مافيا الدواء تعصف بالسودانيين: “دربات البندول” تختفي من الصيدليات وتظهر في السوق السوداء بأسعار جنونية

أفق جديد

في ظل استمرار حرب السودان، وتفشي الأمراض والأوبئة، اختفت الأدوية والمحاليل الوريدية التي تساعد في تخفيض حرارة وآلام حمى “الضنك”، التي انتشرت انتشار النار في الهشيم في جميع أحياء العاصمة الخرطوم.

ورصدت جولة “أفق جديد”، انعدامًا شبه تام لـ”دربات” البندول في عدد من الصيدليات بمدينتي بحري وأم درمان، ما أدى إلى تذمر واسع في صفوف المواطنين المكتوين بنار أمراض الكوليرا والملاريا وحمى الضنك.

وأفاد شهود عيان “أفق جديد”، أن الصيدليات خالية تمامًا من الدربات ما أدى إلى تعقيد الأوضاع الصحية للمرضى.

ووفق الشهود فإن درب البندول الواحد بلغ سعره 30 ألف جنيه في السوق الموازية وفي أيدي السماسرة بالقرب من الصيدليات، بينما سعره الحقيقي 3 آلاف جنيه

يقول المواطن أنس عبد الله، يسكن حي “الروضة” بمدينة أم درمان لـ”أفق جديد”: “3 من أفراد أسرتي أصابتهم حمى الضنك، ويحتاجون إلى جرعات عالية من دربات البندول لكنه غير متوفر في الصيدليات بسبب الجشع والطمع”.

وأضاف: “هؤلاء يستغلون مرض الناس ويتاجرون في الدواء والحمى تنهك أجسادنا”.

وتابع، “الدواء يباع في الشارع بالقرب من الصيدليات دون رقابة، واستغلال المرضى أسوأ من رصاص الحرب”.

من جهتها تقول المواطنة آمال العبيد، التي تسكن حي الأملاك بمدينة بحري: “المرض أنهك الأجساد والدواء معدوم”.

وأضافت في حديثها لـ”أفق جديد”: “الأوبئة والأمراض في كل بيت وحتى درب البندول أصبح من المستحيلات، ونعالج حمى الضنك بالقرع وعصير الروزانا”.

وغالبًا ما يؤدي اندلاع الحروب إلى نقص حاد في الأدوية نتيجة لتدمير البنية التحتية للرعاية الصحية، وتعطل سلاسل الإمداد، وتصاعد الأسعار، وتدهور القدرة الشرائية للسكان، وزيادة الطلب على الأدوية الأساسية والعلاج اللازم للمصابين.

وتسببت الحرب المدمرة في أضرار بالغة للقطاع الصحي، وخرجت العديد من المستشفيات عن الخدمة، فيما تعرضت غالبية المؤسسات الطبية لعمليات نهب وتخريب وسط شكاوى من انعدام الدواء لتصبح أوضاع المواطنين في أخطار مضاعفة.

ويشهد السودان شحًا في إمداد الدواء وارتفاع أسعاره، وأجبرت الحرب أكثر من 3 آلاف صيدلية مسجلة في العاصمة الخرطوم على إغلاق أبوابها، وتعمل حوالي 50 صيدلية في ظل ظروف أمنية وصحية بالغة التعقيد، كما توقفت أكثر من 45 شركة من شركات الأدوية وجميع مصانع الدواء عن العمل تمامًا منذ اندلاع الحرب منتصف أبريل 2023.

وأبلغت مصادر طبية “أفق جديد”، أن أحياء الخرطوم وبحري وأم درمان تعاني من انتشار الأمراض المنقولة مثل الملاريا والكوليرا وحمى الضنك والتيفويد.

وحسب المصادر الطبية، فإن المستشفيات تعاني ترديًا في البيئة ونقصًا كبيرًا في الأدوية والمحاليل الوريدية، ما أدى إلى تفاقم الأوضاع الصحية.

وقالت المصادر الطبية، إن تلوث مصادر المياه والجثث المتحللة يهدد بزيادة الإصابات وسط المواطنين في الأحياء والقرى.

ورغم الشكاوى المتكررة من انعدام الأدوية والمحاليل الوريدية، إلا أن وزير الصحة الاتحادي د. هيثم محمد إبراهيم، أوضح أن الصندوق القومي للإمدادات الطبية يمثل المحطة الأساسية لتأمين الدواء في البلاد، بتوفير الإمداد لأكثر من 6 آلاف مؤسسة صحية في ولايات السودان المختلفة، مشيراً إلى أن الصندوق تمكن من استعادة أكثر من 60% من السعة الكلية وبعض الأنظمة جراء تعرضه للدمار بواسطة المليشيا المتمردة.

وأوضح الوزير في تصريحات إعلامية، أن الصندوق القومي للإمدادات الطبية يمثل المحطة الأساسية لتأمين الدواء في البلاد، بتوفير الإمداد لأكثر من 6 آلاف مؤسسة صحية في ولايات السودان المختلفة، مشيراً إلى أن الصندوق تمكن من استعادة أكثر من 60% من السعة الكلية وبعض الأنظمة جراء تعرضه للدمار بواسطة المليشيا المتمردة.

وكشف الوزير عن وضع خطة استراتيجية لتأمين الدواء الأساسي للأمراض المزمنة والدواء الاقتصادي في الولايات المختلفة وذلك من خلال تشجيع التصنيع الدوائي، بالإضافة لوضع سياسة لحماية التصنيع المحلي بإعطاء الأولوية، ومنح الكثير من التسهيلات عبر الصناعة التشاركية والاستيراد من الخارج لسد الفجوة مع الموردين مما أسهم فى تحقيق وفرة دوائية خلال فترة العامين السابقين حتى وصلت إلى قيمة 230 مليون دولار.

وأكد وزير الصحة أن السودان لا يعاني من نقص في الأدوية الاساسية وأدوية الطوارئ والمحاليل الوريدية ودربات البندول، بالإضافة إلى محاليل نقل الدم في ظل وجود حمى الضنك.

 

إلى ذلك، أشاد والي الخرطوم أحمد عثمان حمزة، بمجهود إدارة الصندوق القومي للإمدادات الطبية في توفير الأدوية المنقذة للحياة في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد، مطمئنًا مواطني ولاية الخرطوم بوجود مخزون جيد من الأدوية لمواجهة تفشي حمى الضنك والملاريا وجميع الأمراض، ونوه إلى أن إدارة الصندوق تعمل الآن على تغذية جميع المستشفيات والمراكز العلاجية في الولاية.

وشدد والي الخرطوم على ضرورة بحث سبل التنسيق المشترك مع إدارة الصندوق القومي للإمدادات الطبية حول النظرة المستقبلية لوضع ولاية الخرطوم، وأهمية الانضمام إلى منظومة الصندوق القومي للإمدادات الطبية.

وذكرت غرفة طوارئ شرق النيل (نشطاء)، أن المحلية تشهد تدهورًا خطيرًا في الوضع الصحي، مع انتشار واسع لأمراض الملاريا وحمى الضنك في معظم مناطق المحلية، ما يشكل تهديدًا مباشرًا لحياة المواطنين، خاصة الأطفال والنساء والفئات الأشد ضعفًا.

وأشارت الغرفة في بيان تلقته “أفق جديد”، أن المرافق الصحية تعاني من نقص حاد في الأدوية والمعينات الطبية وارتفاع أسعارها، على وجه الخصوص انعدام المحاليل الوريدية المسكنة (دربات البندول) وغيرها من الأدوية الأساسية اللازمة لعلاج الحالات الطارئة ومجابهة الأمراض المنتشرة، وأن هذا الوضع جعل الكوادر الطبية عاجزة عن تقديم الحد الأدنى من الرعاية.

وحذرت غرفة طوارئ شرق النيل من تفاقم الأزمة الصحية، وتطالب السلطات والجهات المختصة والمنظمات الإنسانية بتكثيف الجهود في الرش الوقائي وتوزيع الناموسيات للحد من انتشار نواقل الأمراض، والتدخل العاجل والفوري لتوفير الأدوية والمعينات، واحتواء تفشي الأمراض قبل أن تتحول إلى كارثة صحية واسعة النطاق.

وأطلقت وزارة الصحة الاتحادية بولاية الخرطوم حملة واسعة لمكافحة نواقل الأمراض باستخدام الماكينات المحمولة على العربة، مواصلة لأعمال الحملة القومية لمكافحة نواقل الأمراض التي تستمر لمدة ثلاثة أشهر.

وبدأت الحملة في محلية بحري مستهدفة نحو 70 حيًا، والانتقال تدريجيًا إلى باقي المحليات، كما شهدت محلية أم بدة غربي مدينة أم درمان في الأيام الماضية انطلاقة الحملة .

وتهدف الحملة إلى مكافحة الطور الطائر لنواقل الأمراض مثل حمى الضنك والملاريا، من خلال رش المبيدات في المناطق الخارجية للمنازل باستخدام الماكينات المتنقلة، مما يقلل من أعداد الحشرات الناقلة للأمراض بشكل فعال.

وأكد مدير إدارة مكافحة الناقل د. حمزة سامي الجاك، على أهمية عمليات التفتيش المنزلي كجزء لا يتجزأ من جهود المكافحة، وشدد على ضرورة المشاركة المجتمعية الفعالة لضمان نجاح الحملة وتحقيق بيئة صحية آمنة للجميع. هذه المبادرة تأتي ضمن جهود متواصلة لمكافحة الأوبئة وتحسين الصحة العامة في الولاية.

وتستهدف وزارة الصحة ولاية الخرطوم التفتيش المنزلي وتجفيف مصادر المياه للقضاء على البعوض الناقل لحمى الضنك من الطور اليرقي في الأماكن التي توالد بها، بمحليات كرري وأم درمان وأم بدة، وتستمر لمدة أسبوع لتشمل كافة المناطق والأحياء السكنية عبر فرق متخصصة وبمشاركة مجتمعية.

وشدد مدير الإدارة العامة لطب العلاجي احمد البشير فضل الله، على ضرورة تفعيل الجهد المجتمعي عبر المحليات، وتفعيل التثقيف الصحي خلال حملة التفتيش المنزلي لمكافحة الطور اليرقي للبعوض الناقل لحمى الضنك، مؤكداً على أن 85% من نسبة القضاء على حمى الضنك من مصادر توالد الناقل تعتمد على المجهود المجتمعي والتفتيش المنزلي.

من جهته تعهد المدير التنفيذي لمحلية أم درمان سيف الدين مختار بتسخير كافة إمكانيات المحلية عبر 16 وحدة إدارية لتنفيذ الحملة وإيجاد آليات ليشمل التفتيش المنازل المغلقة، وتوظيف جميع المبادرات المجتمعية لها.

وتوقع نشطاء في العمل الإنساني أن تشهد منطقتي بحري وأم درمان زيادة كبيرة في الإصابات خلال 6 – 8 أسابيع إذا لم تُنفذ حملات رش وتوزيع ناموسيات، مع احتمال ظهور الإسهالات المائية في شرق وريف بحري.

وأوصى النشطاء بتنفيذ حملات رش وتوزيع الناموسيات بشكل عاجل في المناطق عالية الإصابات، وتنظيف الأحياء وتجفيف المياه الراكدة وإزالة النفايات وتعقيم مصادر مياه الشرب وتوفير بدائل آمنة.

وشدد النشطاء في حديثهم لـ”أفق جديد”، على ضرورة تفعيل نظام الإنذار المبكر وربط المراكز الصحية بالسلطات المحلية والمنظمات الدولية، وتجهيز المراكز الصحية بالأدوية الأساسية لمكافحة الملاريا، التيفويد، وحمى الضنك، وعقد اجتماع عاجل مع وزارة الصحة والمنظمات الدولية لتقديم الدعم الصحي العاجل.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى