إجتماع مجلس السلم الإفريقي ينتهى الى ..”لا جديد يذكر”
لم يخالف التوقعات ولم يلبي الطموحات
أديس أبابا – أفق جديد
في مشهد يعكس تعقيد الأزمة السودانية وإزدواجية المواقف الإقليمية ، إختتم مجلس السلم والأمن التابع للإتحاد الأفريقي إجتماعه رقم 1293 في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا مساء اليوم ، الإثنين دون أن يُحدث إختراقاً فعلياً في جدار الأزمة المتفاقمة ، حيث لم يلبِّ الإجتماع طموحات السودانيين التواقين للسلام ، ولا حتى مطالب طرفي الحرب المتحاربين.
فبينما كانت التوقعات تتجه نحو قرارات جريئة تضع حداً لشلالات الدم والدموع ، جاء البيان الختامي محمّلاً بمواقف متكررة سبق تداولها ، مع بعض التعديلات الشكلية التي لم تُغيّر من جوهر الأزمة . ورغم أن الإجتماع خُصص بالكامل لمناقشة الأوضاع في السودان للمرة الثانية منذ إندلاع الحرب ، فإن نتائجه بدت دون المستوى ، خاصة في ظل تصاعد العمليات العسكرية في دارفور وكردفان ، وتزايد المؤشرات على قرب موجة جديدة من العنف قد تكون الأشد .
بين الإدانة والترحيب : إزدواجية الرسائل
وأدان مجلس السلم والأمن بشدة تشكيل ما وصفه بـ”الحكومة الموازية” في مدينة نيالا ، في إشارة إلى حكومة “تحالف تأسيس” ، داعياً الدول الأفريقية إلى عدم التعاون معها ، ومؤكداً على إعترافه فقط بـ”مجلس السيادة” والحكومة الإنتقالية التي أعلن عنها رئيس المجلس الفريق أول عبد الفتاح البرهان . كما رحّب المجلس بتعيين الدكتور كامل إدريس رئيساً للوزراء ، معتبراً ذلك “خطوة في الطريق نحو تنفيذ خارطة الطريق” التي أعلنها البرهان في فبراير الماضي.
رغم ذلك ، لم يرفع المجلس تجميد عضوية السودان في الإتحاد ، ما أثار إستياء حكومة بورتسودان التي كانت تراهن على ضغوط دبلوماسية تقودها الجزائر – التي تترأس المجلس لشهر أغسطس – إلى جانب دعم من مصر ورئيس مفوضية الإتحاد الأفريقي السفير محمود علي يوسف ، لتحقيق هذا المطلب.
وفي إجتماع غير رسمي طالب مندوب السودان “المجمد” لدى الإتحاد الأفريقي ، السفير الزين إبراهيم ، في كلمته خلال الجلسة التشاورية غير الرسمية ، المجلس بالضغط على قوات الدعم السريع لفك الحصار عن مدينة الفاشر ، والإنسحاب من المناطق المدنية ، ووقف الإنتهاكات بحق المدنيين في دارفور وكردفان .
وجدد الزين دعوته للمجلس إلى الإستمرار في إدانة “الحكومة الموازية” التي أعلنتها المليشيا ، والعمل على إعادة السودان إلى محيطه الأفريقي ، كما ناشد المجلس حثّ دول الجوار على عدم تسهيل مرور الأسلحة والمساعدات لعناصر الدعم السريع ، أو استخدام مطاراتها ومعابرها البرية لهذا الغرض .
وشدد الزين على أن تشكيل حكومة بقيادة الدكتور كامل إدريس يمثل نقطة تحول في مسار تنفيذ خارطة الطريق التي تهدف إلى إنهاء الحرب والعودة إلى الحكم المدني ، داعياً إلى رفع تعليق عضوية السودان في أنشطة الإتحاد الأفريقي ، إستنادًا إلى “مبادرة التضامن الأفريقي” .
