القرارات الأمريكية ضد السودان وتشكيل اللجنة الوطنية من قبل البرهان

بين العزلة الدولية ومشروع السلام المعطّل

 

حاتم أيوب أبو الحسن

في تطور جديد على الساحة السودانية، فإن القرارات الأمريكية بشأن السودان، واتهامها باستخدام المواد الكيميائية المحظورة دولياً في الحرب الدائرة، التي تُقدَّم لها أدلة قوية لإثبات مكان القرار، يعيد السودان مرة أخرى إلى دائرة العزلة الدولية والإقليمية، وهي العزلة التي عانى منها طويلاً منذ عام 1989.

لقد أعادت الثورة السودانية البلاد إلى النادي الدولي، غير أن تلك العودة لم تدم طويلاً، إذ يعود السودان اليوم نحو العزلة الدولية مجدداً.

إعلان موقف السلطة القائمة من مكان الاتهام دفع الفريق أول عبد الفتاح البرهان إلى تشكيل لجنة وطنية لتقصي الحقائق حول القرارات الأمريكية. ويطرح هذا التحرك تساؤلات:

هل لا يزال يقرأ البرهان من الكتاب القديم الذي فشل في إخراج السودان من عزلته في الماضي؟

أم أنه يحاول التنصّل من المسؤولية وتوريط أحد الأطراف المقاتلة معه؟

أم أن التاريخ سيُعاد من خلال تكذيب القرار والدخول في تحدٍ جديد مع واشنطن، ما يُعرض السودان لعقوبات أشد؟

أم أن رغبته في السلطة تدفعه للبحث عن كبش فداء من بين حلفائه، ممن تعرف الولايات المتحدة دورهم في الحرب وتفاصيل توريد المواد في موضع الاتهام؟

البرهان يبحث عن مخرج آمن، ربما يتمثل في العودة إلى منبر مفاوضات جدة. لكن الملفات المطروحة ليست مرهونة فقط بأروقة واشنطن، بل هي مرتبطة بأولويات إنهاء الحرب أولاً. أما الملفات الأخرى، فستبقى مؤجلة حتى تعود البلاد إلى السلام والتأسيس من جديد.

في الأفق القريب، من المتوقع أن تُلقي القرارات الأمريكية بظلالها على المشهد السياسي السوداني، وهو ما يتطلب من قائد الجيش أن يُدرك حجم اللحظة قبل التورط في مواجهات أو تشكيل لجان هدفها نفي ما بات مؤكداً لدى الدوائر الأمريكية، التي ترى أن وقف الحرب ومعالجة معاناة السودانيين تمثل الأولوية القصوى.

تشهد الساحة الدولية تصعيداً متزايداً تجاه السودان، في محاولة لإعادة الملف إلى واجهة الاهتمام الدولي، ودفع الأطراف نحو العودة إلى طاولة التفاوض. وإن لم يدرك أطراف الحرب هذا الواقع واستمروا في المنطقة الرمادية، فإن أمريكا قد تلوّح هذه المرة بـ الكرت الأحمر، أي تدخل مباشر ضد من يعيق السلام واستكمال مشروع التحول الديمقراطي.

ذلك المشروع، في جوهره، لا يقتصر على الجانب السياسي، بل يتطلب عمليات اجتماعية وثقافية واقتصادية معقدة، ويستلزم رغبة حقيقية في التأسيس والبناء الهيكلي الوطني، ليكون السودان جزءاً من عالمٍ يسوده السلام والاحترام المتبادل.

نعود…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى