، والمواطن ومعيشته ونسبة الفقر.

حرب الوكالة.. دبلوماسية فاشلة

وأشار دكتور أبوسن إلى قضية تدويل حرب 15 أبريل وقال : قضية أخرى في المشهد وهو إضفاء الطابع الإقليمي على الحرب ومنذ يومها الأول؛ ومع تمددها واستمرارها تمضي نحو استقطاب  وتعقيدات أكبر  ونرى ذلك بوضوح إذا نظرنا إلى دول الجوار ومواقفها من الصراع ومن أطرافه وكذلك والدول الإقليمية الأخرى كالدول العربية والبعد الإيراني و التركي والروسي الأوكراني،ويمكن أن أسميها الحرب بالوكالة، وهي واحدة من المظاهر الواضحة جدا خلال الفترة الماضية وكل ظرف يقدم مبررات للتعامل مع دولة في المنطقة أو العالم للمساندة ضد الطرف الآخر.

ومضى أبوسن قائلا : وعلى المستوى الإقليمي هناك مبادرات من جدة والمنامة والاتحاد الإفريقي، لكن جميعها توصف بالفشل الدبلوماسي والسياسي في تصوراتها ونتائجها، وفي خلاصة الأمر فإن حرب السودان أصبحت حربًا منسية من المجتمع الإقليمي والدولي.

الصورة ليست كلها سوداء

يرى دكتور أبوسن أن الصورة وخاصة للمجتمع المدني بكل تصنيفاته ليس شديدة السودا وفيها بعض الجوانب المشرقة وقال : على المستوى المحلي رغم الاستقطاب الحاد من طرفي النزاع للفاعلين في المجتمع المدني من لجان مقاومة واللجان الشعبية والقيادات الأهلية مع هذا الاستقطاب نجد أن هناك محاولات عمل مع الجماهير على الأرض في مناطق النزاع والعنف، الصورة ليست سيئة كليا ، وهناك من يعمل مع ظروف الحرب بما في ذلك الطرق الصوفية والقيادات القبلية على تحقيق السلام الاجتماعي والخدمات التي يمكن تقديمها للمواطنين .

إعادة تموضع المجتمع المدني 

وقبل أن يتحدث الدكتور أحمد أبوسن بالتفصيل عن السيناريوهات المتوقعة قدم رؤية أكثر تفصيلا عن ما يجب أن يكون عليه وضع المجتمع المدني حتى يكون أكثر فاعلية وقال :  نحتاج إلى إعادة تموضع المجتمع المدني وفق ما يجري الآن حتى ينجح في تطبيق رؤيته ويكون لها تأثير على ايقاف الحرب وحماية المدنيين واستعادة التحول المدني الديمقراطي و لو نظرنا بكل حيادية إلى المشهد سنجد انفسنا أمام حالة تشرذم وانقسام حاد وسط السياسيين والكتل والتحالفات السياسية و في داخل الأحزاب نفسها ولم يسلم المجتمع المدني من ظاهرة الانقسامات والتشرذم و وكذلك إذا رجعنا إلى النقابات وتجمعات المهنيين سنجد انقسامات حادة وواضحة ولها تأثيرها الكبير على دور النقابابي وفي تقديري الانقسامات والخلافات داخل المجتمع المدني والنقابات المهنية رهين لحالة الانقسام في الكتل السياسية وخاصة الانقسام القديم بين رؤية الحرية والتغيير أو “تقدم” ورؤية التغيير الجذري ولكل كتلة علاقات وتقاطعات داخل العمل داخل الاجسام والكتل في المجتمع المدني والنقابات وانعكس ذلك في اجسام مؤيدة لهذا الطرف وأخرى للطرف المخالف له، وفي تقديري هو ذات تاريخ السياسة السودانية الذي أوصفه بشخصنة المواقف، وأنا موقفي هو الصحيح، ورد الفعل وعمل العكس وهي حالة خطيرة جدا وفي ظل الحرب الحالية لا بد من الخروج من الحالة الراهنة إلى حالة فيها أريحية، لأن كل الانتصارات في الثورة السودانية اتسمت بالعمل الجماعي والفرقة لن تقود إلى أي شيء هناك شبكات تعمل على المستوى القاعدي ولديها أدوار في تقديم الخدمات للمواطنين في الأحياء والمناطق السكنية وفي دور الإيواء رغم عملية القتل والتشريد والسحل والاتهامات، وعلى القوى السياسية والمجتمع المدني والنقابات التفكير في الانخراط في العمل القاعدي وسط الجماهير وما يمكن أن نصل إليه كخلاصة للواقع المتعلق بالقوى المجنية أنه معقد جدا ومتشعب ومتجدد ويحتاج إلى متابعة وملاحقة والقيادات والفاعلين مطالبين بالتموضع الإيجابي في ظل هذا الواقع 