وهي المطالب التي لم يتعد صداها القاعة التي تلى فيها الزين خطابه ، وقال مصدر دبلوماسي أفريقي لـ”افق جديد” إن السودان يبدد أمواله ومجهوداته على أمر لن يحدث البتة ، لأن الإتحاد الأفريقي محكوم بقانون صارم تجاه الإنقلابات العسكرية ، ونبه الدبلوماسي إلى مفارقة في موقف السودان قائلاً من المدهش إن السودان كان من أكثر الدول حماساً لتجريم الإنقلابات العسكرية في القارة وإنه كان من أكبر المتحمسين للنص القادة بتجميد عضوية أي دولة يحدث فيها انقلاب عسكري، والآن يريد من الإتحاد الأفريقي أن يتجاوز قوانينه ولوائحه .
وكان مصدر دبلوماسي سوداني كشف عن زيارة أجراها وفد حكومي رفيع المستوى إلى أديس أبابا الأسبوع الماضي ، أجرى خلالها مشاورات غير رسمية مع مسؤولي الإتحاد الأفريقي، بالإضافة إلى إجتماعات مع البعثة الدبلوماسية السودانية في العاصمة الإثيوبية ، تمهيداً لإجتماعات المجلس
وقد أشاد رئيس مفوضية الإتحاد الأفريقي ، علي محمود يوسف ، في مايو الماضي ، بخطوة تعيين كامل إدريس رئيساً للوزراء ، واصفاً إياها بأنها تعزز الإنتقال المدني ، وهو الموقف الذي رآه البعض إنحيازاً واضحاً لصالح حكومة بورتسودان .
لكن في تصريح لاحق مساء اليوم ، قال مصدر دبلوماسي في الإتحاد الأفريقي إن المجلس لم يناقش رفع تجميد عضوية السودان خلال الجلسة الطارئة بشكل رسمي ، مؤكداً التزام الإتحاد بسيادة السودان وضرورة وقف الأعمال العدائية ، ومحاكمة مرتكبي الإنتهاكات ضد المدنيين .
تحليل المواقف
في قراءة موسعة لمخرجات الإجتماع ، قال المتحدث باسم “تحالف تأسيس” الداعم لحكومة نيالا د. علاء الدين نقد ، إن البيان الختامي يعكس إنحيازاً غير معلن من مجلس السلم والأمن الأفريقي ، مضيفاً
“”المؤشرات كانت واضحة منذ زيارة وفد المجلس لبورتسودان والقاهرة ، وحديث السفير محمد بلعيش الذي بارك إستمرار الجيش في قتال ما وصفه بالتمرد ، وهو وصف لم تستخدمه لا الأمم المتحدة ولا الإتحاد الأفريقي منذ إندلاع الحرب . وتساءل علا من أين جاء بهذا التصنيف؟”
وأشار نقد إلى أن حديث المجلس عن تشكيل حكومة مدنية في بورتسودان “يتجاهل معاناة المدنيين في دارفور وكردفان تحت نيران طيران الجيش ، الذي إستهدف المستشفيات والأسواق بدعوى محاربة الحاضنة الإجتماعية للدعم السريع” ، متسائلاً عن صمت الإتحاد الأفريقي تجاه هذه الجرائم .
وإعتبر نقد في حديثه لـ”أفق جديد” أن إشادة المجلس بحكومة بورتسودان ، وإدانته لحكومة نيالا ، تعكس إنعدام الحياد ، محذراً من أن هذه المواقف “تشجع الإنقلابات العسكرية في إفريقيا ، وتهدد المسار الديمقراطي في القارة كلها.”
ويضيف نقد:
“من المؤسف أن المجلس يتحدث عن عملية سلام ، بينما يتغاضى عن حقيقة أن الجيش لا يملك القرار ، وأن الحرب تُدار من قبل المؤتمر الوطني المحلول والحركة الإسلامية.”
وأردف
“الجيش يحرس إجتماعاتهم ، ويحافظ على مكتسباتهم ، ويعرقل أي مبادرة للحل.”
