المؤتمر الوطني منظمة إرهابية.. لماذا؟
في وطن صُبِغَ ترابه بدماء أبنائه، وتوشّحت مدنه بالحريق، لا يسعنا أن نواصل الهروب من الحقيقة، ولا أن نؤجل لحظة المواجهة الكبرى مع المجُرم الذي أُريد له أن يُنسى بمرور الوقت. لقد دخلت بلادنا، منذ اندلاع هذه الحرب البشعة، مرحلة من التمزق والخراب لم تشهدها من قبل، حرب لا تشبه الحروب، بقدر ولا مثيل لها إلا في ما سطره التاريخ عن حروب القرون الوسطى إن لم تفقها سوءًا وبشاعة. منازل تُقصف، أمهات يُسحقن تحت الأنقاض، أطفال يُفقدون بلا أسماء، قرى تُمحى عن الخريطة، ومدن تُفتك بها المجاعة، فيما يواصل مجرمو الأمس – وعلى رأسهم حزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية – صناعة هذا الجحيم، وإدارته، والانتفاع من استمراره.
إنّ من أشعلوا نيران هذه الكارثة، ليسوا غرباء عن مشهد الدم. لقد فعلوها من قبل في دارفور، وفي جبال النوبة، وفي النيل الأزرق وجنوب السودان، وظنوا أن بإمكانهم إحراق البلاد مرة بعد مرة دون حساب. لم يسقط السودان في هذا الهاوية مصادفة، بل دُفع دفعًا إليها على يد نظام تأسس على الإقصاء، ونما بالعنف، وتغذى على الأشلاء واستمرأ في النهب، وانتهى – حين أسقطته الثورة – إلى زرع ألغامه داخل جسد الدولة، كي تنفجر في وجوهنا جميعًا.
نعم، المؤتمر الوطني هو من فجّر هذه الحرب، وأصرّ على استمرارها. حين نادت الثورة بالسلام، جهزوا الكتائب. حين هتفت الجماهير بالحرية، حرّكوا الميليشيات. حين سعى الناس لبناء وطن جديد، بثّوا خطاب التكفير والتخوين، والكراهية، وغرسوا عملاءهم في مفاصل الدولة، ثم انسحبوا إلى كهوفهم ليخططوا لليوم الذي تعود فيه الفوضى فيركبون موجها من جديد.
الحرب التي نعيشها اليوم ليست مجرد صراع على السلطة. إنها فصل من فصول مشروع قديم، قادته الحركة الإسلامية منذ انقلاب 1989، ولا يزال رموزها – في الداخل والخارج – يتحكمون في خيوطه.
لقد شيدوا ميليشيات “الظل”، ومولوا المعارك من قوت الفقراء، وأداروا تحالفات الدم مع من يبيع الوطن في سوق المصالح. دماء الأبرياء في الخرطوم، والجنينة، ونيالا، ومدني، بل حتى في بورتسودان، هي في رقبة هذا التنظيم، الذي لم يكتف بتدمير الدولة، بل يسعى اليوم لتدمير ما تبقى من الروح.
إن تصنيف المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية كمنظمتين إرهابيتين ليس خيارًا سياسيًا، بل واجب وطني وأخلاقي وإنساني. واجب تجاه الضحايا الذين لم تُكتب أسماؤهم في نشرات الأخبار، والذين لم يتبقَ منهم سوى صور في هواتف الأمهات الثكالى. واجب تجاه الأحياء الذين يحلمون بوطن لا يخافون فيه من الطائرات، ولا يتوسلون الخبز والدواء، ولا ينزحون من مدينة إلى خيمة. وواجب تجاه المستقبل، كي لا تقوم دولة السودان من جديد على ركام الجريمة، وبقايا القتلة، وأوهام المصالحة الزائفة.
لا ينبغي أن يُترك الجُرم بلا اسم، ولا أن يُترك المجرم بلا توصيف. فالتاريخ لا يغفر التردد، ولا يُبرر الحياد في لحظات الحق. لهذا، فإن تصنيف المؤتمر الوطني كمنظمة إرهابية هو بداية اعترافنا العلني بأننا نعرف من أين جاءت الرصاصة، ومن خطّط للخراب، ومن يصرُّ أن تظل البلاد معلقة بين جثتين: جثة وطنٍ مات، وجثة وطنٍ لم يُولد بعد.
نقولها اليوم، بكل وضوح: كفى صمتًا. كفى نفاقًا. كفى مراوغة. لا سلام مع من خان، ولا بناء مع من خرب، ولا مستقبل مع من يقتات على الحريق.