السيناريوهات الأ{بعة 

مضى أبوسن قائلا : من الواقع وتداعياته علينا أن نصل إلى السؤال الرئيسي الذي سيضع محددات المستقبل أو اليوم الثاني للحرب وهو السؤال المباشر عن ما هي السيناريوهات المتوقعة؟ هل هناك حل قريب؛ أم حل مفروض علينا؟ حاولت رسم أربعة سيناريوهات كل الناس تتحدث عنها، ولا أعرف إلى أي مدى  ما هو الصحيح  والمرغوب فيها ولكل سيناريو تمظهراته حال تحقق على طرفي الحرب وداعميهم وعلى القوى المدنية وكذلك على الإسلاميين الداعمين للحرب أو أعضاء المؤتمر الوطني المحلول أو النظام البائد بكل المؤيدين له ولهم مصلحة في استعادته للسلطة 

السيناريو الأول: استمرار الحالة الراهنة 

  السيناريو الأول هو استمرار الحالة الراهنة الناتجة عن النزاع بكل مظاهرها وهذا يعني مزيد من العنف والموت والدمار وعدم الأمن ونمضي وفقا لهذا السيناريو في تأكيد وزيادة حالة التقسيم على مستوى السلطات لكل منطقة ويصبح وضع يتم التعايش معه، وكذلك يعزز هذا السيناريو فرص انهيار الدولة ومؤسساتها الكامل واستمرار الحروب والمناوشات مع تمدد العنف إلى مناطق الشمال والشرق والفاشر وكردفان وجميع حلفاء الجيش والدعم السريع يرون مصلحتهم في استمرار تلك الحالة الراهنة أو السيناريو الأول.

 وقطعا هذا السيناريو تداعياته استمرار الكارثة الإنسانية وحالة النزوح الجماعي، وظهور أشكال جديدة من “الكانتونات” الصغيرة. والأمل في التغيير سيكون مفقود، وتشرذم القوى السياسية والمدنية وضعفها وارد ومستمر، و الفاعلين الإقليميين والدوليين على الرغم من أنهم لن يتوقفوا غير أن تأثيرهم في هذه الحالة سيكون محدود ومن المحتمل في لحظة من اللحظات الوصول إلى إضفاء الشرعية على الواقع، لأنهم مع هذا السيناريو سوف يصلون إلى مرحلة الإنهاك ولن ينتظروا قيام “القيامة” لكي يحل السودانيين قضيتهم، وهي إحدى السيناريوهات القريبة من السيناريو الليبي، “كانتونات”، وحكومات في منطقتين أو ثلاثة وهكذا يتم التعامل معها بحجة مصلحة المواطن على الأرض.

السيناريو الثاني: انتصار طرف

 انتصار أحد الأطراف العسكرية الجيش أو الدعم السريع هو السيناريو الثاني، وخاصة أن كلاهما يتحدث عن مواصلة الحرب إلى أن يتحقق نصر ساحق،وسعيهم من خلال القتال الوصول إلى مناطق نفوذ وسلطة جديدة مما يجعل السيناريو وارد على الأقل السيطرة على مساحة جغرافية بشكل كامل، وحال انتصار أي طرف من الأطراف من الوارد تشكيل حكومة مدنية لإضفاء الشرعية على سلطته، وتداعيات هذا السيناريو هو مواصلة تصاعد خطاب الكراهية والقتل على الهوية والانتقام وتنامي العنف بشكل عام ويمكن أن يصل إلى حالة التطهير العرقي و إذ انتصر أي طرف من الأطراف فإن الوضع الكارثي سيكون مستمر،ونتيجة سيطرة طرف عسكري على السلطة سوف يؤدي ذلك إلى استمرار العزلة إقليميا أو دوليا أو استقطاب من جهات إقليمية ودولية وهو سيناريو يعمل عليه الكثيرين، وبعض الجهات الدولية المؤثرة ترى أنه يمكن أن يؤدي إلى استقرار مرحلي وهو مطلوب لجهات كثيرة لديها مصالح آنية ولا تنظر إلى مستقبل السودان نظرة استراتيجية .

السيناريو الثالث : التسوية 

السيناريو الثالث يمكن تلخيصه في التسوية، إلا أن السؤال الذي يتبادر للأذهان هل هي تسوية سياسية أم تسوية بين طرفين عسكريين؟ وفي حالة كانت عسكرية هل سيكون السياسيين معزولين عنها أم جزء منها أم ستقتصر على السياسيين من حلفاء الأطراف المتقاتلة، ويمكن أن يتحقق ذلك عبر أطراف داخلية أو دولية أو إقليمية. 

و السيناريو الأقرب في حالة التسوية في ظل هذه الظروف أن يتم فيه تقاسم للسلطة بين الطرفين العسكريين،  وفي النهاية يمكن أن يرسخ ذلك سيطرة “أمراء الحرب” مع ظواهر مدنية حكومات بشخصيات مدنية الشروع  في عملية إعادة البناء والتعمير المناورة بالانتخابات لكن في الحقيقة سيكون هناك تهميش كامل لكل الفاعلين المدنيين. 

ما تم في منبر جدة التفاوضي وفي المنامة كل يصب في وجهة التسوية بين حاملي السلاح وهذا يطرح السؤال الأساسي، أين القوى المدنية من ذلك حتى لو كانت تسوية؟ صحيح أن ذلك يشكل فرصة للهدنة ومحاولات إصلاح وإعادة البناء لكن مداه يمكن أن يكون طويل جدا وليس بالشكل السريع الذي تدعمه جهات كثيرة داخلية أو خارجية لأنه يحتاج إلى تمويل كبير. وهو سيناريو متوقع بالنسبة إلى وجود اتفاق هنا وهناك مع ظاهرة الانسحابات وهو يناسب قوى إقليمية ودولية على الاقل النظر إليه على أنه حل مرحلي مؤقت ولكن من المرشح أن يطول وهذا حدث في بلدان عديدة وكذلك يظل شبح العودة للحرب والنزاع في هذا السيناريو واردة لحد كبير .

السيناريو الرابع: اختراق مدني

 السيناريو الرابع هو المرغوب والمطلوب من القوى التي تدعو للحكم المدني الديمقراطي، يكون هناك اختراق حقيقي مدني يقود إلى انتقال يضم حكومة مدنية تتولى السلطة، لكن هذا لن يحصل بطريقة سهلة، إذا لم توجد كتلة حرجة مدنية وديمقراطية تضم كل الفاعلين السياسيين والمدنيين عليه جود كتلة مدنية قوية تفرض نفسها في المشهد شرط أساسي لتحقيق السيناريو الرابع وبناء الكتلة في ظرف هذه الحرب وبعد التجارب المتكررة لا تتم بالإرث القديم “تحرير لا تعمير” أو “تسقط بس”،ولكن بأطروحات التغيير الجذري الكامل وفق  أدبيات ثورة ديسمبر،ويجب أن نضع في الحسبان أن هذه الكتلة المدنية المؤثرة لا يتم تشكيلها بضربة واحدة ولكن عبر عملية طويلة.

 تداعيات هذا السيناريو وجود دولة مدنية تتجه نحو حكم المؤسسات الديمقراطية و يساعد في بناء أجهزة قومية مهنية وتحدد كيفية التعامل مع المليشيات والسلاح المنتشر ورجوع الجيش إلى ثكناته وحل “الجنجويد” وكل تلك الشعارات المطروحة “حرية – سلام وعدالة” وعملية البناء والتعمير ستكون أسهل وأسرع وشفافة. 

هناك جهات عديدة يمكن أن تدعم مثل هذا السيناريو، لكن بدون تقديم بناء الكتلة المدنية صاحبة الرؤية مشتركة بين أطراف الجبهة العريضة وبدون العمل المشترك لا أعتقد أن هذا السيناريو قابل للتحقيق رغم أنه السيناريو المطلوب من جهات كثيرة ومتعددة.

كيف يتحقق السيناريو الرابع

إذا كان السيناريو الرابع الذي يتماشى مع ثورة التغيير هو المطلوب سيقودنا إلى سؤال جوهري ومهم جدا، إمكانية وكيفية تمكين الفاعلين المدنيين في ظل انهيار الدولة والحرب المستمرة وكيفية إعادة تموضعها الاستراتيجي، والقضية حال عدم أخذها بشكل جاد أعتقد أن حكم ديمقراطي مدني لن يتم لنكون صريحين، وهذا يحتاج إلى تواضع الجميع حول ما يجمع الناس ويجعلهم يفكرون مع بعض واتخاذ رؤية واحدة والوصول إلى برنامج مشترك حتى لو برنامج مرحلي وعلى الأقل احترام بعضهم البعض والتواصل المستمر، ويمكن أخذ مثال “الجذريين” وتحالف “تقدم” مثلا رغم الأطروحات المتشابهة لكن  هناك فجوة وعدم تواصل واستقطاب، وإذا استمر هذا الاستقطاب فإن الوجهة المشتركة للعمل ستكون مهددة وهناك جهات كثيرة ليس في صالحها اشتغال تلك الرؤى مع بعضها البعض. والأثر الإقليمي والدولي يمكن أن يذهب في اتجاه دعم الأطراف المسلحة، أو فرض محاولات التعامل مع المؤتمر الوطني أو الحركة الإسلامية بحكم أنها جهات لديها تجربة ومتماسكة 

وهذا بطبيعة الحال يعيدنا إلى السؤال الذي كان مطروحا أيام وجود قوى الحرية والتغيير “قحت” وهو هل قيادات الثورة لديهم القدرة على إدارة الدولة ؟ تلك الأسئلة واردة ومتكررة، ونقاشها بجدية أكبر مهم جدا. في تقديري الشخصي هناك غياب رؤية استراتيجية بين المدنيين حول تكوين رؤية مشتركة، وفي النهاية رؤية جهة معينة لن يكون جاذبًا. والرؤية لا بد من طرح بديل مقبول ومستدام لأن بعض الناس يتحدثون عن مرحلة صغيرة، لكن إذا لم نفكر فيها بشمولية أكثر وتعالج القضايا الأساسية فلا معنى لذلك.

