الفشقه تشتعل

تغول إثيوبي وصمت سوداني

أفق جديد

 

عادت مرة أخرى قضية “الفشقة” على الحدود بين السودان وإثيوبيا إلى الواجهة، إثر تعديات خطيرة مارستها “الشفتة” الإثيوبية استهدفت الأراضي الزراعية للمواطنين السودانيين، امتدت إلى نهب المواشي والممتلكات الخاصة.

تنقسم منطقة النزاع الحدودي بين السودان وإثيوبيا إلى 3 مناطق: “الفشقة الكبرى” و”الفشقة الصغرى” و”المنطقة الجنوبية”.

تعديات ونهب من الإثيوبين :

ذكرت لجان مقاومة القضارف (نشطاء) في بيان تلقته “أفق جديد”، أن مناطق “بركة نورين”، “ود عاروض”، “وود كولي” في محلية القريضة بولاية القضارف، تشهد تعديات متكررة وخطيرة من قبل مجموعات مسلحة تتبع لـ”الشفتة” الإثيوبية، استهدفت الأراضي الزراعية للمواطنين السودانيين، وامتدت إلى نهب المواشي والممتلكات الخاصة، لا سيما قتل أعداد من السودانيين في الأعوام السابقة، مما أثار حالة من الذعر والقلق وسط السكان المحليين.

وحسب البيان فإن “الاعتداءات تأتي في توقيت حرج مع بداية فصل الخريف، حيث يبدأ المزارعون السودانيون التحضير للموسم الزراعي، وهو ما يجعل الاعتداءات أكثر تأثيرًا على الأمن الغذائي ومعاش الناس في المنطقة”.

ووفق البيان فإن هذه التعديات ليست الأولى من نوعها، إذ تتكرر كل عام تقريبًا مع بداية موسم الزراعة، في ظل صمت مريب من قبل الحكومتين السودانية والإثيوبية، وعدم اتخاذ إجراءات رادعة لوقف هذه الانتهاكات، رغم وجود معسكرات للقوات السودانية بالقرب من المناطق المتضررة، لكنها لم تقم حتى الآن بأي تحرك لصد المعتدين أو حماية المواطنين وممتلكاتهم.

وأوضح البيان أن استمرار هذا الوضع دون تدخل حاسم يشكل تهديدًا مباشرًا لأمن واستقرار الحدود، ويضع علامات استفهام كبرى حول فعالية الوجود العسكري والأمني في المنطقة، ويزيد من معاناة المجتمعات الزراعية التي تواجه هذا التحدي وحدها كل عام.

ودعا البيان السلطات السودانية إلى تحمل مسؤولياتها الكاملة تجاه حماية أراضي وممتلكات مواطنيها، والتحرك الفوري لوقف هذه التعديات المتكررة، وضمان أمن واستقرار الحدود.

غياب الوجود العسكري السوداني :

يقول المواطن المعز عبد الله من منطقة “ود عاروض”، “بدأت الاعتداءات أثناء موسم هطول الأمطار والبدء في تحضير الأراضي الزراعية، ما أدخل الرعب في صفوف المواطنين”.

وأوضح عبد الله في حديثه لـ”أفق جديد”، أن العصابات المسلحة نهبت المواشي في ظل غياب الوجود العسكري والأمني في المنطقة.

من جهته يقول المواطن الحسين بخيت من منطقة “بركة نورين”، إن المليشيات الإثيوبية المسلحة قتلت المواطنين ونهبت محاصيلهم وثروتهم الحيوانية، في ظل غياب الأجهزة الأمنية في المنطقة.

وأضاف بخيت في حديثه لـ”أفق جديد”، “على الدولة تحمل كافة مسؤولياتها في حماية الأراضي وممتلكات المواطنين، والعمل على ضمان استقرار المنطقة وحماية الموسم الزراعي. 

اعتداء على السيادة السودانية 

قال الأمين الإعلامي في تحالف “الفشقة للعدالة والتنمية”، شعيب مؤمن، إن “هذه التعديات قديمة متجددة، وكنت قد حذرت من هذا الأمر خاصة بعد سحب القوات المسلحة كثيرًا من نقاطها وتجفيف بعض معسكراتها، والإعلام يجب أن يكون صريحًا وواضحًا في هذه القضية”.

وأوضح مؤمن في حديثه لـ”أفق جديد”، أن ما يحدث في الفشقة هو احتلال واعتداء على سيادة البلاد ويجب الرد عليه بقوة، لأنه غير مقبول أن تتجاوز قوات إثيوبيا مسافة أكثر من 70 كيلو مترًا داخل العمق السوداني وتتعمد الاعتداء على المواطنين بالقتل ونهب ممتلكاتهم في الفشقة، والجيش له انتشار في الحدود، هذا الأمر يجب مراجعته من قبل القوات المسلحة.

وأضاف: “ذكرت من قبل أن قضية الفشقة هي من أكثر القضايا تعقيدًا، لأن إقليم أمهرا في الأصل إقليم قائم على سياسية الاحتلال، وهذه المشكلة وتوسعاته كلها تأتي على الجوار، لاسيما أن الأقاليم الإثيوبية تشتكي من التعدي المتكرر من إقليم أمهرا”.