ويرى وكيل أول وزارة الإعلام السابق ، الدبلوماسي الرشيد سعيد ، إن الإجتماع لم يأتي بجديد ، و قال لـ”أفق جديد”
“رغم الزخم الإعلامي الذي رافق الاجتماع ، لم تختلف نتائجه عن مواقف سابقة ، سوى أنه أُعلن في إجتماع حضوري هذه المرة ، ولم يتم عبر البريد الإلكتروني كما حدث سابقًا”. وقال سعيد “لقد منحت بورتسودان مكافأة رمزية بالسماح لمندوبها بالمخاطبة ، والترحيب برئيس الوزراء ، لكن ظل التجمد على حاله.”
وأضاف أن الحكومة في بورتسودان راهنت على الدور الجزائري والدعم المصري ، لكنها فشلت في إنتزاع القرار المنتظر . وفي المقابل ، يعتبر أن الدعم السريع وحكومة تأسيس خشيتا من احتمال رفع التجميد، وبالتالي شعرتا ببعض الارتياح لعدم إتخاذ هذه الخطوة .
وفي ذات إتجاه الرشيد سعيد يذهب الصحافي السوداني المتابع للشأن الافريقي أحمد يونس كان قائلا:
“”لا أعتقد أن ما صدر عن الإجتماع جديد . هي ذات المواقف السابقة ، أضيف إليها فقط رفض الحكومة الموازية وتهنئة حكومة إدريس . كل ذلك لا يغيّر من حقيقة أن هذه الحكومة تشكلت بإرادة انقلابية ، مثلها مثل حكومة معتز موسى سابقاً . ويمضي يونس “هذه حكومة انقلاب ، وبالتالي لايمكنها أن تمثّل قطيعة مع ما إستدعى تعليق عضوية السودان أصلاً”
وأشار يونس إلى أن الإجتماع كان أقرب إلى محاولة لـ”إرضاء حلفاء الجيش” ، وربما إستباق لمبادرة دولية تقودها الولايات المتحدة ، متسائلًا عن كيفية تعامل الدعم السريع مع هذا الموقف الذي بدأ يتحوّل ضدّه تدريجيًا.”
الآليات الثلاث
وفي تطور لافت وفق توصيف الدبلوماسي الأفريقي الذي تحدث لـ “أفق جديد”، أعلن مجلس السلم والأمن الأفريقي عن تفعيل ثلاث آليات لدعم جهود السلام في السودان ، تشمل
الآلية الموسعة: لتنسيق الدعم الإقليمي والدولي
اللجنة رفيعة المستوى برئاسة محمد بن شمباس : لوضع خارطة طريق سياسية .
لجنة إتصال مباشر مع أطراف الحرب: لتأمين وقف إطلاق النار وضمان إيصال المساعدات الإنسانية.
لكن د. نقد كان حاسماً في تشكيكه بفعالية هذه الآليات ، قائلاً
“جميع هذه الأجسام أو مثيلاتها كانت موجودة طوال فترة الحرب . لكنها لم تفعل شيئاً لأن المشكلة ليست في الآليات ، بل في تجاهل حقيقة أن الجيش لا يملك القرار ، بل يتحرك وفق أجندة الحركة الإسلامية . هذا ما أفشل كل المبادرات السابقة ، وسيفشل هذه أيضاً .”
ويحذر نقد من أن إشادة الإتحاد الأفريقي بحكومة بورتسودان وتجاهله لانتهاكات الجيش “يضع علامات إستفهام كبيرة على إلتزام الإتحاد بمبادئه ومواثيقه ، خاصة وأن رئيس مفوضيته محمود علي يوسف سبق وأن أشاد في مؤتمر القمة العربية بـ’انتصارات الجيش”‘، وهي مواقف تفتقر إلى الحياد والخطورة أنها تصدر من رأس المؤسسة مما يفقدها حيادتها ، ويجعلها غير مؤهلة لقيادة أي عملية للتوسط او تهدئة المواقف بين الأطراف المصطرعة في السودان .