لا تزال الفرصة قائمة

الفرضية التي يمكن مناقشتها هي أنه رغم التحديات ما زال الفاعلين المدنيين لديهم دور محوري دونهم لن يتم، ويجب  استثمار هذا الدور لإعادة تشكيل المشهد السوداني بشكل جاد، وهو شرط لانتقال مدني ديمقراطي من الوضع القديم القائم على الشخصنة ورد الفعل إلى شيء يضم الناس مع بعضها البعض لبناء شيء يقدم الناس إلى الأمام، وهذا يتطلب برنامج شامل سياسي، اقتصادي، اجتماعي، وشمولية هذا البرنامج أعتقد مهم وكيف يكون البرنامج جاذب وفيه استدامة، مثل ما حدث مع تحالف “قحت” والتشرذم لعدم وجود التوافق. ويتطلب ذلك  تنازل حاد جدًا وربما تكون مؤلمة، لكن لن يصل إلى ألم الحرب والمعاناة وألم المستقبل بفقدان بلد نتيجة تمترس أناس حول رؤية محددة.

بعض الناس يتحدثون حول إمكانية لم شمل القوى السياسية وإنهاء حالة التشرذم، و والبعض يرى أن قادة القوى السياسية فشلوا الحفاظ على وحدة احزابهم في الماضي كنا نقول أن المجتمع المدني قادر على لم شمل الجميع رغم مشاكله إذا تمكن من الظهور بشكل متماسك وموحد وهناك تجارب كثيرة للقوى المدنية.

المطلوب في المرحلة

المطلوب التواصل مع القوى السياسية والكتل والأحزاب لإنجاز رؤية في إطار عمل تنسيقي أو تنظيمي مدني إضافة إلى العمل بشكل مؤسسي وإنجاز هذه الاشتراطات يتطلب نفس طويل ولن يتم بالشكل الميكانيكي و يحتاج إلى جهد أكبر وقناعات والاهم من ذلك التواصل مع المواطنين ومشاركتهم الهموم الآنية والمستقبلية أو حتى الاستراتيجية ، وأقول بوضوح شديد إذا كان العمل فوقي فقط  نسبة النجاح ستكون ضعيفة جدا، لكن إذا التصق بقوى على الأرض فإن رأيهم سيكون لديه درجة من الأهمية والقبول بإختصار يجب أن ننتج خطاب شعبوي يشترك فيه الشباب والنساء ورجال الطرق الصوفية وزعماء الإدارة الأهلية والمفارقة هم أصحاب مبادرات تحتاج تشجيع القوى المدنية والدفع معهم إلى الأمام .

لا مفر الخيار وحيد

السيناريو المطلوب شعبيا يصعب تحقيقه، لكن ليس هناك مفر منه إذا كنا ننشد قيام دولة مدنية ديمقراطية فيها استدامة للسلام والتنمية. التحدي هذا يجب أن يضعه الناس في أولويات عملهم، ويحتاج إلى عمل كبير وليس مستحيل من خلال تجارب السودانيين ونضالاتهم. وهذا سيناريو نتائجه ستكون ممتازة فيما يتعلق بوقف إطلاق النار ووقف الحرب وتشكيل الحكومة المدنية وتحقيق العدالة وإعادة بناء الدولة وكل القضايا التي نتحدث عنها، وهي قضايا تهم القوى الفاعلة وموجودة في أطروحاتها وادبياتها، فما الذي يجعلها لا تعمل تجاه تلك القضايا والأجندة؟ هذا هو السؤال الذي يهم الناس كلها، قيادة هذا التحول أعتقد يكون مشروع وطني ديمقراطي جامع دون وجود الإقصاء الحاد لبعض الناس، خاصة وأن المجتمع يضم مكونات أخرى حتى إذا تناولنا الحركة الإسلامية وهل يمكن استقطاب جهات في داخلها أم نحن لا نعرف. وهل يمكن استقطاب الناس الذين يتحدثون عن الحكم المدني إلى وجهة جامعة، يعني أن الإقصاء الحاد يستعدي جهات.

قيادة التحول عبر مشروع وطني جامع بتمثيل المركز والهامش وكل الأطروحات الكثيرة هي لحظة مفصلية في تاريخ السودان إذا لم ينتبه الناس والخطاب يكون فيه درجة من الوضوح، ولا بد من بذل جهود لإيجاد بديل وطني جذاب وعملي موحد ومشترك.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى