الصراع السياسي في السودان ينتقل إلى مرحلة جديدة

 

حاتم أيوب

يتنقل الصراع السياسي في السودان بين أبعاد اجتماعية وثقافية واقتصادية، ثم يتخذ طابعًا إثنيًا جغرافيًا ودينيًا. وفي حقيقته، يظل صراعًا سياسيًا هدفه السيطرة على السلطة والحكم في السودان.

السبب الأساسي لهذا الصراع يعود إلى تعدد التشكيلات، سواء أكانت مدنية أو مسلحة مطلبية، أو ذات مرجعية أيديولوجية، التي تُشكّل قوى المعارضة. وغالبًا ما تتفق هذه التشكيلات في أطروحاتها على ضرورة الحفاظ على وحدة السودان، ومعالجة جذور أزمته السياسية، والتحرر من قبضة السلطة المركزية، وتحرير الحكم من سيطرة القوى ذات الطابع الديني والطائفي والاجتماعي، والسعي نحو إعادة تأسيسه.

لم تسعف الظروف السودان حين تحوّل الصراع من أشكاله القديمة إلى صراع ديني بعد وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة. حينها انفصل الجنوب عن الشمال، وأصبحت هناك دولتان. غير أن الصراع لم ينتهِ، فالمشكل السوداني بتنوعه لم يكن محصورًا في الجنوب فقط، بل إن الغرب والشرق والوسط، بتركيباتهم المتعددة، ساهموا في استمرار النزاعات والحروب.

استمر الصراع بين القوى المدنية والعسكرية حول السلطة المركزية، التي تحولت منذ عام 1989 إلى قبضة الإخوان المسلمين، مما منح الدولة طابعًا عسكريًا أيديولوجيًا. وظلت هذه الحال حتى تم إسقاط سلطتهم عبر الثورة الشعبية في 2018.

لكن الصراع المسلح تجدد، واندلعت حرب أخذت طابعًا مختلفًا عن السابق، إذ تمركزت في قلب السلطة، في الخرطوم، بدلًا من الأطراف البعيدة، ولم تنطفئ حتى الآن. لقد نقل هذا الصراع السودان إلى مراحل أبعد، بعد فشل المفاوضات بين المتمردين والسلطة المركزية، وفشل عدد من الاتفاقيات مع فصائل التمرد المسلح والمعارضة السياسية، التي تعثّر تنفيذها وتحقيق أهدافها، وعلى رأسها السلام.

في هذه الحرب، تبدّلت المعادلات: لم يعد الأمر يتعلق بالمشاركة والامتيازات والتمييز الإيجابي كمستحقات ضمن صياغة السلطة القائمة، بل بات الأمر مرشحًا لإنتاج سلطة كاملة جديدة، ليصبح في السودان سلطتان داخل دولة واحدة. وهذه هي المرحلة الجديدة.

وإذا ما كان هناك تفاوض لحسم النزاع، فسيكون مختلفًا عمّا مضى، وفقًا للمعطيات والأدوات المستخدمة الآن في إدارة الصراع. فبدلًا من التفاوض حول المكاسب والمظالم والمشاركة في السلطة، قد نشهد إعلان سلطة أخرى وفق ما يجري حاليًا.

 

إنها مرحلة جديدة ينقل فيها الصراع إلى واقع مغاير، وإذا انطلقت مفاوضات جديدة، فستبدأ بوفدين من سلطتين، وليس وفد سلطة ووفد معارضة كما اعتادت الأدبيات السياسية السودانية.

ومن هنا، فإن الأمر يقتضي أولًا التفاوض حول كيفية توحيد السلطتين:

 هل يفتح هذا الباب أمام تأسيس نظام فيدرالي بديلًا عن القبضة المركزية؟

وهل يسمح بتقاسم القرارات والتخطيط بصورة جماعية، وفق الفيدراليات المكونة للدولة الجديدة؟

وهل يغيّر مفهوم المنح والعطاء والمكاسب التي كانت تُستخدم كأدوات تفاوضية في السابق؟

لا تزال المخاطر قائمة وقد تؤثر على وحدة السودان، إذا لم تتوفر الإرادة السياسية وقوة الفاعلين في التفاوض لتوحيد السلطتين، اللتين أصبحتا واقعًا مفروضًا.

هنا، تبرز إرادة السودانيين كعامل حاسم في بقاء دولتهم موحدة. فرغبتهم في تأسيس دولة عادلة وموحدة ومتساوية هي ما يُجبر الجميع على العودة إلى منصة تطلعات الشعب السوداني. وتبقى شعارات “الحرية، السلام، العدالة” راسخة ومسموعة، رغم تفشي الصراع في مرحلته الجديدة. إنها الفرصة الأخيرة لمخاطبة جذور الأزمة.

ورغم أن الحرب ستتوقف يومًا ما، فإن إطالة أمد الصراع، واستمرار الخطاب السياسي والإعلامي المنحرف لبعض الجماعات، سيؤدي إلى تباعد الوجدان المشترك، ويُهدد وحدة السودان.

تلك هي التحديات الكبرى التي تواجه السودان والسودانيين، في ظل تنقّل الصراع المستمر، الذي بلغ ذروته الآن… نعود.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى