مشروع الجزيرة .. “العطش” يحطم أحلام المزارعين  

 

أفق جديد

يُعاني مشروع الجزيرة وسط السودان من أزمات متلاحقة على رأسها نقص مياه الري وتراكم الطمي وتخريب ونهب أبواب التحكم في قنوات الري ما ينذر بفشل الموسم الصيفي وخسائر مالية كبيرة في صفوف المزارعين.

يقع مشروع الجزيرة الزراعي في وسط السودان بين النيلين الأزرق والأبيض في السهل الطيني الممتد من منطقة سنار إلى جنوب الخرطوم عاصمة السودان.

 وأُنشئ هذا المشروع في عام 1925 لمد المصانع البريطانية بحاجتها من خام القطن والذي شكل أيضاً العمود الفقري لاقتصاد السودان بعد الاستقلال.

 ويعتبر مشروع الجزيرة أكبر مشروع مروي في أفريقيا وأكبر مزرعة في العالم ذات إدارة واحدة.

بدأ مشروع الجزيرة في عام 1911، كمزرعة تجريبية لزراعة القطن في مساحة قدرها 250 فدان (بمنطقة طيبة وكركوج) شمال مدينة ود مدني تروى بالطلمبات (مضخات المياه)، وبعد نجاح التجربة بدأت المساحة في الازدياد عامًا بعد آخر حتى بلغت 22 ألف فدان في عام 1924.

 وفي العام الذي تلاه تم افتتاح خزان سنار وازدادت المساحة المروية حتى بلغت حوالي المليون فدان في عام 1943،  والفترة من 1958 وحتى 1962 تمت إضافة أرض زراعية بمساحة مليون فدان أخرى عرفت باسم امتداد المناقل، لتصبح المساحة الكلية للمشروع اليوم 2.2 مليون فدان.

يرسم مشهد اصطفاف آلاف المزارعين أمام قنوات الري في انتظار مياه طال انسيابها لري البذور التي دفنوها في باطن الأرض قبل أكثر من شهرين صورة أحد جوانب المُعاناة التي يعيشونها وهم يكافحون لانتزاع الحياة من وسط الأزمات المتراكمة.

ورصد محرر “أفق جديد”، آلاف الأفدنة التي يهددها العطش وفشل الموسم الصيفي في أقسام “معتوق”، “المنسي”، “المكاشفي”  “الماطوري” “ود عابد” “حمدنا الله”، “الكراتيب” و”الهشابة”.

اضطر المزارع عبد الفتاح يوسف، في شهر يونيو الماضي لتحضير 30 فدان تفصيلها كالآتي: (دكس قيمة الفدان 60 ألف جنيه، الطراحة قيمة الفدان 15 ألف جنيه، المحراث  قيمة الفدان 30 ألف جنيه، فتح أبو ستة الواحد تبلغ قيمته 25 ألف) وغرس بذوره من الذرة والفول السوداني، لكنه ما زال يقف حائرًا وأرضه ما زالت ترابًا في ظل غياب المياه.

قال يوسف الذي تقع حواشته في ترعة (أبو الحاج) في حديثه لـ”أفق جديد”: “سئمنا من كذب المسؤولين وتخديرهم بشأن الاستعداد للموسم الصيفي”.

وأضاف: “خسرنا أموالنا من أجل تحضير الزراعة، من الذي يعوضنا تلك الخسائر؟”.

بدوره يقول المزارع أحمد عز الزين، في قسم “المنسي”: إن مياه الري تمثل أكبر هاجس للمزارعين فهي مشكلة موروثة منذ سنوات طويلة إثر انهيار البنية التحتية لقنوات الري، والكسور الكبيرة في الترع الرئيسية، ونهب أبواب التحكم.

وأوضح عز الدين في حديثه لـ”أفق جديد”، أن الموسم الصيفي مهدد بالفشل الكامل بسبب تأخر هطول الأمطار وعدم انسياب المياه في الترع الرئيسية والفرعية.

وأشار إلى تأخر تسلم البذور التي قدمها برنامج الأغذية العالمي لمساعدة المزارعين، لكنها ظلت مكدسة في المخازن بسبب الإجراءات البيروقراطية من قبل المسؤولين في مشروع الجزيرة.

وأضاف، “95 ألف فدان ستخرج عن الموسم الصيفي بسبب العطش وتأخر هطول الأمطار”.

من جهته يقول المزارع عبد الله جار النبي  من قسم “معتوق”: “زرعنا مساحاتنا الزراعية بالمحاصيل الصيفية رغم شح الإمكانيات وظروفنا الاقتصادية القاسية وأوضاعنا المعيشية الحرجة، لكننا صدمنا بنقص مياه الري”.

وأضاف جار النبي في حديثه لـ”أفق جديد”، “أصابنا الإحباط واليأس لتجاهل مسؤولي الري للنداءات المتكررة ولا حياة لمن تنادي”.

وتابع، “حالة اللامبالاة من مهندسي الري تؤدي لخروج المساحات من دائرة الإنتاج”.

أما المزارع الجاك حسن من مكتب “النصيح”، فرأى أن الموسم الصيفي مهدد بالفشل جراء نقص المياه رغم النداءات المتكررة لإنقاذ المشروع من العطش”.

وأضاف حسن في حديثه لـ”أفق جديد”، “لمدة 3 أيام متواصلة نمضي الليل بأكمله على ظهر الترع في انتظار المياه، لكنها تأتي بمناسيب قليلة لا تكفي لري القليل من الأراضي الزراعية.”

وتابع، “25 ألف فدان ما زالت تراب ولم تصلها نقطة ماء. الوضع في غاية السوء”.

وزاد: “نحن أهل ونسكن في قرى مجاورة، لكننا خسرنا بعضنا البعض بسبب المياه، البعض يغلق مواسير المياه وآخرون يفتحونها، ورفعنا العصي والعكاكيز وكل هذا بسبب شح المياه وندرتها”.

القطاع الزراعي لم يسلم من تداعيات الحرب؛ إذ سجّل تدهورًا في نحو 6126 هكتارًا من الأراضي الزراعية،  بسبب المعارك أو نتيجة العوامل المرتبطة بها، ما أدى إلى فقدان كبير من الغطاء النباتي.

بالنسبة إلى حمد النيل محمد عبد الله، وهو مختص زراعي، فإن تجهيزات الأرض وتحضيرها من أجل الموسم الصيفي اصطدمت بعدم توفر المياه في الترع الرئيسية والفرعية ما أدخل اليأس في نفوس المزارعين.

وأوضح عبد الله في حديثه لـ”أفق جديد”، أن الموسم الزراعي الصيفي فشل بكل المقاييس في ظل تقاعس إدارة مشروع الجزيرة عن الالتزام بتوفير المياه في مواعيدها.

وسبق أن قال محافظ مشروع الجزيرة، إبراهيم مصطفى، فإن المشروع يواجه مشكلات في عملية الري وانتشار الحشائش والطمي.

وأوضح مصطفى في تصريحات إعلامية، أن “قنوات الري التي تحتاج إلى الصيانة، التي تمثل هاجس كبير، وأكد أن إدارة المشروع تسعى بالتنسيق مع وزارة الري لتجاوز المشكلة وتوفير كافة الإمكانيات لإصلاح عملية الري”.

وقدّرت وزارة الزراعة والغابات في السودان الخسائر التي لحقت بالقطاع الزراعي خلال عامي الحرب التي اندلعت منذ منتصف أبريل 2023 بأكثر من 10 مليارات دولار، وأشارت إلى التدمير والنهب الواسع للأصول وتخريب محطات البحوث.

وذكرت الوزارة في تقرير مفصل أن الحرب تسببت في تدمير ونهب الأصول الرأسمالية من معدات ميكانيكية وحركية، بالإضافة إلى تخريب كامل لمحطات البحوث الزراعية الحيوية.

وأشارت وزارة الزراعة إلى ارتفاع في المساحات المزروعة هذا العام خلال الموسم الصيفي إلى 40 مليون فدان، وأكدت أن ذلك يشير إلى عدم وجود مجاعة في البلاد وفقًا لما ذكرته التقارير الدولية، إلا أنها لم تشر إلى المعوقات التي يواجهها المنتجون خلال الموسم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى