ارتفاع أسعار الذهب يرفع حجم التهريب في السودان
فايننشال تايمز
ترجمة “أفق جديد”
تشهد أسعار الذهب القياسية ارتفاعًا غير مسبوق، ما أدى إلى طفرة في نشاط التعدين في السودان، الأمر الذي أتاح مصدرًا حيويًا لتمويل أطراف الصراع المتناحرة في البلاد. فقد وصل إنتاج السودان من الذهب في العام الماضي إلى أعلى مستوياته خلال ست سنوات، مدفوعًا بزيادة أعداد المُعدّنين التقليديين وتوفّر المواد الكيميائية المستوردة المستخدمة في التعدين، وفقًا لتقريرين جديدين.
ووفق تقديرات منظمة “سويزايد ” (Swissaid)، بلغ إنتاج الذهب في السودان نحو 80 طنًا العام الماضي، بما تتجاوز قيمته 6 مليارات دولار، ما يجعل السودان من بين أكبر أربعة منتجين للذهب في أفريقيا. إلا أن أكثر من نصف هذا الذهب يُهرَّب إلى خارج البلاد، خاصة إلى دول مثل الإمارات العربية المتحدة وروسيا، بحسب التقرير.
ويُعدّ الصراع على السيطرة على موارد الذهب أحد المحركات الرئيسة للحرب الأهلية التي اندلعت في أبريل 2023، نتيجة صراع على السلطة بين حلفاء سابقين: القوات المسلحة السودانية (الجيش) وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”.
يقول إيفان شولتز، مسؤول البرامج في “سويزايد”: “عندما اندلعت الحرب، توقف قطاع التعدين تقريبًا، وبلغ مستوىً شبه معدوم من النشاط، لكنه سرعان ما تعافى وأصبح مصدر تمويل حاسم للطرفين”.
وقد أسفرت الحرب حتى الآن عن مقتل أكثر من 150 ألف شخص، وتشريد أكثر من 12 مليونًا، في حين تحذّر وكالات الأمم المتحدة من مجاعة وشيكة.
ويقول أحمد سليمان، الباحث الأول في شؤون أفريقيا لدى “تشاتام هاوس”: “رغم أن قطاع الذهب يوفر سبل العيش لمليون شخص، إلا أن هذه الموارد تُستنزف لتدمير البلاد، ولشراء الأسلحة، وتسهم في تمزيق السودان”.
وكان الذهب قد أصبح المصدر الرئيسي للعملة الصعبة لنظام الخرطوم السابق بعد انفصال جنوب السودان المنتج للنفط عام 2011. ووفقًا لوزارة المعادن السودانية، يساهم قطاع التعدين بنحو 60% من صادرات المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش.
ورغم فرض بعض العقوبات، مثل تلك التي أعلنتها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن هذا العام على شركة مقرها الإمارات اتُهمت بشراء الذهب من السودان، لا يزال القطاع ينمو بوتيرة متسارعة.
وأشار تقرير حديث صادر عن مركز C4ADS الأمريكي إلى أن استهداف سلاسل الإمداد المحلية التي تُغذّي إنتاج الذهب قد يُشكّل وسيلة ضغط فعالة على الأطراف المتحاربة. وتقول دينيز سبرمونت-فاسكيز، مديرة البرامج في المركز: “المعادن، التي شكّلت تاريخيًا مصدر تمويل رئيس للجيش والدعم السريع، تمثل نقطة ضغط متنامية لكنها لم تُستغل بعد”.
وأضافت أن السودان يفتقر إلى القدرات الصناعية لإنتاج مواد كيميائية أساسية في التعدين مثل السيانيد والزئبق، ما يجعل من سلسلة استيراد هذه المواد مدخلًا محتملاً للحد من استمرار النزاع.
ويمثل التعدين التقليدي نحو 90% من إنتاج الذهب السوداني، بينما لا تزال شركات تعدين كبرى تواصل عملياتها رغم الحرب. ففي دارفور، تُعد منطقة “سونغو” الغنية بالذهب – والخاضعة لشركة “الجنيد” التابعة لعائلة حميدتي – مصدرًا رئيسيًا لتمويل الدعم السريع، رغم أن “الجنيد” تخضع للعقوبات الأمريكية منذ 2023.
وفي المقابل، تعمل ستة مناجم كبيرة على الأقل في شمال البلاد ضمن مناطق خاضعة لسيطرة الجيش، وفقًا لـ C4ADS. وتعتمد هذه المناجم الكبرى على مواد كيميائية مثل السيانيد، وتشير سجلات تجارية إلى أن شركات من الصين والإمارات وألمانيا قامت بشحن كميات من السيانيد إلى السودان خلال العامين الماضيين.
ويقول ساشا ليجنِف، المستشار السياسي البارز في منظمة “ذا سنتري” (The Sentry): ” مع ارتفاع أسعار الذهب، نشهد ما يشبه حمى الذهب في مناطق يُستخرج فيها الذهب بشكل غير قانوني، ومن ضمنها السودان”. وأضاف: “من السهل حاليًا تهريب الذهب وتصديره، وغالبًا ما تكون وجهته الإمارات”.
في هذا السياق، اجتذب قطاع التعدين العديد من رجال الأعمال، بعد أن انهارت قطاعات اقتصادية أخرى في السودان. وتشير فايننشال تايمز إلى أن الحرب دخلت مرحلة خطيرة هذا العام، بعدما استعاد الجيش السوداني، بدعم من ميليشيات إسلامية حليفة وطائرات تركية مسيّرة متطورة، مناطق واسعة، بما في ذلك العاصمة الخرطوم. أما الدعم السريع، فقد انسحب إلى دارفور، حيث شنّ هجمات مضادة باستخدام طائرات مسيّرة صينية الصنع، يقول محللون عسكريون إنها حصلت عليها عبر داعميه المفترضين في الإمارات.
واستهدفت هجمات الدعم السريع منشآت حيوية مثل خزانات الوقود، ومحطات الكهرباء، وسدود المياه، ومطار بورتسودان، الذي يشكل مقرًا رئيسيًا للجيش خلال فترة الحرب.
ويضيف أحمد سليمان من “تشاتام هاوس” أن شبكات التجارة العسكرية المسيطرة على تجارة الذهب قديمة ومتجذّرة، وسبق وجودها اندلاع الحرب الحالية. وقد توسعت هذه الشبكات بانضمام رجال أعمال سعوا وراء الفرص المتاحة في قطاع الذهب بعد انهيار الاقتصاد.
ويختتم سليمان بالقول: “خلق الشفافية حول الذهب القادم من مناطق النزاع أمر ضروري، ويتطلب كشف وتعطيل تلك الشبكات، والتعرف على الشركات المتورطة، وسلاسل التوريد، ومن ثم استهدافها قدر الإمكان في مراكزها الرئيسة”. لكنه يحذر: “يتطلب ذلك تنسيقًا دوليًا محكمًا، وهو أمر يصعب تحقيقه في ظل الأوضاع الجيوسياسية الراهنة”.
هذا ولم ترد كل من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع على طلبات الصحيفة للتعليق