تفاوت في التنمية:

وحسب دراسة أعدّها خالد التيجاني بعنوان: “الحدود الزراعية في شرق السودان واستراتيجيات إثيوبيا الزراعية”، نشرتها مجلة “دراسات القرن الإفريقي” 2019، تُعد منطقة الفشقة واحدة من أكثر مناطق التماس الجغرافي توتراً بين السودان وإثيوبيا. وقد تباينت فيها مظاهر العمران والتنمية والخدمات بصورة لافتة، خاصة بين الشريط الحدودي الإثيوبي من جهة إقليم أمهرا، والمناطق السودانية التابعة لمحلية القلابات الشرقية وريف القضارف من الجهة الأخرى.

هذا التفاوت يطرح تساؤلات حول خيارات الدولة السودانية في التنمية، والوظائف الأمنية والزراعية للحدود.

وحسب الدراسة تتميز البلدات الإثيوبية على الشريط الحدودي – خصوصاً الحمرة، عبد الرافع، ماي خضرا – عدي هوسا، أسمره كردي، تسفاى عدوي… إلخ، بتخطيط عمراني منظم، شوارع مرصوفة أو ممهدة، ومراكز صحية وتعليمية قائمة، وقد تمّ تزويدها بكهرباء عامة، وآبار مياه جوفية عميقة ونظيفة، إضافة لتغطية شبكة الاتصال (3G/4G) تصل حتى المزارع المتاخمة لنهري عطبرة وستيت.

في المقابل، تُظهر قرى الفشقة السودانية – مثل ود عاروض، أم راكوبة، سندس، أبو طيور، وغيرها  – ضعفاً واضحاً في البنية الأساسية: الطرق ترابية موسمية، غياب واضح للكهرباء الحكومية، وانعدام شبه تام للمراكز الصحية أو التعليمية المستقرة.

اعتداءات على الأراضي السودانية 

تاريخ النزاع حول “الفشقة” قديم، يعود إلى خمسينيات القرن العشرين، لكنه ظلّ في حدوده بين المزارعين السودانيين وجيرانهم الإثيوبپين.

ويقدر حجم الأراضي الزراعية المعتدى عليها من جانب الإثيوبيين بنحو مليون فدان في أراضي “الفشقة”، بحسب السلطات السودانية.

وتُعد ميليشيات “الشفتة” أحد عوامل عدم الاستقرار على الشريط الحدودي، إذ ظهرت في خمسينيات القرن الماضي كعصابات صغيرة بغرض النهب، وتحوّلت لاحقاً إلى مليشيات كبيرة ومنظمة، وامتلكت أسلحة ثقيلة، وصارت تشن هجومًا على المزارعين السودانيين، ما أدى إلى إفراغ المنطقة، شرق نهر عطبرة، من السكان السودانيين، بحسب الخرطوم.

وتقول قومية “الأمهرا” في إثيوبيا إن تلك المنطقة هي أرض أجدادهم، وإنهم لن يتركوها.

هجمات متكررة 

ومنذ نحو 70 سنة، كلما حل الخريف ينتشر المزارعون من “الأمهرا”، بدعم من “الشفتة” داخل الأراضي السودانية، ويزرعون فيها وتحدث احتكاكات ومناوشات.

وخلت جميع القرى السودانية شرق نهر عطبرة جراء هجمات “الشفتة” المتكررة على المزارعين في هذه القرى، بحسب السكان المحليين، منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي.

وشهدت المنطقة حالات اختطاف مواطنين سودانيين مقابل فدية، ومقتل العشرات من عصابات “الشفتة.

شهد العام 1995 بداية الوجود الإثيوبي الكثيف بهذه المناطق، حيث دخل الجيش الإثيوبي أراضي السودان عقب فشل محاولة اغتيال الرئيس المصري (الراحل) حسني مبارك في العاصمة أديس أبابا، وانسحب لاحقاً. هي المحاولة التي اتهمت الخرطوم بارتكابها، ونتج عنها تدهور علاقات الخرطوم مع كلٍ من أديس أبابا والقاهرة. لكن هذه المناطق، الواقعة شرق نهر عطبرة، استعادها الجيش السوداني في مارس/آذار 2020 ودخلها للمرة الأولى منذ 25 عامًا.

تاريخ من الاتفاقيات 

في 1972، وقع السودان وإثيوبيا اتفاقًا بشأن القضايا الحدودية، وكانت الدول في منظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي حاليًا) صادقت عام 1963 على عدم تغيير الحدود المرسومة بواسطة الاستعمار، واعتمادها حدودًا فاصلة بين الدول المستقلة، وبالتالي أصبح خط “قوين” هو المعترف به دوليًا بين السودان وإثيوبيا.

جرى رسم خط “قوين” عام 1902، ضمن اتفاقية أديس أبابا في العام ذاته، خلال فترة الحكم الثنائي (البريطاني-المصري) للسودان، وجرى الترسيم بواسطة الميجر البريطاني تشارلز قوين، فأصبح الخط يُعرف باسمه. ولا يزال السودان وإثيوبيا يعترفان بكل من اتفاقية 1902 (هارينغتون-منيليك)، وبروتوكول الحدود لسنة 1903.

وتقول الخرطوم إن أجزاء من منطقتي “الفشقة الكبرى” و”الفشقة الصغرى” هي تحت سيادة إثيوبية فعلية، وإن سيادة السودان على المنطقتين معترف بها من أديس أبابا، لكنها معلقة.

وتحاذي إثيوبيا 4 ولايات سودانية، هي القضارف وسنار وكسلا والنيل الأزرق، على مسافة 744 كيلو مترًا، في حين يمتد شريط الحدود بين ولاية القضارف وإقليمي تيغراي وأمهرا الإثيوبيين، بنحو 265 كيلو متراً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى