الفِجّة

عثمان يوسف خليل

تناولنا في الفِجّة الفاتت بعضًا من صور وحكاية اللهجة في مجتمع القرية في منطقة الجزيرة، التي نحسب أنها عبارة عن بوتقة تكاد تكون واحدة، ونسبة لوضعها اختيرت أن تكون أكبر منطقة للزراعة بالري الانسيابي في المنطقة، وكيف أن الناس كانت وما زالت تهوى ذلك المجتمع المتكامل، الذي ما يزال يحتفظ ببعض أصالته، والكثير من ملامح لسانه الشعبي، المتمثلة في لهجة خاصة، وقد أشرنا إليها في مقام سابق، رغم كل ما مرّ به من ظروف قاسية بعد الحرب الدامية — الحرب التي لم يسلم منها أحد، لا في منطقة الجزيرة ولا في سائر السودان.

ولسنا هنا في مقام النحيب، لكن الذي دفعنا إلى مواصلة الحديث هو أن الحروب، كما نعلم، لا تكتفي بتخريب العمران والوجدان، بل تفرز حياة جديدة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. ومن بين مظاهر هذه الحياة الجديدة، تغيّر اللغة، ودخول مصطلحات جديدة على قاموس اللهجة المحلية.

ومن هذه المصطلحات التي ظهرت في الآونة الأخيرة، كلمة “شفشفة” — وهي تعني الاستيلاء على كل شيء تقع عليه أيدي تلك المجموعات المتمردة، دون مراعاة أو تمييز.

وكان الناس، قبلها، يستخدمون عبارة “نشّف كل شيء”، وهي تقارب في معناها كلمة “شفشفة، إذ تعني الأخذ بلا رحمة أو إبقاء. وهناك أيضًا كلمة “شفط”، التي تُستعمل للدلالة على المعنى ذاته تقريبًا. فيقال: فلان شفط كل شيء، أي لم يترك شيئًا. ويُطلق على الفاعل حينها اسم “شفّاط”، وهو توصيف يحمل دلالة سلبية تعكس الجشع والسلب الكامل. العجيب أن الناس تتفنن فى قلب الكلمات، فهناك على سبيل المثال من يقلب شفط إلى شطف وهي عادة معروفة في اللغة العربية.. الغريبة أن الناس يستعملونها بمعنى النظافة كأن يقولوا (شطف كرعيك، شطف الهدوم، شطف العدة).

ولأهل السودان العجب العجاب…

المملكة المتحدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى