من على الشرفة
طاهر المعتصم
سوريون عالقون في السودان
منذ تفجر الصراع في سوريا إبان فترة بشار الأسد، كان السودان شأنه شأن أغلب الدول العربية، محطة استقبال للسوريين، الآلاف من الأسر هبطوا مطار الخرطوم، وعاشوا في مختلف بقاع السودان، أسهموا في ترقية كثير من المهن التي عملوا فيها، في مجالات الطباعة، والألبسة المستوردة، أما الأطعمة فأهل الشام لهم فيها خبرات قديمة.
وعلى صعيد آخر كانوا يتميزون بالتنسيق والتنظيم، انتخبوا فيما بينهم من يقوم بأمرهم، ووضعوا أرقام هواتف للاتصال، في حال صدر من أي سوري فعل يخرق القانون مثال التسول، عند الاتصال بهم يأتون ويأخذون المتسول، ويقدمون له سلة غذائية، ويبحثون له عن عمل يكفيه شر السؤال.
لم ينسوا أهلهم وبراميل البارود تتساقط عليهم، فنظموا وقفات احتجاجية للتذكير بوطأة الجرائم التي يرتكبها النظام السوري البعثي، تجاه أهل سوريا.
بالمقابل تضامن معهم عدد من أهل السودان، تشكلت لجنة شعبية لمناصرة سوريا، كانت تضم الدكتور الجزولي دفع الله رئيس الوزراء الأسبق، والدكتور كامل إدريس رئيس الوزراء الحالي، والدكتورة مريم الصادق المهدي وزيرة الخارجية السابقة، والدكتور يوسف الكودة، والأستاذ عثمان ميرغني رئيس تحرير صحيفة التيار، والأستاذ عبدالباقي الظافر الإعلامي المعروف، وآخرين، أقاموا عددًا من الفعاليات والمناشط لدعم سوريا والسوريين في مواجهة النظام الباطش، نظام البعث بقيادة طبيب العيون بشار الأسد.
استطاع السوريون في السودان، أن يحتلوا مكانًا في قلوب السودانيين، رسموا ملامح جديدة في الشكل المهني للعاصمة إن جاز التعبير، انتشرت محلات الأزياء في أهم شوارع الخرطوم، وأحدثوا طفرة في محلات الأطعمة والحلويات، نجحوا في ترقية العاملين السودانيين مهنيًا، مع التزام تام بسداد الضرائب والرسوم الهجرية، لم يخلوا الأمر من مخالفات في إصدار جوازات سودانية بمقابل مالي يذهب للجيوب في عهد البشير، أشارت الصحف السودانية وقتها للأمر.
عند اندلاع حرب الخرطوم في 15 أبريل، نزحوا خارج الخرطوم شأنهم شأن أهلها، المقتدرين منهم غادروا إلى دول الجوار، أما غير المقتدرين، يمموا صوب بورتسودان، آملين في رحلات الإجلاء التي نجحت المملكة العربية السعودية في تنظيمها إلى جدة عبر البحر، مئات السوريين أو قرابة الألفين منهم بأسرهم، لم تتوفر لهم فرص إجلاء لأسباب عدة، لا يزالون حتى هذه اللحظة عالقين.
مما زاد الأمر سواء، تراكم الرسوم الهجرية من غرامات تجديد إقامات وغيرها، حتى بلغت مبلغًا كبيرًا من الدولارات، وهم رقيقو الحال بل أفقروا بسبب الحرب شأنهم شأن كثير من مضيفيهم السودانيين.
انهار نظام بشار الأسد في دمشق، وغادر في جنح الليل إلى موسكو، وفرح العالقون آملين في أن يعودوا إلى وطنهم، لكن الغرامات المالية سيف شاهر أمامهم، مطلوب من الحكومة السودانية، سرعة إعفاء هؤلاء السوريين من هذه الغرامات، والسماح لهم بالعودة إلى موطنهم.
على حد علمي أن الحكومة السورية الجديدة، أرسلت وفدًا قد يكون هبط بورتسودان الأسبوع الماضي، ليت رئيس الوزراء يكرم مثواهم، ويرد العالقين في معيتهم دون من ولا أذى، فقد جرب الملايين من أهل السودان حياة اللجوء بسبب الحرب ومعانتها، واضحوا أكثر تضامنًا مع ضحايا الحروب، فالمصائب تجمع المصابين.