الحرب في السودان بين الضغوط الأمريكية والسيناريوهات القادمة

 

حاتم أيوب أبو الحسن 

في ظل النزاع المتصاعد الذي ينهش الجسد السوداني منذ أبريل 2023، تدخل الولايات المتحدة مجددًا على خط الأزمة، مُبدية رغبة واضحة في وقف الحرب المتفاقمة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. هذه الرغبة، وإن بدت نابعة من دوافع إنسانية وسياسية، تحمل في طياتها أبعادًا إستراتيجية تتقاطع فيها المصالح الدولية والإقليمية، لتُعيد تشكيل المشهد السوداني وفق توازنات جديدة. فهل تنجح واشنطن في إيقاف نزيف السودان؟ وما السيناريوهات المتوقعة إذا ما استمرت جهودها؟

حسابات أمريكية تتجاوز حدود الخرطوم 

رغبة الولايات المتحدة في إنهاء الحرب لا تأتي من فراغ. فالسودان يُمثل موقعًا جيوسياسيًا حيويًا عند ملتقى القرن الإفريقي بالعالم العربي، كما أن تدفق الصراع نحو حدود تشاد وإثيوبيا ومصر يهدد بتوسيع رقعة التوتر في منطقة تعج بالهشاشة الأمنية. كذلك، تتخوف واشنطن من التمدد الروسي المحتمل على السواحل السودانية، مما يجعل الاستقرار السياسي في الخرطوم هدفًا أمريكيًا بعيد المدى، وليس مجرد استجابة لمأساة إنسانية.

السيناريوهات المحتملة في ظل التحركات الأمريكية

السيناريو الأول: تسوية سياسية هشّة بضمانات دولية

في هذا السيناريو، تضغط واشنطن وشركاؤها في الترويكا على طرفي النزاع للقبول بوقف إطلاق نار شامل، تمهيدًا لتشكيل سلطة انتقالية مدنية بتوافق هش. قد تشهد هذه السلطة مشاركة شكلية للعسكريين مع تمثيل رمزي للمدنيين، وسط ضمانات دولية تراقب تنفيذ الاتفاق. إلا أن هذا النموذج يُخشى أن يُعيد إنتاج تجربة “سلام جوبا”، حيث هشاشة التنفيذ وضعف الالتزام.

السيناريو الثاني: تصعيد عسكري ثم تسوية قسرية

قد تسفر الضغوط عن دعم غير مباشر لطرف على حساب الآخر (مثلما تُلمح تقارير عن دعم إقليمي متبادل)، مما يؤدي إلى تصعيد ميداني واسع النطاق. وفي لحظة حاسمة، تتدخل القوى الكبرى لفرض تسوية قسرية من منطلق “الضرورة الإنسانية”، تشمل نشر قوات لحفظ السلام أو فرض منطقة حظر جوي، كما حدث في تجارب مشابهة (كالبوسنة).

السيناريو الثالث: اتفاق جزئي لوقف إطلاق النار الإنساني

إذا فشلت واشنطن في تحقيق تسوية سياسية شاملة، فقد تدفع نحو اتفاق جزئي، يركز على مناطق محددة مثل دارفور والخرطوم، لإغاثة المدنيين وفتح الممرات الإنسانية. هذا الاتفاق قد يحسّن الوضع الإنساني مؤقتًا، لكنه يُبقي جذور الصراع مشتعلة، ويمنح أمراء الحرب وقتًا لإعادة التموضع.

السيناريو الرابع: فشل المساعي واستمرار الاستنزاف

السيناريو الأخطر، الذي تلوح ملامحه، هو فشل الجهود الأمريكية والدولية في تحقيق أي اختراق سياسي، مما يؤدي إلى انزلاق السودان نحو “صوملة” تدريجية. ستتعمق الانقسامات، وتنهار المؤسسات المتبقية، وتتحول البلاد إلى فسيفساء من مناطق النفوذ، حيث تحكم الميليشيات والقبائل والأطراف المسلحة المشهد، في ظل غياب دولة مركزية.

ثالثًا: هل من فرصة حقيقية للسلام؟

يعتمد نجاح أي من السيناريوهات الإيجابية على عوامل عدة:

مدى استعداد الأطراف السودانية لتقديم تنازلات وطنية حقيقية.

وحدة الموقف الدولي، خاصة بين واشنطن والقوى الإقليمية المؤثرة كالسعودية والإمارات ومصر.

دور القوى المدنية السودانية في فرض رؤية انتقالية لا تُختطف من العسكريين مجددًا.

ورغم أن الطريق لا يزال وعرًا، فإن اللحظة السياسية الراهنة تفرض على السودانيين قبل غيرهم أن يكونوا طرفًا فاعلًا لا مفعولًا به، في معادلة السلام القادمة.

السودان يقف على مفترق طرق حاسم: فإما أن تُثمر الضغوط الأمريكية والدولية عن تسوية تضع البلاد على مسار الاستقرار، أو يظل الصراع محتدمًا، ينزف فيه الشعب وتتموضع فيه القوى الأجنبية. وبين هذين الاحتمالين، تبقى إرادة السودانين هي الفيصل ..

               نعود

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى