بين البارود والإغاثة

 

كيف تغيّر الحرب السودانية وجه العمل المدني والإنساني؟

أفق جديد

تقرير أعدّه الباحث عبد المنعم الجاك لصالح شبكة سيداك

بينما تدخل حرب السودان عامها الثالث، تتسع المأساة ولا يزال الأمل معلّقًا في ضوء خافت خلف دخان المعارك المستمرة. الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، قلبت الموازين وأعادت رسم خريطة البلاد سياسيًا وإنسانيًا، لتنتج واحدة من أعقد وأخطر الأزمات في العالم المعاصر.

وسط هذا الانهيار المتسارع، يقف المجتمع المدني ومنظومات العمل الإنساني في مواجهة مفتوحة مع العنف، يتشبثون بحضورهم الهش وسط ركام المدن وحرائق النزوح. ومن قلب هذا المشهد الكارثي، تسعى شبكة سيداك العالمية، عبر هذا التقرير الذي أعده الباحث السوداني عبد المنعم الجاك، إلى تشخيص التحولات العميقة التي أصابت البنية المدنية والإنسانية في السودان، ووضع خارطة أولية لما يمكن إنقاذه في بلد يتشظى كل يوم.

مساحات مكسورة ومبادرات تقاوم

لم تكن الحرب مجرد معارك مسلحة على السلطة، بل شكلت زلزالًا عصَف بالفضاء المدني، وقلّص من قدرات المنظمات المستقلة، وشرد الكوادر، وفرض واقعًا جديدًا تعمل فيه الجهات الإنسانية تحت أربعة أنظمة سلطة متنازعة. ورغم ذلك، برزت مبادرات من القاع، من مطابخ شعبية وغرف طوارئ ولجان أحياء، واجهت اللاممكن بإمكانات ضئيلة وروح متشبثة بالحياة. في تلك المساحات المنسية، تشكّل نوع جديد من الفاعلين المحليين، لا يطلبون الضوء بل يزرعونه في العتمة.

التشظي لا يلغي التضامن

رغم أن الحرب أفرزت انقسامًا جغرافيًا وأمنيًا واضحًا، إلا أن القيم الإنسانية ظلت قادرة على تجاوز خطوط النار. منظمات المجتمع المدني ذات الخبرة التاريخية، رغم معاناتها من التهجير والاستهداف، وجدت نفسها أمام واجب إعادة التموضع، ليس فقط جغرافيًا، بل أخلاقيًا كذلك. الدعوة التي يطرحها التقرير هنا هي اعتماد مقاربات لا مركزية، تعترف بالانقسام، لكنها لا ترضخ له، وتبني على المعرفة المحلية، لا على نماذج فوقية مستوردة.

ضرورة حماية المستجيبين الأوائل

المستجيبون الأوائل ليسوا جنودًا يحملون سلاحًا، بل مواطنون يحملون ماء الحياة إلى العطشى، ومعلومة نزيهة وسط فيضان التضليل. هؤلاء يتعرضون يوميًا للابتزاز والترهيب والملاحقة، في ظل عسكرة متزايدة لمجال العمل الإنساني، وتسليع متعمد للمساعدات. ومن هنا، يوصي التقرير بإطلاق حملات حماية شاملة، تشمل الدعم النفسي والمالي، وبناء مهارات التفاوض والتأقلم، إلى جانب توفير بدائل اتصال آمنة ومستقرة، في ظل الانقطاعات الواسعة في الكهرباء والإنترنت.

نداء للتنسيق المشترك

لا يمكن للمساعدات أن تتنقل في طرق مقطوعة بالحواجز، ولا للأفكار أن تنتج أثرًا في غرف مغلقة. يقترح التقرير إنشاء مجلس مشترك يضم ممثلين عن وكالات العمل الإنساني الرسمية في مناطق السيطرة المختلفة، إضافة إلى قيادات المجتمع المدني المحلي، لتبادل المعلومات، وتنسيق المناصرة، وبناء جبهة إنسانية موحدة في وجه التسييس والتشظي.

ما هو مطلوب من الأطراف المتحاربة؟

أن تكف عن استخدام الطعام كسلاح، وأن ترفع يدها عن المنظمات المدنية، وأن تحترم حق الإنسان في البقاء. هذه ليست شعارات، بل مسؤوليات قانونية وأخلاقية. التقرير يدعو الأطراف كافة إلى فتح قنوات تواصل مدنية مع الفاعلين الإنسانيين، ووقف التدخلات الأمنية والإدارية التي تشل العمل الميداني، وضمان حياد واستقلال العمل الإنساني وعدم استخدامه للدعاية أو الابتزاز السياسي.

على المجتمع الدولي أن يرى الصورة كاملة

المشهد في السودان لم يعد يتسع لحلول رمزية أو خطابات مؤتمرات. ما هو مطلوب اليوم، وفقًا للتقرير، هو أن تعكس الاستجابات الدولية تعقيدات الواقع السوداني، بكل انقساماته وتناقضاته. دعم المنظمات القاعدية، الاعتراف بالتنوع داخل المجتمع المدني، إدماج التحليل السياسي في العمل الإنساني، وتبني شراكات متكافئة بدلًا من علاقة المانح والمنفذ. هذه ليست خيارات، بل شروط أخلاقية لأي تدخل يُرجى منه الأثر.

مؤتمر لا بد منه

يدعو التقرير إلى تنظيم مؤتمر دولي حول الأزمة الإنسانية في السودان، لا يقتصر على الجوانب المالية، بل يضع المجتمع المدني المحلي في قلب المعادلة، ويعيد تعريف الأولويات من داخل الواقع، لا من مكاتب التخطيط في العواصم البعيدة. مؤتمر تكون فيه أصوات الغرف القاعدية هي المحور، ويكون فيه السرد الإنساني هو البوصلة.

شفافية التوزيع ضرورة أخلاقية

لم تعد صور أكياس الإغاثة في الأسواق أو عند الجنود مشاهد عابرة. هي دليل على انحدار في أخلاقيات العمل الإنساني. ولذا، يقترح التقرير أن تُنشأ آليات مراقبة مبتكرة وشفافة، تمنع تحويل المساعدات لأدوات حرب، وتعيد ثقة المجتمعات في جدوى الدعم الدولي.

المحاسبة ليست ترفًا

العدالة ليست فقط في ساحات المحاكم، بل في كل قافلة إغاثة لا تصل إلى مستحقيها، وفي كل منظمة تتعرض للنهب والتسييس. يدعو التقرير لفرض عقوبات ذكية على من يسيئون استخدام العمل الإنساني، وإنشاء قنوات مستمرة للتواصل بين الهيئات الدولية والتحالفات السياسية لضمان تفعيل دورهم في دعم الميدان، لا في الاكتفاء بالتفرج.

نص التقرير كاملا على  الموقع الالكتروني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى